هموم مسرحية – المعهد سنة 1964 

مراسل حيفا نت | 14/03/2024

لم تكن سنة 1964عادية بالنسبة لي. هذا العام كان بداية دراستي في المعهد العالي للفنون المسرحية بيت تسفي في رمات غان.. من هنا كانت البداية.

بداية غير عادية في فترة غير عادية كان يرزح فيها شعبنا تحت وطأة الحكم العسكري. شابان من حي وادي النسناس في حيفا، أديب جهشان ويوسف فرح، يقرران الانضمام إلى هذا المعهد العالي عام 1963، يتقدمان لامتحان القبول في المعهد وينجحان.

في الموعد المحدد لبدء الدراسة سنة 1964 ركبنا القطار وسافرنا من حيفا إلى تل أبيب في ساعة مبكرة، ثم ركبنا الباص رقم 61 إلى المعهد في رماتغان. ونزلنا في المحطة القريبة من المعهد في شارع حيبات تسيون.

كان اليوم الأول لدخولنا المعهد أشبه بالحلم. لم ندخل الصف لأن المدير أبراهام آسيو طلب من السكرتيرة أن تبلغنا لننتظره في غرفة الاستقبال، بينما دخل طلاب السنة الأولى والثانية والثالثة إلى قاعات الدراسة، والصفوف ونحن لا زلنا بالانتظار. بعد مرور أكثر من ساعة طلبت السكرتيرة أن نتوجه للقاء المدير في مكتبه.

كان المدير جالسا هناك وبدأ الحديث معنا بالعبرية،بلكنة ممزوجة بالإنجليزية. وكان لون وجهه الأبيض،إضافة إلى لهجته الإنكليزية يشيران إلى أنه قادم من المملكة البريطانية بلاد شكسبير. بدأ المدير، كضابط بريطاني، يطرح علينا أسئلة التحقيق شبهالعسكرية، لمعرفة سبب قرارنا دراسة الفن المسرحي؟ وكان هذا سؤاله الوحيد، سؤال غريب لم نتوقعه خاصة بعد اجتيازنا امتحان القبول. فطلب منا أن نقنعه لماذا نريد تعلم الفنون المسرحية، بما معناه أن ندافع عن أنفسنا “بتهمة” اختيار تعلم الفن المسرحي!!

ابتسمت وقلت له بشكل واضح: نريد أن نتعلم ما هو من حقنا، وبضمن ذلك الفن المسرحي. وسألته:كيف يحق لكم إقامة مسرح عبري في موسكو 40 سنة قبل قيام الدولة، ونحن أبناء هذه البلاد، ألايحق لنا إقامة مسرح لنا؟ وأخبرته أني قمت بدراسة تاريخ المسرح العبري، وكيف تأسس مسرح هبيمافي موسكو. وأضفت قائلا: كل الاحترام لكم، وسوف يأتي اليوم الذي ستقول لنا أنت فيه: كل الاحترام لكم. ما يحق لنا يحق لكم. وساد صمت في الغرفة،ثم طلب منا الانتظار مرة أخرى خارج المكتب،وانتظرنا.

بعد الاستراحة الصباحية عاد الطلاب إلى صفوفهم ونحن لا نزال ننتظر. وعندها حضر المدير شخصياوطلب منا مرافقته، فتبعناه ووصلنا إلى أحد الصفوف في الطابق الثاني. قال انتظرا بالخارج. بعد دقائق عاد ليقول: تفضلا ادخلا. فدخلنا ووقفنا داخل الصف. وقف المدير وأستاذ التاريخ جدعون،فقال المدير أمام الطلاب: “سوف ينضم إليكم طالبان عربيان من حيفا أديب جهشان ويوسف فرح”.

عم الصمت أثر هذا التصريح الصادم كما يبدو,وبهدوء تسللنا إلى المقاعد الخلفية وجلسنا هناك.وبعد لحظات ترك المدير الصف، وتابع أستاذ التاريخ جدعون الشرح عن تاريخ المسرح اليوناني. وهكذا بدأنا يومنا الدراسي الأول.

الدراسة والسفر يوميا من حيفا إلى رمات غان كان مضنيا، فلم نستطع استئجار بيت هناك، للرفض القاطع بتأجير كل بيت طرقناه لأننا عرب. واتضح أن تلك مهمة مستحيلة. وخلال ما يقارب ثلاثة أشهر لم يتحدث معنا الطلاب اليهود.

ومع مرور الأيام بدأ الثلج بالذوبان، ونشأت بدايةعلاقات مع الطلاب اليهود، التي أخذت تتطور بشكل طبيعي. أذكر أن إحدى الطالبات قالت لي فيما بعد، إنه يوم دخلنا الصف أرادت أن تصرخ لا مكان للعرب هنا، ولكنها لم تفعل، وهي سعيدة لذلك.واعترف طالب آخر أمامي أنه لم يعرف أي عربي من قبل إلا من خلال منظار البندقية، واليوم بدأ ينظر إلى عيوننا مباشرة. الطالبة تركت الدراسة عند نهاية السنة الأولى، والطالب، صاحب البندقية، استمر بالدراسة حتى النهاية، وأصبحنا أصدقاء حتى اليوم.

اليوم ونحن في شهر آذار الثقافة عام 2024، وبعد أن مر ستون عاما على بدء دراستي الفن المسرحي،أعترف بأنني لم أندم يوما على قراري اختيار هذا الموضوع، وتحدّي الصعوبات بهذا الطريق، إذ أنه يوم دخلنا للدراسة في المعهد، أنا وصديقي يوسف فرح، فتحنا الباب أمام الطلاب العرب الذين يرغبون الدراسة بهذا المعهد، دون أن يجتازوا طريق الآلام التي كانت من نصيبنا.

يتبع ….

أديب جهشان – مخرج وممثل

مؤسس مسرح السرايا العربي – يافا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *