زاوية اقتصادية تغيير المسار المهني ومقهى إليزي ” الحلقة التاسعة ” بقلم إلياس شوفاني

مراسل حيفا نت | 10/05/2024

في ليلة دافئة من فصل الربيع، حيث يداعب النسيم اللطيف أوراق الأشجار المتناثرة في أزقة دهب المصرية، وجدت نفسي أتجول بين الأسواق المزدحمة برفقة أصدقائي. بينما كنا نتسامر، شدّت انتباهي لافتة خشبية عتيقة مكتوب عليها “إليزي”. شيء ما في تلك الكلمة دفعني لأتخطى عتبة الباب، مختفيًا عن أنظار رفاقي.

بمجرد دخولي، استقبلني أكرم، صاحب المقهى، بابتسامة تنمّ عن حفاوة ودفء، يشبه دفء القهوة التي يقدمها. عرض عليّ تذوق مجموعة من أفضل أنواع قهوته التي يتقن إعدادها، معلنًا بذلك بداية جلسة لن تُنسى.

بينما كنت أستمتع بالقهوة اللذيذة والحلويات المحلية الصنع، بدأ أكرم يسرد قصة تغيير مساره المهني. “كنت أعمل في السياحة قبل الجائحة”، قال بنبرة تحمل بعض الحنين، “لكن مع توقف السياحة بسبب كوفيد-19، وجدت نفسي أمام تحدٍ لتحديد مستقبلي المهني من جديد”.

لم يختر أكرم مساره الجديد بعشوائية، بل بناءً على شغفه العميق بالقهوة. “القهوة كانت دائمًا ملاذي الخاص. قررت أن أحول شغفي إلى مهنة، فقضيت شهورًا أتعلم كل ما يمكن عن فن تحضير القهوة، عن طريق دورات عبر شبكة الإنترنت، حتى أتقنت إعدادها وأصبحت معلمًا في هذا المجال”.

فسألته عن أي تحديات يتكلم، تنهد قبل أن يجيب: “كل يوم كان يحمل تحديًا جديدًا، من التعلّم لكيفية إدارة المقهى بكفاءة، إلى التعامل مع عدم اليقين الذي يحمله كل صباح. لكن الرغبة في رؤية الابتسامة على وجوه الزبائن كانت تدفعني للمضي قدمًا”. تأثرت حياته الشخصية والمهنية بهذا التحول بشكل عميق. “علمتني هذه التجربة الصبر والابتكار. أصبحت أكثر تقديرًا لكل لحظة، ولكل فرصة تسمح لي بإحداث فرقٍ لشخصٍ ما في يومه.

ذكر أكرم موقفًا معينًا جعله يشعر بالإحباط، لكن أحد الزبائن أخبره كيف أن قهوته غيّرت يومه للأفضل، مما أعاد إليه الأمل والعزيمة للاستمرار. “تلك الكلمات كانت الوقود الذي أحتاجه لمواصلة رحلتي”، يقول أكرم بابتسامة تعكس الرضا.

أكرم شاركني أيضًا بعض النصائح لأي شخص يفكر في تغيير مهنته. “أهم شيء هو أن تجد شغفك وميولك وموهبتك، وأن تتبعها بكل جرأة. الطريق قد يكون صعبًا، لكن الإيمان بنفسك وبما تحب هو مفتاح النجاح”.

وفي تلك الليلة الربيعية، وسط ضوء القمر الذي ينعكس على مياه البحر القريبة، شعرت بأن قصة أكرم تجسد درسًا حيًا عن الشجاعة والتغيير. إنها تؤكد أن بإمكان كل شخص، بغض النظر عن العقبات التي قد تواجهه، أن يجد طريقًاجديدًا ويعيد اكتشاف نفسه.

بينما كنت أخرج من مقهى “إليزي”، تلألأت النجوم في السماء الصافية بأنوار ساطعة، وهمست الأمواج أسرار الليل. فغادرت المقهى وأنا أحمل معي، ليس فقط مذاق قهوة رائعة، بل إلهامًا لمواجهة التحديات بشجاعة وأمل، معتبرًا كل خطوة نحو المجهول بداية جديدة مليئة بالفرص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *