لا شك بأننا نشهد تحديات جسام ومحن يشيب لها الولدان جعلت المستضعفين في حيرة وتردد وجعلت المتجبرين يرددون ما قاله فرعون سابقا ( أنا ربكم الأعلى ) وكلا الطرفين يجب أن يلتفت الى مصير المستضعفين في الأرض حيث بإيمانهم وثباتهم مكن الله لهم وأيدهم وأمدهم بمدد من عنده أما مصير فرعون لما قال مقولته تلك كانت نتيجته ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) والله يطلب منا أن نعتبر من تاريخ الأمم السابقة لأن لله في هذا الكون سنن ثابتة لا تتبدل ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ) (ولن تجد لسنة الله تحويلا ) قال تعالى ( افلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) وهذا الفهم يعطينا القوة على الصبر والثبات رغم المحن الشديدة التي يتعرض اليها البعض منا وكما قال الشاعر في ذلك :
فإذا بليت بنكبة فاصبر لها من ذا رأيت مسلما لا ينكب
وإذا أصابك في زمانك شدة وأصابك الخطب الكريه الأصعب
فادع الإله فإنه أدنى لمن يدعوه من حبل الوريد وأقرب
ولا شك أن الصبر والثبات والإستعانة برب السموات والأرض نتيجته العزة والكرامة والتمكين , ولا يمكن لظالم أن يدوم فقد أكد الرسول الكريم هذا المعنى بقوله وهو الصادق الصدوق فقال ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) ومما يروى أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد ( احد المبشرين بالجنة ) أنه اغتصب شيئا من أرضها فخاصمته الى مروان بن الحكم فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعته من رسول الله ؟. قال مروان : وما سمعت من رسول الله ؟ قال : سمعت رسول الله يقول ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين ) فقال مروان : لا أسألك بينة بعد هذا . فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها , واقتلها في أرضها , قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها , ثم بينما هي تمشي في أرضها , إذ وقعت في حفرة فماتت وكانت قبل موتها تلتمس الجدران وتقول : أصابتني دعوة سعيد بن زيد . ورب العزة يؤكد أن مثل مصيرها سيكون مصير كل طاغية وظالم قال تعالى ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) والنبي يحذر من الظلم فيقول : دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب – عز وجل – وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) فالبرامكة كانوا من المقربين لهارون الرشيد فبلغ بهم الترف الى أن صبغوا بيوتهم بماء الذهب وضيعوا الأموال وسفكوا الدماء فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر حيث حبيبهم هارون في ليلة غضب عليهم فنكل بهم وانزل بهم اشد العذاب وقتل منهم العديد فمر أحد العلماء على شيخ منهم فقال له : ما هذه المصيبة التي حلت بكم ؟ فقال : دعوة مظلوم سرت في الليل , نمنا عنها , والله ليس بنائم . وقال الشاعر في هذا لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم يرجع عقباه الى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
فإذا كان هذا مصير الظالمين على مدار التاريخ فلا بد للمظلومين من الصبر والثبات ونستوصي بوصية لقمان لابنه ( واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ) والله يبشر الصابرين ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) ويوجه ندا قويا للمؤمنين فيقول ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) فكيف سيكون مصير الذي استعلى في الأرض وتجبر وقال ( أنا ربكم الأعلى ) عندما يقول ربنا عز من قائل ( أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ ثم يقول ( لمن الملك اليوم ؟ لمن الملك اليوم ؟ لمن الملك اليوم ؟ ) فلا يجيبه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فيجيب نفسه بنفسه تبارك وتعالى ( لله الواحد القهار ) ثم يقول ( إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما , فوعزتي وجلالي لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة ) فعندها تنصب الموازين وترفع الصحف وتحضر الملائكة ويأتي الظلمة فيعض كل واحد منهم على يده ندما وحسرة بل يقول في هذا الموطن ( يا ليني كنت ترابا ) فالذي يتحول الى تراب يوم القيامة هم البهائم ومعنى قول الظالم : يا ليتني كنت بهيمة لأتحول الى تراب خوفا من شدة العذاب الذي ينتظره , وليعلم المبتلى أن هذا الابتلاءمقدمة للشفاء والعافية كالدواء المر الذي فيه الشفاء والله ربنا يقول ( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )