في مصطلح المجاز بقلم رشدي الماضي

مراسل حيفا نت | 07/10/2024

 

” أتحدَّثُ فَيُبْدع العالم- عبارة وردت في قصيدة

“الأبيض” للشّاعر اكتافيو بات وإذا سألنا بعد قراءتها، مَنْ الذي يُبْدع، نصل بعد تأمّلٍ راءٍ، أنَّ الذي يُبْدِع في الواقع هي القصيدة؛ لأَنّ شاعرنا في كلماتهِ أَعلاه، قام بما يُعْرف “بترويض اللّغة”.

والمعروف عن آليّة هذا التَّرويض أنَّهُ يعني ضرباً من الانسحاب أو الإبتعاد عن العالم، بهدف افساح المجال “للمجاز” أنْ يقوم مقام اللّغة، ليصبح بالنّتيجة نوعاً من التَّصالح بينهما من أجل  “فهم العالم وتفسيره”…

يحضرني، في هذا الصّدد، ما أشار إليه المفكّر هايدغر، حين ذهَبَ أَنَّ الحقائق الواقعيّة في الوقائع الحقيقيّة، هي في الاقتراب من المجاز، الذي اعْتبرهُ – فخَّاً – لقنص العالم، أو اصطياد

“لحظة منه”، وهنا جاء الفرنسيّ جيل دولوز مؤكدّاً، أنَّ ذلك يتمُّ

“في لحظة إشراق  ووضوح”…

لذا- كان الشّاعر الذي يبحث عن “الظّلام” في “عز النّهار” يُعَمِّق رؤيته في النّهار، أيّ أَنْ يسعى إلى تحويل الضّوء أكثر بريقاً واشعاعاً من تلقاء نفسه، فتتأكّد مَقولة: أَنَّ هذا الضَوء هو الذي يسبق الظَّلام ولا بُدَّ لي، وأنا في هذه العجالة، أَنْ اُنَبِّه إلى أَنَّ المجاز، لا يُنْظَرُ إليه البتّة بأَنَّهُ صورة من صور التَّقارب والتَّصالح بين الاضداد، بل يجيء انعطافاً أَو ازْوراراً للّغة…

وهذا ما يُعْرف ب “ضمير القول الشِّعْري” الذي يُجَسِّد باستمراريَّتِهِ وتصاعده ما بين “الكلمة والعالم” معاً، فيُصْبح هذا القول هو التَّبليغ الحقيقيّ، الذي لا وجود له سوى باللّغة!!

فتجيءُ القصيدةُ، بمثابة المغناطيس للعالم كمخلوق، حين تُقِيْمَهُ كوحدة مجازيّة، وتدخل مَعَهُ في حوار مُشْترك لتخلق موازنة بينه كعالم وبينها كقصيدة…

وإذا عدنا إلى اكتافيو بات، نرى بأَنَّه خاطب العالم باللّغة، وجعله يُصبح مجازا في لحظة “بيضاء”، وهي لحظة صمت وسكون، جعلت الإثنين موضوعين على “قدم المساواة”، فوجود الواحد لا يُلغِي وجود الآخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *