إن أكرمكم عند الله أتقاكم بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

مراسل حيفا نت | 17/11/2024

هذه قاعدة مهمة للتعامل والحكم على العباد رسخها كتاب الله في كتابه بقوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) ومعنى ذلك بأن منزلة المرء عند الله تكمن بتقواه وحسن خلقه وسيرته العطرة وحسن معاشرته للخلق لا بقدر منزلته الدنيوية وحسبه ونسبة وكثرة ماله ومن جميل ما كتب في هذا المعنى ما أورده ابن كثير في تفسيره لهذه الآية حيث قال ( جميع البشر في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء وإنما يتفاضلون بتقوى الله وطاعته ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وقال السدي : أكرمهم عند الله اتقاهم , وهو أكثرهم طاعة لله , وانكفافا عن المعاصي , لا أكثرهم قرابة وقوما , ولا أشرفهم نسبا . والغاية من هذه الآية الكريمة هو انفتاح البشر على بعضهم والتنافس في التقوى لا أن يفتخر بعضنا على بعض بنسبه او عشيرته او كثرة ماله لأن من كان لله أتقى فهو عند الله أكرم . وهذه الآية سطرت نماذج عظيمة في سلفنا الصالح منذ عهد النبي الى يومنا وسأسوق اليكم منها ولكن من الضرورة في مكان أن لا يغتر الناس بالمظاهر والصور والأجسام لأن المقياس يكمن في صدق القلوب والنوايا يروى أن الصحابي عبد الله بن مسعود كان نحيفا وكان قصير القامة فطلب رسول الله عود الأراك ( الذي يستعمل للسواك ) فصعد عبد الله بن مسعود شجرة الأراك فضحك الصحابة من ساقاه فقال رسول الله ( مم تضحكون ؟ قالوا : يا نبي الله من دقة ساقيه فقال الرسول ( والذي نفسي بيده , لهما أثقل في الميزان من أحد ) وكيف لا هو الذي يعتلي جسد أبو جهل ويجهز عليه حتى يخلص المسلمين من فرعون هذه الأمة . ومن أراد الاطلاع على حقيقة الرجال الذين عمر الله قلوبهم بالتقوى فليقرأ سورة ( عبس ) هذه السورة التي خلدت ذكرى رجل من الصحابة ضرير ولكن بصيرته ثاقبة وتقواه لا تهزها الجبال حيث كان من سيرته أنه جاء الى رسول الله وهو مشغول بدعوة صناديد الكفر في مكة فلما دخل على رسول الله قال : يا رسول الله أريد كذا , وكذا , فأعرض عنه رسول الله لأن الرسول لا يريد أن تفوته فرصة دعوة القوم للإسلام ففي استجابتهم توفير للطاقات ولكن الله جل في علاه عاتب رسوله ودون هذا العتاب الى يوم القيامة لنتعبد به في قراءة القرآن وفي الصلوات قال تعالى ( عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما من استغنى فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى فأنت عنه تلهى * كلا إنها تذكرة ) فلما عاد عبد الله بن مكتوم المعني بهذه الآيات مرة أخرى الى رسول الله قام اليه الرسول وعانقه وفرش له رداءه وقال له ( مرحبا بالذي عاتبني فيه ربي ) وما النتيجة ؟ اشراف مكة ماتوا على الكفر والطغيان أما الأعمى ( عبد الله بن مكتوم ) اصبح يخلف رسول الله على المدينة عند سفره ويؤم الناس في الصلاة ولم يكتف بذلك ولكنه أصر على أن يلتحق بجيش المسلمين الذي توجه في عهد عمر بن الخطاب لفتح القادسية فقالوا له أنت معذور أنت أعمى فقال : لا والله , الله يقول ( انفروا خفافا وثقالا ) فلما حضر المعركة استلم الراية فقتل وهو على موقفه وكان قبره تحت الراية ,وها نحن اليوم نذكره وقد عمر الله قلوبنا بحبه , ونموذج آخر من سيرة( جليبيب ) هذا الصحابي كان وجهه دميما فعرض عليه رسول الله أن يزوجه فوصف نفسه لرسول الله وقال عن نفسه ( كاسد ) فرد عليه رسول الله ( غير أنك عند الله ليس بكاسد ) فقال يا رسول الله من يزوجني ؟ ولا أسرة , ولا مال , ولا دار , ولا شيء من متاع الدنيا فقال له الرسول ( اذهب الى ذلك البيت من الأنصار فأقرئهم مني السلام وقل لهم : إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني ) فذهب وطرق الباب وكانوا من سادات الأسر فقال له صاحب البيت ماذا تريد ؟ فأخبره فعاد الى زوجته فشاورها ثم قالوا : ليته غير جليبيب لا نسب ولا مال ولا دار فشاوروا ابنتهم فقالت : وهل نرد رسول رسول الله فتزوج بها وحضر مع رسول الله معركة وبعد المعركة افتقده رسول الله فقال ( هل تفقدون من أحد ؟ ) قالوا فلان وفلان فأعاد السؤال وأعادوا الجواب فقال ( لكني افتقد جليبيبا فاطلبوه ) فوجدوه قد ابلى بلاءا حسنا واستشهد فقال الرسول ( هذا مني وأنا منه , هذا مني وأنا منه ) فمراتب الناس تكون بقدر ما يحسنوه من عمل بنيات صادقة وإخلاص لأن أجسادهم من التراب الى التراب وتبقى ذكريات أعمالهم وهي التي تدون في صحائفهم عند الله وإلا كيف يتفاخر الناس بعائلاتهم ومراكزهم ومناصبهم وقوه سلطتهم وأبوهم آدم أبو البشر جميعا خلق من تراب قال رسول الله ( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض , فجاء بنو آدم على قدر الأرض , جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود , وبين ذلك , والسهل والحزن والخبيث والطيب ) وهو القائل ( يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها , فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله , وفاجر شقي هين على الله , والناس بنو آدم , خلق الله آدم من تراب )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *