زاوية اقتصادية “براءة الاختراع”, ” الحلقة الخامسة عشر “ بقلم إلياس شوفاني

مراسل حيفا نت | 13/07/2024

براءة الاختراع
سمير، علينا تسجيل براءة اختراع بأسرع وقت. لا يمكننا السماح بضياع هذه الفكرة من بين أيدينا. جهّز فريقًا وابدأ العمل فورًا، وأريد تقريرًا كاملاً حول الموضوع وتقدّمك في المشروع خلال أسبوع.
ناظم، لا أعتقد أننا بحاجة لتسجيل براءة اختراع في هذه المرحلة…
سمير، لقد أوضحت ما أريد. أريد تقريرًا في نهاية الأسبوع، ويفضل أن تكون قد بدأت بوضع خطة.
لكن، يا ناظم…
لا “لكن”، سمير! قلت لك ما أريده. أنا صاحب الشركة ونحن بحاجة إلى براءة اختراع.
بهذه النبرة القاطعة، أدار ناظم ظهره وانصرف من مكتب المهندس سمير، الذي بقي وحده، وأمام عينيه ملفات الاختراع الأخير. شعر كأن مقعده يجذبه ويشده بقوة، ويسحبه نحو الداخل، وكأن مكتبه بدأ يضيق عليه. جسده ووجهه ويداه تتقلص تحت ضغط هائل، كما لو كانت جرّافة تمرّ فوقه، تسحقه حتى أصبح رقيقًا كالأوراق المبعثرة أمامه، يعاني من ثقل القرار الذي طُلب منه تنفيذه.
صباح الخير، ومع عبق الياسمين في أول أيام الربيع وبجمال الزنابق، دخلت المهندسة حسناء إلى مكتب سمير.
“تفضل يا سمير، قهوتك المفضلة. اليوم دوري في إعداد القهوة.”
ردّ سمير بحدّة، “لا أريد القهوة ولا السم الهاري.”
فوجئت حسناء وسألته، “ما بك يا سمير؟ ما الذي يحدث؟”
أجاب متذمّرًا، “قد تحجر عقل ناظم مجددًا.
استفسرت حسناء، “ماذا الآن يا سمير؟”
أجاب سمير بغضب، “ناظم لا يفهم أن اختراع فريقنا الأخير يستحيل تقليده. لا يمكن لأحد في الكون استنساخه أو إعادة هندسته، لأننا نعتمد على طرق هندسية سرّية للغاية، لا يعلم بها أحد في عالمنا العلمي. أوضحت له مرارًا وتكرارًا أنه من الأفضل الاحتفاظ بهذا الاختراع سرًا في خزنة شركتنا، لكنه يريد تسجيل براءة اختراع.”
ثم تابع، “أوضحت له أن تسجيل براءة الاختراع سيضر بنا مستقبلا، لأنه بعد عشرين عامًا سيُكشف عنه، وهذا ليس في مصلحتنا على الإطلاق. هو حتى لا يفهم معنى كلمة ‘Patent’ التي تأتي من الكلمة اللاتينية ‘Patere’ وتعني الكشف بوضوح. يا حسناء، براءة اختراع تعني أن بعد عشرين عامًا سنفقد الملكية عليه ليصبح هذا الاختراع ملكًا للجمهور! وفي حالتنا هذه، لا يوجد أي سبب لحماية الاختراع عن طريق تسجيل براءة اختراع، لأن اختراعنا في غاية التعقيد العلمي، ولن يتمكن أحد من فكّ رموزه حتى بعد مائة عام.”
ابتسمت حسناء وقالت، “يا سمير، خذ رشفة من القهوة واهدأ. أعطني مثالًا لكي أفهم.”
أجاب سمير، “كوكا كولا لم تسجل براءة اختراع لتركيبة الكولا منذ أكثر من مائة وعشرين عامًا، لأنها كانت تعلم أنه لا يمكن لأحد استنساخ التركيبة الكيميائية السرّية لكوكا كولا. فهم يحفظون السرّ في خزنة الشركة.”
وافقت حسناء، “معك حق يا سمير، اختراعنا الأخير أكثر تعقيدًا بكثير من تركيبة الكوكا كولا.”
فجأة، ظهر ناظم الذي كان يتنصّت خلف الباب وقال، “لقد سمعت كل شيء!”
فوجئ سمير وردّ بحدّة، “اسمع ولا ما تسمع!”
اهدأ يا سمير. لقد قرّرت تعيينك من هذه اللحظة نائب مدير عام في الشركة. من اليوم، أنت صاحب القرار في كل ما يتعلق بالاختراعات.”
شعر سمير بالدهشة والارتياح، وتبدّدت مخاوفه فجأة تحت وطأة القرار الجديد، ليبدأ مرحلة جديدة من التحدي والإبداع.
إلياس شوفاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *