القصيدة الحِسّيَّة بقلم رشدي الماضي

مراسل حيفا نت | 23/09/2024

القصيدة الحِسّيَّة

بقلم رشدي الماضي

 

تاريخ الشٍّعر في أمريكا اللاتينية في القرن العشرين هو:- “قِصَّة التّناوش والتّداخل في هذه القارّة المُتَعدّدة الوجوه”.

هذا ما يؤكّدهُ النّاقد المكسيكي المعروف ادواردو ميلان، الذي أضاف أيضاً، أنَّ شعراء هذه القارّة، خاصّةً في العقود الأخيرة، قد جعلوا مِنَ اللّغة شُغلهم الشَّاغل…

لذلك، أصبحت اشكاليّة اللّغة عندهم تحتل مكانة أولويّة، ليس في تحليلاتهم ودراساتهم اللغويّة والنَّقديّة وحسب، بل بالشِّعر ذاتِهِ بشكل خاص، فعملوا على تفجير اللّغة واستغلال امكانيّاتها الهائلة، وطاقاتها المخزونة، وهذا ما أدّى بشعراءِ أمريكا اللاتينيّة أن يتناولوا اللّغة الشِّعريّة ذاتها بشكل مدهش ومبهر…

ولا يخفى على الدّارس الحصيف، مدى التّأثير الكبير، للشُّعراء الفرنسييّن خاصّةً، رامبو وبودلير وملارميه على شعراء القَارَّة أعلاه، والذي تمخّضَ بالنَّتيجة عن ظهور حركة شعريّة أطْلِق عليها “القصيدة الحِسيّة” في الخمسينات من القرن الفارط في سان باولو في البرازيل، التي أَسَّسها ثلاثة شعراء:-

اوغستو دي كامبو، ديسيّو ليبفناتاري ودولدو كامبوس…

فأحدثت هذه الحركة الشّعريّة الجديدة تأثيرات بليغة في مجموع الشّعر الأمريكي اللاتيني، وقد أطلق على الجانر من الإبداع، ما بعد الشّعر؛ ووصف أَحَد شعرائهِ وهو كامبوس بالشّاعر الذي لا نظير له بين شعراء القارّة آنذاك…

ومن الضّروري أَنْ نُسَجّلَ، ونحن في هذا الصَّدد، أَنّ هذه المغامرة الخاصة بالقصيدة الحِسيّة خلقت إتّجاها فكريّا جديدا هناك، أدّى بالنُّقّاد المكسيكيين أنْ يُجْمِعوا أَنّ شِعر اكتافيو بات، يعتبر امتداداً لهذا التيّار المؤثّر، ويتجلّى ذلك بشكل خاص، في قصيدتِهِ المشهورة “الأبيض” التي كتبها عام 1966، في الهند، واعتبرها النّاقد ميلان، أعلى مراحل التنوير الشّعريّ، حيث يُظهر بات فيها تجليّاته اللغويّة، وطاقاتهِ الإبداعيّة، مِمّا جعلها أَنْ تُصْبح عنده انعكاساً للغة ذاتها…

وجعلَهُ يتفوّق فيها على الشّعراء من مُجَايليه، وَيْرتقي إلى مصافّ مالارميه، في المُزَاوجة بين اللّغة والقصيدة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *