إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي
يعتقد البعض أن الإيمان بالله والالتزام بالعبادة سيجعلهم في مأمن من الابتلاء والمحن، ولكن هذه الفكرة بعيدة عن حقيقة الرسالات السماوية. فالابتلاء سنة إلهية لا تستثني أحدًا، حتى الأنبياء، الذين هم خير البشر. كيف لا، وقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت:
**”أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين.”**
### الأنبياء وأتباعهم: نماذج للصبر في وجه الابتلاء
الأنبياء هم صفوة خلق الله، وقد عصمهم الله من الزلل، لكنهم لم يسلموا من الابتلاءات الشديدة. يقول النبي ﷺ:
**”أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل. يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء.”**
وهكذا، فإن الابتلاء ليس عقوبة، بل هو امتحان يظهر به الصادق من الكاذب، والمؤمن الذي يسعى لرضا الله يدرك أن الجنة، وهي سلعة الله الغالية، لا تُنال إلا بالصبر والثبات. قال تعالى:
**”أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين.”**
### لماذا يُفتن أهل الإيمان؟
سؤال قد يطرحه البعض: لماذا يُبتلى المؤمنون؟
الإجابة تكمن في حكمة الله التي تقتضي أن يكون الإيمان صادقًا، وأن يظهر الثبات في وجه التحديات. قصص الأنبياء تقدم نماذج واضحة على ذلك.
#### نبي الله يحيى: صوت الحق أمام الطغيان
من أشهر الروايات عن مقتل نبي الله يحيى عليه السلام أنه نهى ملك دمشق عن الزواج من محارمه، فكان جزاؤه القتل بسبب جرأته على قول الحق. هذا يوضح أن أهل الباطل لا يقبلون بمن يصدح بالحق، بل يرونه عدوًا يجب القضاء عليه.
#### نبي الله لوط: الطهارة جرم عند أهل الفساد
عندما نهى نبي الله لوط قومه عن الفاحشة، كان ردهم:
**”أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون.”**
فالطهارة والعفة أصبحتا جريمة في نظر أهل الفساد، كما هو الحال في كل زمان ومكان.
#### نبينا محمد ﷺ: دعوة للتحرر من الجهل
أما النبي محمد ﷺ، فقد واجه من قومه أذى شديدًا لأنه دعاهم إلى تحرير عقولهم من عبادة الأصنام والعادات الجاهلية. ورغم محاولات قريش لمساومته، كان جوابه واضحًا لعمه أبي طالب:
**”والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته.”**
وقد وصل بهم الأمر إلى محاولة قتله، لكن الله عصمه، وخرج من مكة مرددًا:
**”وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون.”**
### معية الله: السلاح الأقوى للمصلحين
الثبات على طريق الحق يحتاج إلى اليقين بمعية الله، وهو ما تجلى في قصص الأنبياء:
– **إبراهيم عليه السلام**: عندما أُلقي في النار قال: **”أما إليك يا جبريل فلا، وأما إلى الله فنعم.”** فجعل الله النار بردًا وسلامًا عليه.
– **موسى عليه السلام**: عندما تبعه فرعون بجيشه، شق الله البحر لموسى وقومه، وأغرق الطاغية وجنوده.
قال تعالى:
**”لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى.”**
### الختام: الثبات طريق الجنة
طريق الأنبياء ليس مفروشًا بالورود، بل هو طريق مليء بالتحديات التي تصقل الإيمان. أهل الباطل سيظلون يحاربون الفضيلة، لكن من يثبت على طريق الأنبياء، ويوقن بمعية الله، ينال رضا الله والجنة.
فالثبات هو الاختبار الحقيقي، والمصلحون في كل زمان يدركون أن الله معهم، كما كان مع الأنبياء، فلا يخافون تهديدًا ولا يخشون فتنة.