نعيش في زمن أشار اليه الرسول فيما يرويه عن ربه القائل ( بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يسير فيها الحليم حيران ) ومما يزيد من حيرتنا أننا نجد من فلذات أكبادنا شبابا وشيبا رجالا ونساء يعيشون في حالة من الغفلة وطول الأمل ولا يلتفتون الى قضاياهم ولا يشعرون بانتمائهم الى أمة تعاني من ويلات وحسرات ولا يتفاعلون معها في همومها وافراحها رغم شدة المحنة التي تعيشها الأمة فأفراحهم يسودها اللهو واللغو والتبذير وأتراحهم كأنها نزهة . في مجمل نظام حياتهم كأنهم في عالم غير عالم هؤلاء وهذا يدل على شدة الغفلة التي يعيشها جزء لا يستهان به من أهلنا والله يقول ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) فالسبب الرئيس من أسباب الغفلة هو أن الإنسان يتأمل من الحياة الكثير رغم أن متاعها قليل وعمرها قصير ومن أراد السعادة فيها فلا بد له من أن ينتمي الى مجتمع يحمل من همومه ويفرح لفرحه حتى يشعر بنشوة وعزة وخاصة نحن أبناء هذا المجتمع العزيز الذي لا بد أن يكون كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالحمى والسهر , فعندها مهما كان حال الإنسان منا يشعر بنشوة وسعادة لأنه قوي بإخوانه وأبناء مجتمعه أما طول الأمل والغفلة إنما أساس الصراع الداخلي الذي أصبح ينتاب شريحة لا بأس بها من أبناء مجتمعنا وأمتنا ولو تتبعنا الآيات القرآنية نجد أن القرآن عاب الغفلة لأنها أساس الصد عن الحق وأساس اتباع الباطل قال تعالى ( ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون * لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ) فالغافل لا ينتبه الى مصالحه الدينية ولا الدنيوية فهمه الأكل والشرب والمتع الزائفة ويغفل أنه هناك غاية عظيمة لوجوده في هذه الأرض الا وهي خلافة الله قال تعالى للملائكة قبل أن يخلق آدم عليه السلام ( إني جاعل في الأرض خليفة ) ولذا قال الامام علي ( إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنين : طول الأمل واتباع الهوى , فأما طول الأمل فينسي الآخرة , وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ) وما قال ذلك الا لعلمه ويقينه بأن من اطال الأمل أساء العمل لغفلته عن الأخرة وما أعد الله فيها لعباده , فلا يلتفت الى ما يريده منه ربه قال تعالى ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكر من ربهم إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم ) وما لهت هذه القلوب وانشغلت عن مراد ربها الا لأن حب الشهوات والملذات استحكم على قلوبهم فصدهم عن طريق الهداية قال تعالى ( وعد الله لا يخلف وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون * اولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ) ومن اخطر ما ينتاب الغافل عن مراد ربه أنه يغوص في ألوان الذنوب ذلك لأن القلب اشرب الفتن فأصبح لا يعرف معروفا ولا ينكر منكر وهذا ما أشار اليه القرآن بالران الذي يصيب القلوب قال تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) فبقدر ما يغطي القلب من الران يطبع على قلب العبد وعلى سمعه وبصره فلا يتعظ بأي آية ولا يستجيب لموعظة ولا ينتفع بما ينتفع به أهل اليقظة والضمير الحي ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) قال تعالى ( وذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) وكسبهم لأعمال المعاصي من قتل وسرقة واعتداء على أعراض العباد وارتكاب المعاصي وتضييع القيم والأخلاق الحميدة التي يجب أن تزين فلذات أكبادنا سببها الأول مصاحبة الغافلين العصاة لرب العالمين وقد حذر ربنا من ذلك فقال ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) والنبي يقول ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) فبصحبة الأشرار الغافلين عن الحق ينتصر المرء للباطل ويصد عن الحق لأن الشيطان يستحوذ عليهم قال تعالى ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) فلما راغوا عن الحق وابتعدوا عن طريق الهداية أبعدهم الله قال تعالى ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير حق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) ولما ابعدهم الله خسروا دينهم ودنياهم قال تعالى ( وإن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ) وحتى يتغلب المرء على الغفلة التي تصده عن الحق عليه ان يصغي بأذنيه وقلبه لقوله تعالى ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا )