من دروس الهجرة الأخذ بالأسباب بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 11/07/2024

إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي

لم تكن الهجرة من مكة الى المدينة عملا عفويا بل كان عملا منظما وقد اخذ الرسول بكل الأسباب لنجاح الهجرة لأن في نجاحها تبنى اللبنة الأولى للمجتمع الاسلامي الجديد بل وضع الأساس لدولة الإسلام , وفي ذلك رد واضحا لمن تجده يعمل لأمور دينه ودنياه دون دراسة الواقع ووضع خطة للمستقبل ومراعات الحال الذي يعيش فيه ومن الناس من تجده عفويا في عمله وتواجه في ذلك يقول ( خلينا على البركة ) والبركة شيء عظيم يطمع بها كل عامل لذا وسائل تحقيقها يجب ان تكون بالمستوى الذي يليق بها من العلو والمكانة وهذا لا يمكن ان يتحقق الا بالأخذ بالأسباب مع حسن التوكل على الله, وبما أن اهل مكة تعرضوا لرسول الله ولأصحابة بشتى وانكى الوان العذاب فإن نجاته برسالته التي بعث بها ونجاة من آمن معه  تحتاج الى دراسة متعمق وعملا دئوبا وليس يعالج حال الساعة بل يصحب العلاج نظرة الى المستقبل كيف سيكون ؟ ولذا كان يستغل موسم الحج واقبال التجار الى مكة ليعرض عليهم رسالته قال ابن سعد في طبقاته ( كان رسول الله يوافي الموسم كل عام يتبع الحجاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة وذي المجاز , يدعوهم الى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة , فلا يجد احد ينصرة فكان يقول لهم ( يا أيها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم العجم , وإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة ) واستمر الحال الى العام الحادي عشر للبعثة فالتقى بمجموعة من الخزرج , والخزرج قبيلة من العرب في مدينة يثرب والتي سميت فيما بعد بالمدينة المنورة وكانوا يسمعون عن زمن ظهور نبي من اليهود في يثرب حيث اذا حصل خلاف بين الخزرج واليهود في المدينة كان اليهود يقولون لهم ( إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه , سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم )  وكان الرسول مطلع على هذه الحيثية فقالوا فيما بينهم ( تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود , فلا يسبقنكم إليه )  كما وأن الخزرج كان لهم هم آخر وقد ادركوا أن هذا النبي سيجمع كلمة العرب من الأوس الخزرج بعد ان شتتهم العداوة والبغضاء واستمرت الحرب بينهم مئة وعشرين سنة  فعادوا الى قومهم بعد الموسم دعاة فاسلم عدد من اهل المدينة وبعثوا في العام المقبل وفدا يبايع الرسول بما يسمى ببيعة العقبة الأولى وكانت بنودها على النحو الآتي : قال لهم الرسول ( تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا , ولا تسرقوا , ولا تزنوا , ولا تقتلوا أولادكم , ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وارجلكم , ولا تعصوني في معروف , فمن وفى منكم فأجره على الله , ومن اصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له , ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره الى الله إن شاء عاقبه , وإن شاء عفى عنه ) فبايعوه على ذلك وهذا ان دل على شيء فإنه يدل أن الغاية الرفيعة يجب ان تكون وسائلها كذلك أراد ترسيخ القيم الحسنة في نواة المجتمع الجديد وبهذه القيم يمكنهم ايصال الرسالة الى قومهم وخصوصا ان المدينة كان اهلها جاهزين لاستقبال النبي الجديد وكان عندهم تطلع بأن هذا الدين عساه أن يوحد صفوف العرب في المدينة فيلتئم شملهم وتذوب وتمحى أسباب الشقاق بينهم وكما قلت : كان الرسول مدركا لهذه التطلعات فاستغلها بشكل ايجابي يحقق لهم ما يتطلعون اليه ثم أن الرسول اختار الرجل المناسب في المكان المناسب كأحد الأسباب للنجاح في المهمة فلم يختر أحد  كبار اصحابه ولا المقربين منه ليبعثه معلما لأهل المدينة ولكنه اختار شابا صغيرا اسمه مصعب ابن عمير , فكان الرجل من أهل المدينة يدخل عليه وفي يده حربة يريد قتله بها فما هو الا ان يلقيها ويتخذ لها مجلسا يستمع الى ما يقول فانتشر الاسلام بكل المدينه على يد هذا الشاب الصغير وهذا من الأسباب التي اتخذها الرسول الكريم وهذا العمل الدئوب من الرسول ومن مصعب جعل وفدا كبيرا من اهل المدينة يتقدمهم مصعب بن عمير يأتي في العام المقبل ليبايع الرسول بيعة العقبة الثانية  , وهذه البيعة تميزت بالبيعة على حماية الرسول بحال لجأ اليهم ولم تكن تخرج هذه البيعة الى النور الا بألأخذ بالأسباب بعد التوكل على الله فقد بايعوه على ما طلب ( أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبنائكم ) فكان ردهم ( نعم , والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا , فبايعنا يا رسول الله , فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ( السلاح ) ورثناها كابرا عن كابر ’ ولما ظمن الرسول سلامة اتباعه اذا هاجروا الى المدينه اشار على اصحابه بالهجرة الى المدينة   بعد أن اشتد عليهم البلاء والعذاب وفعلا بدأ الصحابة بالهجرة من مكة الى المدينة ونزلوا على الأوس والخزرج الذين سموا فيما بعد بالأنصار  فآووهم ونصروهم وآسوهم ولكن الرسول بقي في مكة فاجتمعت مكة وقررت قتل الرسول قبل أن يلحق بأتباعة فماذا يفعل ؟ اولا يخرج سرا علما أن عمر بن الخطاب خرج شاهرا سيفة متحديا لأهل مكة وذلك لأن الرسول هو المسؤول عن سلامة المجتمع وسلوكه سنتة , ثم يأخذ صاحبا وفيا ثم يستأجر دليلا ثم يستغل طاقات المؤمنين رجالا ونسائا فكانت اسماء بنت ابي بكر تأتيهم بالطعام لما لجأوا الى غار ثور وعبد الله بن ابي بكر يأتي بألأخبار وعامر بن فهيرة يأتي بالغنم ليمحوالآثار وليشربوا من لبن الغنم وكل هذه الاسباب كان بامكان الرسول التخلي عنها لأنه في رعاية الله وكنفه ولكنه أراد أن  يعلمنا الأخذ بالأباب  اساس النجاح والدليل على ذلك ان مكة وصل رجالها الى الغار الذي كان فيه رسول الله فخاف ابو بكر على الرسول فقال له الرسول ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *