زاوية اقتصادية التحولات الحضارية.. العقود التجارية بالصين ” الحلقة الثانية عشر ” بقلم إلياس شوفاني

مراسل حيفا نت | 08/06/2024

زاوية اقتصادية التحولات الحضارية.. العقود التجارية بالصين  ” الحلقة الثانية عشر ”
بقلم إلياس شوفاني

تعرف يا إلياس، هذا هو مايكل، شريكك في رحلة الغطس اليوم. هكذا عرّفني جون على من سيكون شريكي في الغطس في كي وست، الجزيرة التي كانت بيت إرنست هيمنغواي لسنين عديدة، وتبعد فقط 200 كيلومتر عن كوبا. بعد أن تلطّفت الأجواء بيني وبين مايكل، بدأ دون أنأدري سرد قصته، وسبب تقاعده المبكر.

عشت يا إلياس، في الصين طوال عشرين عامًا، عملت هناك كملحق تجاري للحكومة الأمريكية، وأنا اقول في سرّي ساخرًا CIA، وطبعًا حبي في المغامرة انطلق كالحصان، حين قلت له بصوت عالٍ: “جاسوس يعني”، فابتسم مايكل. حينها قلت له “جاسوس أم لا، أخبرني عن الصين، ما الذي أتعبك في الصين، لدرجة أن تتقاعد في هذه السن المبكرة؟” كان رد مايكل بسيطًا وواضحًا: “الصينيون لا يحترمون العقود التجارية، فهي بالنسبة لهم ليست أكثر من توصية، لأن كل بنود العقود التجارية قابلة للتغيير من طرفهم من دون سابق إنذار”. فقلت: “أعتقد أنهم حضارة قديمة عريقة، والصين كانت أكبر اقتصاد في العالم، من القرن الأول الميلادي حتى القرن التاسع عشر، وهي من أعظم الدول في التجارة، فإذا كانت هذه نظرتهم للعقود فربما هم على حق”. عندها سارعت  بالسؤال: هل هم يعتمدون على العلاقات الشخصية الحميمة في التجارة؟ هل يهمهم فقط التعرف الحقيقي على من يتبادل الصفقات معهم، وأنهم يجعلون كل من يتاجر معهم صديقًا لهم أكثر من مجرد العمل الجاف؟ “نعم، نعم، نعم، هذه هي طريقتهم في بناء الثقة!” من يريد أن يتعامل مع أي صيني في التجارة، يجب أن يعلم أن ضمانته سوف تكون من خلال السهرات المشتركة، تناول الوجبات والمشروبات معًا، تبادل الهدايا، وتوطيد العلاقات الشخصيةإلى درجة صداقة تامة. حينها نظرت إلى مايكل وقلت:بالفعل إنهم حضارة عظيمة“. وفهمت حينها كيف استطاعت الصين أن تكون أكبر اقتصاد في العالم، مدة تسعة عشر قرنًا، والآن هي تتسابق مجددًا على مركز الصدارة. الصيني يبني الصداقات، ويفكر بإيجابية بعكس التاجر الغربي، الذي يفكر دائمًا في حماية نفسه، بالعقود التجارية المركّبة، فالأول يحمي نفسه بالارتباط الشخصي مع الشريك ليجعل مصالحهما متداخلة، كما يصعب فكها إنسانيًا، بينما الآخر يفكر بالسلبيات قبل الإيجابيات. فعلا إن الصين حضارة عظيمة.

وجدير بكل من يفكر بالتعامل مع التجار الصينيين؛ أن يسعى لبناء صداقات لا علاقات جافة، وإذا قالوا إنهم لا يتعاملون بالرشوة اليوم في الصين بين التجار، فاعلموا أن هذه أيضًا واحدة من البنود التي فرضها الغرب على الصين، لأن الرشوة ما زالت موجودة ومقبولة لكن بالخفاء. وبالنجاح للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *