“زاوية اقتصادية ” “الذهب يبقى ذهب بقلم إلياس شوفاني

مراسل حيفا نت | 08/03/2024

“زاوية اقتصادية ” “الذهب يبقى ذهب بقلم إلياس شوفاني

أخيرًا، انقضى أسبوع شاق مليء بالعمل. هذا ما شعرت به ليلة الخميس، ورغم أنني قضيتها في منزلي، مستمتعًا بالراحة، كنت متأكدًا من أن ليلة الجمعة ستكون مختلفة. كانت الخطّة أن ألبي دعوة في منزل صديقي العزيز إدوار، المعروف بكرمه ووفائه لأصدقائه. إدوار، الذي بنى نفسه بنفسه وصعد في السلم الاجتماعي والاقتصادي بفضل جهوده منذ الصغر، حقق نجاحًا كبيرًا في مجال بيع الخضار.

ومع اقتراب موعد الدعوة، كان هاجسي الوحيد هو إيجاد مكان لركن سيارتي في شارع عباس بحيفا. لحسن الحظ، وجدت مكانًا للركن بالضبط تحت منزل إدوار. صعدت درج المنزل، على صوت المطرب جورج وسوف يملأ الأجواء، معلنًا بدء السهرة.

“مسا الخير، مسا الخير..”، وإدوار يرد عليّ ضاحكا وهو يغني: “الذهب يا حبيبي بظله ذهب”، وكان واضحًا أن إدوار قد انتشى قليلاً. “أقعد، أقعد، يا إلياس”، قالصديقنا يوسف مرحبًا، إنه صديقنا السمسار الذي يعرفه أهل البلد بلقب زوزو.

لقد أعدنا غناء الذهب بظله ذهب عشر مرات، أجاب يوسف. ومرت ساعتان من الضحك والغناء والأكل والحديث عن مكابي حيفا وعن عائلاتنا وإنجازات أطفالنا، حتى بدأ إدوار يحدثنا عن قراراته الاقتصادية الذكية، مؤكدًا على أن الذهب هو أفضل استثمار، وأنه كلما وجد في جيبه بعض المال، يستثمره في الذهب.

زوزو، ابن جارتنا جانيت، لم يوافق الرأي، فيقاطعه طوال الوقت بعبارة “لكن العقارات، فقط العقارات..”، وهكذا تحولت سهرتنا الجميلة إلى جدل دون أن نشعر، وكان بعضهم يقول “فقط الذهب” والبعض الآخر “فقط بيتكوين“، وجورجيت، التي تعمل في البنك، تقول بفخر “أنا فقط أستثمر في البنك”، بينما جوني، المواسرجي، يعلن بصوته العميق المتأثر بسنين من التدخين، “الدولار، الدولار… أنا لا أشتري إلا الدولارات”. ومجد، ابن جوني، يزعم “كل هذا كلام فارغ، أصدقائي يكسبون المال بالجلوس في المنزل والتداول في الأسواق المالية”.

فأي استثمار يشغل بال كثيرين منا. يجب التأكيد على أنه لا يوجد مسار استثماري محدد يمكن تعريفه كالأفضل على الإطلاق، ومن المهم أن يتخذ الجميع قراراتهم الاستثمارية بعد استشارة مستشارين مختصين مؤهلين.

لأن الاستثمار في الذهب، عبر التاريخ، كان يُنظر إليه كملاذ آمن في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية. لكن، كأي استثمار آخر، يحمل الاستثمار في الذهب نصيبه من المخاطر والفرص. إن تقلبات أسعاره قد تكون مؤثرة، ولذلك يجب على المستثمرين أن يدخلوا السوق بفهم واضح للعوامل التي تؤثر على هذه الأسعار.

برأيي الشخصي، الذي لا يعبّر عن أي نصيحة استثمارية للقراء الأعزاء، إنما أحاول تسليط الضوء على دور الذهب في الاقتصاد في هذا العصر.

غالبا ما يكون الشغف باقتناء الذهب في الاقتصاد العالميمبالغًا فيه. يبرز اهتمام محدد بالذهب لدى فئتين: الأولى، العائلات ذات الثروات الكبيرة التي تستثمر في الذهب كتأمين ضد انهيارات اقتصادية نادرة، حيث يمثل الذهب نسبة صغيرة من ثرواتهم. الثانية، هم الأفراد في مناطق عالية الخطورة، إذ يعد الذهب ضمانًا للحفاظ على القيمة في أوقات الأزمات. بالنسبة للآخرين، الاستثمار المكثف في الذهب غير ضروري، ويُفضل استشارة خبراء ماليين لإدارة الأموال بشكل أفضل.

في حالات الأزمات الشديدة، كالحروب الكبرى، الأولوية تصبح للبقاء، ما يجعل الثروة المادية ثانوية. القرارات المالية يجب أن تستند إلى تحليل عميق للمخاطر والمنافع، مع العلم أن الذهب قد يوفر راحة نفسية، لكنه يجب ألا يشكل الأساس في الاستراتيجية المالية.

في النهاية الاستثمار الذكي يعتمد على فهم السوق الاقتصادي العام وتنويع المحفظة الاستثمارية، بحيث لا يُعتمد على الذهب كخيار استثماري وحيد. الهدف هو إيجاد التوازن المثالي بين الأمان المالي واستغلال الفرص الاستثمارية لتحقيق الأهداف طويلة الأمد. التنويع الاستثماري ضروري لتقليل المخاطر وزيادة الفرص الربحية، سواء كان ذلك في الذهب، العقارات، الأسهم، العملات الرقمية، أو غيرها من الاستثمارات.

والأهم من هذا هو الحفاظ على رقي الحوار بين الأصدقاء والمعارف حول هذا الموضوع، فالاختلاف في الراي حتمًا لا يفسد للود قضيّة، وإن كانت النقاشات بين الاصدقاء في الاستثمار أو السياسة أو حتى كرة القدمتبقى القيمة الأسمى للاستثمار هي الاحترام المتبادل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات

  1. مقال يحمل بطياته الكثير من المعلومات القيمه ، ويلقي الضوء
    على اتخاذ القرارات في الاستثمار الذكي المبني على الحالات السياسيه
    والاقصاديه المتغيره والمتقلبه .