الأخوة المبتغاة بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

مراسل حيفا نت | 05/10/2024

عند الحديث عن الأخوة لا أعني أخوة النسب ولكنني أعني الأخوة الأشمل وهي الاخوة الإنسانية ومن ثم اخوة الدين وبعد ذلك اخوة النسب وهذا لا يعني بأن اخوة النسب لا قيمة لها بل العكس هو الصحيح فكل اخوة محمودة إذا كانت نتيجة هذا الانتماء هي الخير للمجتمع والأمة والناس أجمعين وقد جاء في القرآن الكريم بعد ذكر الأنصار والمهاجرين في سورة الحشر وكيف كان ايثارهم لإخوانهم قال تعالى ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) فقد أورد ربنا دعاء الأتقياء من سلفهم فقال ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم )  فمن مقتضيات الأخوة حب الخير للآخرين وعدم الحقد عليهم من اجل متاع قليل زائل  فمن احب الناس أكرمه ربنا كرامة لا حد لها ولا يوازيها أي شرف وهذه الكرامة هي أن يكون في ظل عرش الرحمان يوم لا ظل إلا ظله قال رسول الله ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل , وشاب نشأ في عبادة الله , ورجل قلبه معلق بالمساجد , ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه , ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) والشاهد في هذا الحديث أن الحب في الله نتيجته علو المكانة عند رب السموات والأرض ( يوم يفر المر من أخيه وأمه وأبيه ) وذلك لأنهم استحقوا محبة الله لهم لحبهم لإخوانهم قال رسول الله في الحديث القدسي  ( قال تعالى : وجبت محبتي للمتحابين في , والمتجالسين في , والمتزاورين في ) وقد ضرب لنا الرسول المثل العملي من الرحمة لأنه كان محبا لإخوانه قال تعالى ( فبما رحمة من الله لنت ولو كنت غليظ القلب لانفضوا من حولك ) وهذه الرحمة النبوية نحتاجها الى أن تعم وتنتشر بين البشرية التي فقدت كل معاني الرحمة والشفقة وعلى كل المستويات العالمية والمحلية بل في الدائرة الصغيرة وهي الأسرة حيث سادت الضغينة والحقد والحسد بين الناس فأفقدهم معاني الأخوة الحقيقية ولذا حذر النبي من دواعي الحقد فقال ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث , ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا ) لما لا نرى معاني الأخوة في التعاضد والتناصح والمشاركة في عمل الخير بدل حالات العنف والقتل والتشريد ورسولنا الكريم يعلمنا أهمية معونة المحتاج من الناس فقال ( ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ) فالأخوة اخذت مكانة عظيمة في كتاب الله من خلال القصص القرآني الذي غايته ارشادنا الى أهمية الأخوة فذكر لنا ربنا أن الأخوة في النسب قد لا تجدي نفعا يوم القيامة قال تعالى ( فإذا جاءت الصاخة * يوم يفر المرء من أخية * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم  يومئذ شأن يغنيه ) ومن أخطر ما تبتلى به الأخوة حين يكون سيد الموقف والحسد والضغينة فعندها لا تجدي نفعا اخوة النسب ولا اخوة الدين ولا حتى الأخوة الإنسانية وهذا ما أراد ربنا أن يوصله لنا من خلال سرده لنا قصة ابني أدم ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فتله فأصبح من الخاسرين ) فلما فقد معاني الأخوة اصبح من الخاسرين ومن المسودة وجوههم لأن الغراب اصبح اعلى مرتبة منه فهو أصبح قاتل والغراب يعمل على ستر عورة أخيه قال تعالى ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين ) وعندما تعرض الحدهم الى الغاية من الأخوة فقال : اخوك الذي إذا مددت يدك بالخير مدها , وإن رأى منك حسنة عدها , وإن رأى منك سيئة سدها , وإن سألته أعطاك , وإن سكت عنه ابتداك , وإن نزلت بك نازلة واساك , اخوك الذي إذا قلت صدق قولك , وإن رأى منك عورة نصحك , وإن تنازعتما في شيء آثرك , يكون معك في النوائب , ويؤثرك في الرغائب , يضر نفسه لينفعك , ويشتت شمله ليجمعك . وهذا ما قاله الشاعر أيضا :

   إن أخاك الحق من كان معك        ومن يضر نفسه لينفعك

   ومن إذا ريب الزمان صدعك      شتت شمله فيك ليجمعك  

لأن الأخ هو الأنيس والنصير من بعد الله فمن لا اخ له كعاري الجسد ولا يجد من يستره قال الشاعر :

اخاك أخاك إن من لا أخ له    كساع الى الهيجاء بغير سلاح

وبمثل هذه المشاعر خفف يوسف نبي الله عن أخيه بنيامين حين لقيه فخفف عليه بؤسه بقوله ( إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) فهل اتخذنا هذا الكلام شعارا نحمله ونواجه به اخوتنا من أبناء آدم أم أننا على غير هذه الشاكلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *