حجة الوداع دروس وعبر بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 15/06/2024

حجة الوداع دروس وعبر

بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

كما هو معلوم للجميع اليوم السبت 15/06/2024 يصادف التاسع من شهر ذي الحجة وهذا يعني أنه سيكون يوم عرفة واليوم الذي يليه سيكون عيد الأضحى المبارك , وعند دراستنا لمقاصد ومعاني العيد والوقوف على جبل عرفات وخطبة الوداع نجد أن المشرع اراد من خلال هذه العناوين ترسيخ مفاهيم الإنسانية الحقة , هذه المفاهيم للإنسانية التي غابت عن هذا العصر الذي يدعي اهله التنور والرقي وهم يسفكون الدماء ويقتلون كل جميل في حياة من يطلبون العيش بعزة وكرامة , وقد يقف العاقل حائرا أمام قصة ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام وقصة التضحية التي كان من اهم مقاصدها حقن الدماء لأن العالم في زمانه اعتاد تقديم القرابين للألهة المدعاة مثل الشمس والنيل وغيرها فإراد ابراهيم عليه السلام الذي رفع شعار التوحيد لله بالوهيته وربوبيته أن يقدم اغلى ما يملك لمعبوده وهو الله , ولكن الله الرحيم فدى اسماعيل بكبش ليقول للبشرية بأن الله لا يقبل سفك الدماء ظلما وعدوانا باسم الله الواحد الأحد , وهذا المقصد الرباني الذي تبناه النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي سار على منهج ابراهيم بالحنفية السمحة فلما بعث دعا قومه لتوحيد الله فقال لهم ( قولوا لا إله الا الله تفلحوا ) وبقي على ذلك حتى لقي ربه وقبل موته بأيام عدة وقف على جبل عرفات ليعلن أعظم وثيقة انسانية لم يسبق مثلها شيء ولن تأت البشرية بمثلها لأن البشرية مواثيقها نابعة من مقاصد محدودة وكثيرا ما تراعي مصالح فئة محدودة ولكن خطب الرسول في حجة الوداع سواءا على جبل عرفات او يوم النحر بجوار الكعبة انما خاطب بها البشرية جمعاء وناداهم ( أيها الناس ) والناس هنا هم كل انسان ولد على هذه الأرض دون تمييز بين لون ولغة وانتماء وبمعنى اوضح خطاب للإنسانية المفقودة في زمان التنوير كما يقولون وبأي شيء جاءت هذه الوثيقة ؟ جاءت بميثاق سبق كل المواثيق فأول ما اعتنى به هذا الميثاق هو ( حرمة سفك الدماء ) واذا كان الخطاب للناس فحرمة دماء جميع الناس واحدة لا تفريق بينها , والى أي مدى تأتي هذه الحرمة ؟ تأتي بمستوى حرمة الكعبة المشرفة ومكة المطهرة وحرمة أعظم يوم وهو يوم عرفة وحرمة الشهر الحرام ( ذو الحجة ) فأول ما قال ( لعلي لا ألقاقكم بعد عامكم هذا ) اذا هي خطبة مودع يرسي قواعد اساسية لمجتمع يتطلع الى علو المكانة فقال ( أيها الناس , إن دماءكم , وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا , ألا هل بلغت اللهم فاشهد ) يشهد الله على حرمة سفك الدماء ولكن دمائنا تستباح في كل بقاع الأرض وممن يساهمون في سفكها أناس يتكلمون لغتنا ويعيشون بين أظهرنا , والملاحظ بأن الرسول قدم الدماء على المال والعرض لأن كل شيء يهون أمام النفس البشرية لأن قتل النفس البشرية من الفساد الذي لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنين قال تعالى ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) وقال ربنا وهو يتوعد من يستهين بدماء البشر فقال ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما ) ولم يقف الحد عند القاتل بل تعداه لمن شهده وسكت عن الظلم قال رسول الله ( لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع عنه ) ولمن يدعي الديموقراطية اسمع ماذا كان يأمر الرسول الجيش , كان اذا بعث جيشا اوصاهم ألا يقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا وألا يقتلوا مسالما , ثم أن الرسول بدأ بأقرب الناس اليه فقال ( وأن اول دم اضعه دم ابن ربيعة  ) وهذا الدم كانت قبيلته تطالب به, لا بالتقوى ى عجمي ولا لاتين ل يوم القيامة كل انسان عنماله من الله  قال تعالى  وبعد ان بين الرسول حرمة الدماء بين حرمة الاعتداء على الأموال باتلافها او سرقتها والله سائل يوم القيامة كل انسان عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه . ومن مظاهر الجاهلية السابقة واللاحقة التعامل بالربا كأحد مصادر المعيشة وفي التعامل بالربا يقع غبن وظلم على الفئة الفقيرة وهذا الأمر لا يقبله ربنا ولا رسوله لذا بدأ الرسول بالربا الذي كان يتعامل به عمه فقال ( إن ربا الجاهلية موضوع , وإن اول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب ) كيف لا يكون ذلك وهو الذي علم الناس قول الله ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) ويأتي تنظيم العامل الاقتصادي ليوثق العلاقة بين الناس ونحن نشهد في هذا الزمان خطورة التعامل في الربا الذي قد يوصل الى القتل لذا قال ( إنما المؤمنون اخوة , ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ) وقد جاء بيان تحريم الربا بقوله تعالى ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) وقول الرسوللعن الله آكل الربا , وموكله , وكاتبه , وشاهده ) ثم عرج الرسول الى ( ألا وأن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ) وأمر الجاهلية حرمه الله فأبطله , من عبادة الأصنام الى وأد البنات الى الإنتصار الى العصبية الجاهلية والتفاخر بالأنساب وغيرها من العادات التي تنبع عن ظلم وافتراء فقال رسول الله ( لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود الا بالتقوى )  ثم اوصى بالنساء فقال ( فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ) ثم حث على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله لأن فيهما الفلاح والفوز وأمور اخرى جاء بيانها في حجة الوداع مثل ضرورة مراعات الشرع في تقسيم التركة والغاية من كل هذه التوجيهات اعلانا منه أن الدين تم ويجب التمسك بهذه التعاليم التي وضعها الرسول كوثيقة انسانية جامعة شاملة من عمل بها فاز فوزا عظيما                                                                         

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *