نصرة الشباب: قيمةٌ عظيمة ودورٌ محوري في بناء المستقبل بقلم الشيخ رشاد أبو الهيحاء، إمام مسجد الجرينة – حيفا

مراسل حيفا نت | 04/01/2025

نصرة الشباب: قيمةٌ عظيمة ودورٌ محوري في بناء المستقبل
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيحاء، إمام مسجد الجرينة – حيفا

تُعدُّ مقولة “نصرت بالشباب” من أبرز العبارات التي تُبرز القيمة العظيمة التي يمثلها الشباب في المجتمعات. فالشباب هم فئة قوية وقادرة على العطاء، وهم في أوج طاقتهم الجسدية والنفسية والعقلية، الأمر الذي يجعلهم أكثر قدرة على التأثير والإبداع في بناء حاضرهم ومُستقبل أمتهم. فبفضل تفكيرهم الصافي وإرادتهم الصلبة، يمكنهم مواجهة التحديات والمضي قدماً نحو رسم مستقبلاً مشرقاً.

 

لقد أوضح القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أهمية دور الشباب في المجتمع، وتوجيههما إلى أهمية الاستقامة والطاعة لله، حيث يمثل الشباب حجر الزاوية في بناء الأمة. وقد حذر القرآن والسنة من انحراف الشباب عن الطريق المستقيم، ودعا إلى ضرورة توجيههم نحو الطريق الصحيح، لأن استقامة الشباب تتعلق بمستقبل الأمة بأسرها. ففي الحديث الشريف: “لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه…”، نجد أن مرحلة الشباب هي من المراحل التي يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة، وهو ما يبرز أهمية استثمار هذه الفترة في ما يرضي الله ويعود بالنفع على المجتمع.

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليترك الشباب دون توجيه، بل حثهم على التحلي بالأخلاق الحميدة، والانشغال بالعبادة والجدية في العمل، كما في قصة أصحاب الكهف الذين آمنوا بالله واجتهدوا في تطبيق تعاليمه رغم ما واجهوه من تحديات كبيرة. فالله سبحانه وتعالى قد وصفهم في القرآن الكريم قائلاً: “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”، مشيراً إلى أن الشباب الذين يلتزمون بتوجيهات الدين يصبحون هم الأكثر قدرة على التغيير والنهوض بالمجتمع.

وقد قدم القرآن الكريم كذلك مثالاً آخر عن صمود الشاب نبي الله يوسف عليه السلام، الذي تحمل ألواناً من العذاب والتحديات، ولكنّه ثبت وصبر، وصمد أمام الفتن والإغراءات بفضل تقواه وخوفه من الله، وهو ما يظهر في قوله: “إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَٰلَمِينَ”، وهذا المثال يُظهر لنا كيف يمكن للشاب أن يكون قدوة في الصبر والنجاح إذا تمسك بتقوى الله.

ولكن هناك أيضاً تحذيرات من الانحراف الذي قد يقع فيه البعض من الشباب، كما حدث مع ابن نبي الله نوح عليه السلام، الذي أصر على مخالفة دعوة والده وركوب سفينة النجاة، فغرق في الطوفان. وهذا يوضح كيف أن الانحراف عن طريق الحق يؤدي إلى الهلاك والفشل، وأن استقامة الشباب على الحق تعد من أسباب النجاة.

وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الشباب على الاستقامة والطاعة، وأوصاهم بالزواج والابتعاد عن الفتن التي قد تؤدي إلى الانحراف، فقال: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج”، مؤكداً على أهمية الوقاية من الفتن عبر الزواج أو الصوم لمن لا يستطيع الزواج.

وفي عصرنا الحالي، ونحن نعيش في عالم مليء بالتحديات والفتن، يُعتبر دور الشباب أكثر أهمية من أي وقت مضى. فالشباب هم عماد الأمة وأملها في بناء مستقبل أفضل. وقد نرى في التاريخ الإسلامي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الشباب جزءاً أساسياً في قيادة الأمة، فاختارهم لتحمل المسؤوليات الكبيرة، مثلما حدث مع مصعب بن عمير الذي كان أول سفير للإسلام، وأيضاً في معركة مؤتة عندما قادها الشباب مثل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، وكلهم كانوا في مرحلة الشباب، ومع ذلك أثبتوا قدرتهم على القيادة والتضحية من أجل دينهم وأمتهم.

بناءً على ما سبق، يتضح لنا أن الشباب يمثلون ركيزة أساسية في بناء المجتمع، وأن الاستقامة على الحق وتوجيه طاقاتهم نحو ما يرضي الله، سيكون لهم الدور الأكبر في بناء أمة قوية قادرة على مواجهة التحديات. إذا كان ابن نوح قد هلك بسبب انحرافه عن الطريق الصحيح، فإن كثيراً من شبابنا اليوم يعيشون في معاناة بسبب انحرافهم عن الطريق المستقيم، مما يوجب علينا أن نوجههم إلى العودة إلى الطريق الصحيح، والاستفادة من الدروس المستفادة من قصص الأنبياء والصحابة.

في الختام، يمكننا القول إن الشباب هم أمل الأمة ومفتاح مستقبلها، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قدم لنا العديد من الأمثلة والتوجيهات التي تبين كيف يمكن للشاب أن يكون قدوة في المجتمع. علينا جميعاً أن نعمل على تحفيز شبابنا ليكونوا جزءاً من حركة التغيير الإيجابي في المجتمع، وأن نحرص على تقديم الدعم والتوجيه لهم لتحقيق أقصى إمكانياتهم، ليس فقط في الدنيا ولكن لتحقيق النجاة في الآخرة أيضاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *