
تقرير: مطانس فرح
تصوير: وائل عوض
لم تكن ليلة أمس السبت الباردة في فصل شتاء حيفا كباقي الليالي فيها، حيث جاءَتنا الرياح الشماليّة الفنيّة المميّزة "العاصفة" بكلّ ما هو أصيل وراقٍ، في عرض حمل اسم "ريح الشّمالي"، لجوقة "بيات" المعلاويّة من قاعة "كريغر" الحيفاويّة، الّتي غصّت بالمئات من محبّي الفنّ ومتذوّقي موسيقى الرحابنة والأغاني العظيمة الخالدة للسيّدة فيروز والعملاق وديع الصافي، بأصوات رائعة مخمليّة دافئة لأعضاء ("كورال") جوقة "بيات".
وبأنغام عزف أنامل أعضاء فرقتها الموسيقيّة العذبة الرائعة؛ صدحت الأصوات الجميلة وعلَت الموسيقى، لتتلألأ هذه الأمسيّة، مضيئةً لامعة، ببصمة دامغة لمدرّب الجوقة الغنائيّة والفرقة الموسيقيّة وموزّع الأغاني، الفنان المبدع المتألّق سامر بشارة (ابن مدينة الرامة)، ليرويَ عطش الجمهور الغفير لمثل هذا النوع من الفنّ الأصيل، والّذي طالب بالمزيد والمزيد.
على مدار ساعتين، تقريبًا، من الزّمن، قدّمت جوقة معليا للموسيقى أجمل اللوحات الفنيّة الموسيقيّة، من عزف وغناء، أسرت قلوب الحاضرين وأضفت جوًّا من الدفء والحنين لموسيقى وأغانٍ ولوحات غنائيّة رحابانيّة في ليلة شتائيّة باردة.
"ريح الشمالي" هو اسم العرض الّذي يركّز على أغاني الـ"سكتشات" والمسرحيّات الغنائيّة. فكلّ أغاني هذا العرض مقتطفة من مسرحيّات للأخوين رحباني، وديع الصافي، وزياد الرحبانيّ. هذا اللون الذي بات شبه منقرض في هذا الزمن.
"بيات" – جوقة معليا للموسيقى والإنشاد، تحمل اسم المقام الموسيقيّ الشرقيّ الّذي يميّز موسيقى مِنطقتنا عن غيرها. وبالفعل تميّزت "بيات" كتميّز موسيقانا الشرقيّة، وأكثر.
تولّت عرافة الأمسيّة، المتألّقة إيمان بسيوني؛ ومن ضمن ما جاء في كلمتها: "في عامها السادس على التوالي، حرصت على تقديم اللوحات الغنائيّة الفنيّة وإعادة توزيع العديد من الأغاني والـ"سكتشات" الغنائيّة الّتي تجسّد هُويّتنا وتراثنا، إنّها فرقة "بيات"".
""بيات" ليس مقامًا فحسْب، بل إنّه وجدان وعلامة كبرى على عظمة وكثافة التحوّلات العاصفة بنا والرومانسيّة، الّتي تتأخر عن حياتنا كلّما تأخرنا عنها.
في هذا المساء الّذي تأتيه الرّياح شماليّة من لبنان، من خشبة مسارح الأخوين رحباني، بأغاني السيّدة فيروز ووديع الصافي، جئنا كي لا نتأخّر عن جيراننا في الحبّ والغناء واللّغة والنوافذ المفتوحة.. دليل على قمّة وجودهم بيننا ووجودنا بينهم".
وقد كان ضيف الأمسيّة الشاعر الشابّ المتألّق مروان مخّول الّذي ألقى بأسلوبه الخاصّ والمميّز قصيدة خاصّة كتبها تقديرًا للشاعر الكبير سميح القاسم، لاقت استحسان الحضور.
ابتدأت الأمسيّة الفنيّة على أنغام "كوكتيل" رائع من موسيقى الأخوين رحباني، وتلتها أغنيات الجوقة بمصاحبة موسيقيّة متقَنة وأصوات عذبة صافية كصفاء الماء وعذوبته.
جاء برنامج العرض على النحو التالي: "صرّخ يا ديب" (أيّام فخر الدين)، "بكرا إنت وجايي" (الشخص)، "يا عِنبنا" – إلهام عيسى (جبال الصوّان)، "جينا على الساحة" – بوليانا قسيس (الشخص)، "يا مرسال المراسيل" – شارَكَ الجمهور بغنائها (بيّاع الخواتم)، "طلعلي البكي" – بلسم درويش (سكتش تلفزيوني)، "منقول خلصنا تودّعنا" – وسام قسيس (قصيدة حبّ)، "قلتيلي تاركتك" (نزل السّرور)، "يا حنيّنة" – لينة منصور (المحاكمة)، "سألتك حبيبي" – ميساء عرّاف (ميس الرّيم)، "صرخة بطل" – وسام سمعان (طواحين اللّيل)، "تبقوا اذكرونا" – إلياس موراني (أيّام الصيف) لتختتم "المصالحة" (قصيدة حبّ) الأمسيّة تاركةً بصمة لا يمكن نسيانها.
"بيات"
تأسّست "بــيــات" عام 2006 بمبادرة مجموعة من شابّات وشبّان في قرية معليا، كان هدفهم إحياء الثقافة الموسيقيّة والفنيّة ورعايتها في البلدة والمِنطقة.
حرصت "بيات" على تقديم اللوحات الغنائيّة اللبنانيّة خصوصًا، حيث بات هذا لونها الغنائيّ المميِّز، فأحيت وأعادت توزيع العديد من الأغاني والـ"سكتشات" الغنائيّة، والّتي تجسّد هُويّتنا وتراثنا الموسيقيّين.
قدّمت "بيات" العديد من العروض الموسيقيّة في جميع أرجاء البلاد ومناطق السلطة الفِلَسطينيّة.
كان عرضها "تحيّة إلى وديع الصافي" عام 2010، بمثابة علامة فارقة في مسيرتها الفنيّة، حيث كانت السبّاقة في البلاد بتخصيص عمل موسيقيّ كامل للفنّان العملاق وديع الصافي وتقديم أغنيتين خاصّتين.
أيضًا، كعربون شكر لما قدّمه للفن والوطن والتراث، وقد تمّ الاتّصال مباشرة مع هذا العملاق في منزله في بيروت وتحدّث إلى الجمهور في القاعة عبر الـ"ڤيديو" المباشر، وغنّى معهم ومع أعضاء الجوقة.
في رصيد "بيات" أربع أغانٍ خاصّة، من كلمات ألحان الفنّان بطرس خوري، وتوزيع الفنّانين درويش درويش وسامر بشارة.
أعضاء الجوقة: ليليان صبّاغ، ياسمين عسّاف، إلهام عيسى، بلسم درويش، ميساء عرّاف، لينة منصور، بوليانا قسّيس، ليلى ليّوس، أسامة معلّم، إلياس موراني، لورنس خميسة، وسام سمعان، جبران توما، حبيب جبران، صلاح أرشيد، وسام قسّيس.
أعضاء الفرقة الموسيقيّة: (كمان) – سرور صليبا، أكرم عبد الفتّاح، علي بكري، فراسي عيسمي، تشارلي صافية، لؤي ندّاف، نديم مخّول، سميح توتري.
(فيولا) – خليل خل. (تشيلو) – سري سعدي، عادل جبران. (قانون) – أسامة بشارة. (عود) – باجس عرّاف. (ناي) – ألفرد حجّار. (كيبورد وأكورديون) – ريمون ضوّ. (كونتراباص) – أدهم درويش. (بُزُق وبندير) – فادي حنّا. (طبلة) – رمزي بشارات. (رقّ) – نابغ أبو نقولا.
التدريب الموسيقيّ والغنائيّ والتوزيع: الفنان المتألّق سامر بشارة.
المدير الإداري: لورنس خميسة.
قلّما نسمع ونشاهد في عرض فنيّ مثل هذا الإتقان والتميّز على مسارحنا المحليّة؛ قمّة في الروعة، براعة وتقنيّة وحسّ مرهف يدلّ على حرْفيّة ومهْنيّة.
لقد تفرّد كلّ عضو من أعضاء الجوقة (غنائيًّا وموسيقيًّا) في العزف والغناء، فبرز أسلوب العزف المُتقن الخاصّ، والغناء المنوّع الّذي حمل خامات صوتيّة قويّة مخمليّة جميلة.
لقد كان اختيار "القائد" والمدرّب والفنّان المبدع سامر بشارة للموسيقى والتوزيع والغناء موفّقًا بامتياز.
عمل كامل متكامل.. نتشرّف ونفتخر بوجود "بيات" بيننا، فهي تستحقّ أن تعرض على مسارح عربيّة وعالميّة، لا محليّة، فقط.. لتكون إحدى سفيراتنا الفنيّة الفِلَسطينيّة المشرّفة في العالم.
لم أرتوِ بعد، فأنا عطش إلى المزيد من هذا الفنّ الجميل الّذي قدّمته "بيات" بأصوات غنائيّة وتوزيعات موسيقيّة، ببصمة الفنّان سامر بشارة الخاصّة، حملتني معها إلى الفنّ الغنائيّ اللبنانيّ الخاصّ، وحملته – بدورها – معها بكلّ إبداع وتقنيّة وحرفيّة وتميّز وتألّق وتجدّد..!
براڤو..






