أسلوب الحوار الناجح بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

مراسل حيفا نت | 08/11/2024

أسلوب الحوار الناجح بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي
أقدم هذه الرسالة لكل إنسان غيور على مجتمعه وأهله , وكلنا مجتمع وأهل والحديث فيها يدور عن كيفية الحوار في وقت الخلاف لأن الكلام في وقت السعة لا يؤاخذ عليه المرء ولكن في وقت الخلاف كل كلمة ستحسب للمرء إما له أو عليه وأصدقكم القول بأنني اكتب وقلبي يعتصر ألما وحسرة للحرب الطاحنة في مجتمعنا والتي تحرق الأخضر واليابس وتحتاج الى حلول وبما أن دورنا يكمن في الحكمة والموعظة الحسنة فأرى من الضرورة في مكان أن اخاطب أهلي وأبناء مجتمعي وأقول لا تقف ولا تتصلب عند موقف من أخيك فقد يكون مرغما او معذورا في تصرفه أو قد تكون نيته بخلاف ما فهمت وأدركت والله يقول ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) والإخلاص في القول والعمل لا يعلمه إلا الله ونحن نحكم على ما تراه أعيننا لذا قال رسول الله ( إنما الأعمال بالنيات ) وفي هذا المقام اسوق لكم قصة الفضيل بن عياض وعبد الله بن مبارك فالفضيل من سمرقند ( أوزبكستان ) وعبد الله بن مبارك من مرو ( تركمانستان ) وكانت الصداقة بينهما قوية جدا ولكن قدر الله جعل من الفضيل إماما للحرمين وعبد الله بن مبارك كان يحارب على الثغور فكتب الفضيل لعبد الله بن مبارك رسالة يدعوه فيها الى المجيء والتعبد في الحرم والإشغال بالذكر وقراءة القرآن فرد عليه برسالة كتبها على رقعة
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار الخيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
والشاهد في هذه القصة أن كل منهما يعمل في طاعة ولكن قد لا يقدر الشخص عظم ما يقوم به الشخص الآخر فليعذره بل وليتعاون الجميع على أبواب الخير وهي كثيرة ولا يستطيل أحدهم على الآخر والرسول الكريم قال ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ) ومن الحكمة استعمال العقل وقت الخلاف لأن خلافا بسيطا قد يؤدي الى كارثة لا تحمد عقباها ولذا اسوق لحضراتكم كيف تحسم الخلافات بين العلماء . كان من اشهر تلاميذ الإمام أبو حنيفة صاحب المذهب الحنفي تلميذ يقال له ( أبو يوسف )يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وهذا التلميذ كان والده في صغره لا يريد له الالتحاق بحلقة العلم عند ابي حنيفة بل أراد له الذهاب للسوق والعمل فيه لأنهم من الفقراء ولكن الإمام تكفل بأجرة تلميذه حتى يلتحق بحلقات العلم وفي يوم مرض أبو يوسف فزاره أبو حنيفة فوجده مقعدا من شدة المرض فخاف عليه وقال ( لقد كنت أرجوك للناس من بعدي ) وعاد أبو حنيفة للتدريس ولم يمض وقت طويل حتى شفي أبو يوسف ولكنه اخذ له زاوية في المسجد يدرس فيها ولم يعد الى حلقة العلم عند ابي حنيفة ومثل هذا الحال قد يؤدي الى خلاف ولكن الحكمة اقتضت ان يبعث له أبو حنيفة مسألة مع احد تلاميذه فجعلته يعود الى حلقة العلم وهي ( رجل دفع ثوبا الى خياط ليقصره فلما جاءه بعد أيام انكر الخياط الثوب فاستدى الرجل الشرطة فاستخرجت الثوب من دكان الخياط فالسؤال هل للخياط أن يأخذ اجرة تقصير الثوب ؟ فإن قال نعم اخطأ وأن قال لا أخطا فعاد أبو يوسف الى أبي حنيفة يسأله عن الجواب وألح فقال أبو حنيفة: إن كان قصره على طوله فلا يستحق وإن كان قصره على طولك فيستحق , فلزم أبو يوسف حلقة العلم عند أبي حنيفة , وهذه إشارة لكل طالب علم لا تستعلي على مدرسك بل تواضع ولكل شاب استمع الى حكمة العلماء ومن هم اكبر منك سنا وخاصة هؤلاء الذين خاضوا غمار هذه الحياة واطلعوا على بعض اسرارها فملازمتك لهم وسماعك لنصائحهم يمكن ان تجعلك في امان وهذه غاية مطلوبة وعند تعاملك مع الناس قس أهمية الأمور وعظمها عندهم لا عندك فقد تكون مسألة بسيطة عندك كبيرة عندهم فمن الحكمة التعامل مع الواقع هذا ما تعلمناه من رسول الله يروى ان رسول الله كان في سفر فلقيه اعرابي وطلب منه طلبا ولم يكن الرسول يرد احد فقال له : ابشر . ولكن حاجة الرجل لم تتوفر لرسول الله فعاد الرجل الى طلبه . والرسول يقول له : أبشر . فغضب الرجل وقال وهو يصرخ وجه رسول الله : قد اكثرت علي من قول أبشر ,فغضب الرسول ولكنه التفت الى ابي موسى وبلال وكانا جالسين الى جنبه وقال لهما : رد البشرى فأقبلا أنتما فاستبشرا وقالا : قبلنا البشرى يا رسول الله . ويحسم كل خلاف وحوار الكلمة الطيبة ( والكلمة الطيبة صدقة ) وعدم الجدال الذي لا يسمن ولا يغني من جوع قال رسول الله ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا , وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا , وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )​​​

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *