زاوية اقتصادية رحلة الصيد والاستثمار ” الحلقة الثامنة ” بقلم إلياس شوفاني

مراسل حيفا نت | 26/04/2024

رحلة الصيد والاستثمار

ما لبثت حتى وضعت التلفون على أذني، لأسمع جورج يقول لي من دون إحم ولا دستور ولا مرحبا: إلياس، ماذا حصل لك؟ هل جننت؟ أعطني فورًا رقم هاتف أختك لأتصل بها، وأحذرها منك ومن أفعالك.

يا جورج العزيز، لماذا هذا التوتر الشديد؟ وعن أي أفعال تتكلم؟
لقد أخبرني صديقنا الصياد طارق أنك ستأخذ أبن اختك للصيد غدا.
اسمعني جيدا، أنا، ابن عمك الأكبر، لن أسمح لك بأخذ نيكولاس، الطفل البالغ من العمر ثماني سنوات ونصف، إلى الصيد في منطقة صخرية في البحر في ساعاتالفجر الباكر.

أجبته بأني لست صبيًا، وأشرت عليه بأن يفعل مثلي مع أولاده.

نيكولاس العزيز، ما أجمل ساعات الفجر، ونحن نتجه إلى البحر في السيارة، عند الخامسة صباحًا! بالفعل، الرحلة رائعة يا خالي.

أخبرتك بأن تحذر وتنتبه لما حولك دائمًا، وها انا أكررإرشاداتي مع وصولنا إلى البحر.

مع أن البحر يبدو هادئًا نسبيًا، إلا أن موجة قوية قد تأتي فجأة. لذا أجدد تحذيري من كل الحالات التي قد تواجهنا: الحفر في الأرض الرملية والصخرية، الصخور المتشعبة والمتشققة، فقد تنزلق عنها كأنها ممسوحة بالزيت. عليك أن تحفظ خريطة في ذهنك، وأن تعرف ما أمامك وخلفك وإلى جانبك، في حال أنك احتجت للتحرك بسرعة، لتتفادى موجة كبيرة وغيرها من الإرشادات العديدة الأخرى.

فحذرته من إمكانية السقوط في البحر، وقلت: “لا تخف ولا ترتعد، ستسبح إلى العمق كما لو كنت في بركة، وسأرمي بنفسي لأسبح بجانبك لنبتعد عن الصخور التي قدنسقط عليها، وندور حول الصخور حتى نصل إلى الشاطئ الرملي”.

هل أنت خائف؟
لا أعلم خالي…
الخوف طبيعي، لكن لا شيء مخيف سوى الخوف نفسه،عندما نستعد لكل الحالات. لا تنسَ هذا حبيبي، فستجد الطمأنينة، ولا تنسَ أنني دائما بجانبك.

وما أن مرت ساعتان حتى كان نيكولاس يجول ويطوف وحده بين الصخور والأمواج، وقد تخلّى عن قصبة الصيد الصغيرة التي يمسك بها، وأخذ قصبتي وبدأ يصطاد بها. الصيادون ينادونه ليقف إلى جانبهم، وأنا أقول له: “اذهب عند عمو الصياد”.

انتهينا من الصيد مع حلول الظهيرة، ودخلنا لنسبح في البحر، فحملتني أفكاري وأنا أعوم في الماء، إلىالانخفاض الذي طرأ على سوق المال هذا الشهر في الولايات المتحدة، حيث انخفض سهم Nvidia بأكثر من10%، بعد أن كان قصة الموسم، وتراجع مؤشر ناسداك وأسهم العديد من الشركات..

وكيف أن المستثمر لن يتأثر بالتقلّبات السوقية، بل خطة عمل واضحة وشاملة. أما إذا كان المستثمر مجرد مغامر،ظنًا منه أن عالم الاستثمار هو الطريق السريع للثراء، غالبًا ما تكون هناك خيبات أمل شديدة ومؤلمة، ماديًا وحتى نفسيًا وصحيًا. وعن أهمية وجود مرشد أو “mentorيساعد المستثمر الجديد، ليقف بجانبه تماما مثل الصيادين الذين نادوا نيكولاس ليقف بجانبهم، مع أنه كان برفقتي. فالناجحون بحق يحبون مساعدة الأشخاص الطموحين ولذا سمحت له بتلبية الدعوة ليتعلم منهم أيضا.

هذا هو عالم الاقتصاد والأسواق المالية، المشابه للصيد، لا يمكنك خوضه إلا إذا كنت مرتاحًا لتبليل قدميك بالماء البارد، ومستعدًا للصخور والأمواج الغامرة المفاجئة،حتى إن لم تكن متوقعة حسب الأرصاد الجوية. وكذلك السقوط في الماء يشبه سقوط قيمة الاستثمارات في حالة الانهيار القوي، والاستعداد للتنازل عن الكبرياء ورفض التعلم من دروس المهنيين والأخصائيين.

فما سر الصيد إلا بتعلم درس المخاطرة والمغامرة أولًا،والاستعداد لها قبل الاستعداد لفرحة الاصطياد. وتعلم اللذة حتى في الصبر عندما تتقطّع خيوط الصيد وتعيد ربطها من جديد، أو عندما تعلق الصنارة بالصخر، أو عندما تصل السمكة إلى قبضة اليد وفي آخر لحظة تنزلق لتسحبها الأمواج. فكل هذه الأمثلة تتوازى مع عالم الاستثمارات تمامًا بكل حالته وتقلباته، وإمكانية ركوده لمدة طويلة أحيانا من دون أي تحرك.

أدركت في قلبي أن سر نجاح الاستثمار كسر الصيد: الاستعداد لكل الحالات، وتقبّلها برحابة صدر. وأخيرًا نعود للصيد، فقد كانت غلتنا حبة لقس وحبة منوري وسلطعونبما يكفي لصبي صغير في أول رحلة صيد حقيقية له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *