من أدب التعامل مع الاخوة بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

مراسل حيفا نت | 13/10/2024

من أدب التعامل مع الاخوة

بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

مما أدهشني وأثار حفيظتي أن الكثير من الناس بعد كتابة المقالة بعنوان الاخوة المبتغاة توجهوا الي مستفسرين وشاكين سوء اخلاق أناس من اقرب الناس اليهم , وهذا أيضا نلاحظه عند مساعينا للإصلاح بين الناس حيث نجدهم يركزون على سفاسف الأمور وصغائرها أكثر من الكبائر  وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم معرفة فن التعامل مع الناس وخاصة الأقارب , فالأقارب قد يعرفون عنك أكثر من غيرهم أو قد تدفعهم الغيرة للخوض فيك بألسنتهم أو حتى ايذائك تماما كما صور لنا القرآن قصة ابني آدم , وقد سقت في الأسبوع الماضي ما قاله احد العلماء في صفة الإنسان المحب لإخوانه طمعا بأن يكون كل واحد منا على هذه الصورة القائلة : أخوك ( وهنا اخوك في الإنسانية ) الذي إذا مددت يدك بالخير مدها , وإن رأى منك حسنة عدها , وإن رأى منك سيئة سدها , وإن سألته أعطاك , وإن سكت عنه ابتداك , وإن نزلت بك نازلة واساك , أخوك الذي إذا قلت صدق قولك , وإذا رأى منك عورة نصحك , وإن تنازعتما في شيء آثرك , يكون معك في النوائب , ويؤثرك في الرغائب , ويضر نفسه لينفعك , ويشتت شمله ليجمعك , وحتى يصل الحال الى مثل هذه المرتبة فلا بد من إضافة سلوك جديد يروض عليه الانسان المحب لإخوانه نفسه وهو خلق التغافل عن عيوب الناس وتجاهل اخطائهم  وهذا لا يدل على ضعف أو خور إنما هذا فن من فنون حسن التعامل مع البشر وقد سبقنا اليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ففي سور التحريم يقول تعالى عن هذا السلوك النبوي ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ) والشاهد في هذه الآية أن النبي تجاهل او تغافل عن بعضالكلام وبعض التصرفات من زوجاته حتى  يترك مجالا للصلح وهذا لا يدل على ضعفه ولكن على حكمته وقدرته على السيادة وقد قالت العرب قديما في هذا الفن قولا بليغا نحتاج الى اداركه

    ليس الغبي بسيد قومه    ولكن سيد قومه المتغابي  ( أي المتغافل )

لأن عدم التركيز على هفوات اللسان او صغائر اعمال الناس يعطي الساعي الى الخير الفرص للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بينهم  وقد قيل عن هذا الفن : التغافل هو أن تغض الطرف عن الهفوات , وألا تحصي السيئات , وأن تترفع عن الصغائر , ولا تركز في اصطياد السلبيات , فهو فن راق لا يتقنه إلا محترفوا السعادة  وقد أمرنا ربنا بقوله ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها لا ذو حظ عظيم ) ولا يكون دفع السية الا بتجاهلها او التغافل عنها  , وكما قدمت فرسول الله كان لنا قدوة في كل شيء فهو الي كان يتجاهل إساءة كفار قريش له وسبه وكان يرد عليهم بغير اسلوبهم هو القائل لأصحابه ( لا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم , يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا  محمد ) ذلك لأن  قريش كانت تلقب الرسول الكريم بمذمم  وقد يسأل سائل لما يفعل ذلك الرسول ؟ والجواب في صفات عباد الرحمن وهو إمامهم قال تعالى ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) فمن المرجو في فن المعاملات التجاهل عن بعض الأخطاء حتى يحافظ أحدنا على استمرار العلاقات الاجتماعية بأحسن حال وخاصة إذا كانت بين الأهل والخلان أو بين أناس ترغب في استقامتهم فعن أنس قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسل وعليه برد نجراني غليظ الحاشية , فأدركه أعرابي , فجبذه جبذة شديدة , فنظرت الى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال : يا محمد , مر لي من الله الذي بين يديك فالتفت إليه, فضحك , ثم أمر له بعطاء , ومن لا يستطيع على ذلك فليعرض عن الجاهلين قال تعالى ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم  سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) قال ابن الجوزي ( ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام , فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء , فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب , والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله وأحبابه وأصحابه وجيرانه وزملائه , كي تحلو مجالسته , وتصفو عشرته . وهذا ما أراده النبي من أصحابه حين قال لهم ( لا يبلغني أحد عن أحد شيئا , فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر )  وقد وصفه عمرو بن العاص  فقال كان رسول الله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح .    ولكم أيها الاحبة الكرام الخيار فإما أن نركز بكل صغيرة وكبيرة ونتبع عورات الناس وعندها نكون في غم وهم الى الأبد وإما أن نتجاهل ما يزعجنا ونبتسم ونستمر في الأمر بالمعروف والهي عن المنكر بهدوء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *