**حسرة وندامة: دعوة إلى التمسك بالحق والتحذير من الوقوع في مسالك الباطل** بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 13/12/2024

**حسرة وندامة: دعوة إلى التمسك بالحق والتحذير من الوقوع في مسالك الباطل**

بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي

إن الله عز وجل بعث المرسلين هداة للبشرية، ليبينوا الحق ويُحاربوا الباطل، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. فقد بذل الأنبياء كل غالٍ ونفيس في سبيل تنفيذ مهمتهم، حتى بأرواحهم، لتحقيق الرسالة التي كلفهم الله بها. ومع ذلك، ورغم هذه الدعوة السماوية العظيمة، نرى نماذج من الفساد والإفساد تتسلل إلى مجتمعاتنا، تحاول أن تغزو عقول الشباب وتستقطبهم للانحراف عن جادة الصواب. هذه الظاهرة المقلقة تستدعي منا الوقوف بحزم، لنبين للشباب أن طريق الحق هو السبيل الوحيد للسعادة في الدنيا والآخرة، وأن السير وراء الباطل سيؤدي بهم إلى الحسرة والندامة في الدارين.

لقد منح الله الإنسان عقلاً ليميز به بين الحق والباطل، وأعطاه القدرة على الاختيار بين الهداية والضلال. ورغم ذلك، نجد أن البعض يغفلون عن هذه النعمة العظيمة ويقعون في ممارسات تجرهم إلى شراك الباطل. ولقد حذرنا الله من هذه الحال في قوله تعالى: **”وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قَضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ”** (سورة مريم: 39). هذه الآية تحمل تحذيرًا شديدًا للذين يظنون أنهم في مأمن من عواقب أعمالهم، وهم في غفلة عن الحقيقة.

مشاهد الحسرة والندامة يوم القيامة هي صورة يرسمها القرآن للمؤمنين والكافرين على حد سواء. ففي سورة إبراهيم، نقرأ عن حوار بين الضعفاء الذين اتبعوا الطغاة، حيث يقولون: **”إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟”** (سورة إبراهيم: 21)، فيرد عليهم الطغاة: **”لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ”**، ليجدوا أنفسهم في ذات المصير. وهكذا، فإن الحسرة في الآخرة ليست مقتصرة على الطغاة فقط، بل تشمل أتباعهم الذين لم يهتدوا إلى الحق وآثروا الفساد.

وعندما يواجه الظالمون العذاب في جهنم، تتبدد آمالهم في النجاة، وتزداد حسرتهم، كما جاء في قوله تعالى: **”وَإِذَا يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا”** (سورة غافر: 47). هذه المشاهد التي يصفها القرآن هي تذكير لنا جميعًا بأن مصيرنا في الآخرة مرتبط بخياراتنا في الدنيا، وأن التأثير المتبادل بين الطغاة وأتباعهم ليس إلا طريقًا إلى الخسران.

في القرآن الكريم، نجد أيضًا صورة أخرى للحوار بين الظالمين وأتباعهم في النار، حيث يبرأ كل منهم من الآخر، وتتقطع الأسباب بينهم: **”وَلَوْ تَرَىٰ الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ رَأَوْا الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ”** (سورة البقرة: 165). وهذه المشاهد تبرز حقيقة مهمة، وهي أن الظالمين لن يجدوا من يعينهم في ساعة العذاب، بل سيحاولون أن يلوموا بعضهم البعض، لكنهم لن يخرجوا من النار.

إن مما يوجب الحسرة والندامة هو الاستهزاء بآيات الله ورسله. فالله سبحانه وتعالى أمرنا في كتابه أن نبتعد عن الذين يكفرون بآياته ويستهزئون بها، حيث قال: **”وَقَدْ نَزَّلْ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَّرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ”** (سورة النساء: 140). فمداهنة أهل الباطل في باطلهم يعني التورط معهم في المعصية، والوقوع في العذاب نفسه.

والقرآن الكريم يحذرنا من التهاون مع الظالمين، فالله تعالى يقول: **”وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ”** (سورة هود: 113). هؤلاء الذين يساندون الظالمين في ظلمهم، ويتساهلون مع باطلهم، سيكونون شركاء في الجريمة يوم القيامة، وسيندمون على ما قدموا.

إن من واجب المسلم أن يقف مع الحق وينصره، وأن يمنع الظالم من ظلمه. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **”انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”**، فقال الصحابة: “يا رسول الله، ننصره إذا كان مظلومًا، فكيف ننصره إذا كان ظالمًا؟”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: **”تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره”**.

ختامًا، فإن طريق الحق هو الطريق الذي ينبغي أن نثبته في حياتنا، وأن نبتعد عن مسالك الباطل. فالظلم عواقبه وخيمة، وأهله لا يفلحون. دعونا نتمسك بالحق وننصره، حتى تكتب لنا السعادة في الدنيا والآخرة، وتجنبنا الحسرة والندامة في يوم القيامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *