الصراع قائم بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 26/01/2024

الصراع قائم

بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي
المتمعن بأحوال الخلق في مشارق الأرض ومغاربها يخلص االى أن البشرية قاطبة متصارعة فيما بينها وقد اشتدت حدة هذا الصراع في زماننا الذي ينادي أهله بالحرية والعدالة العالمية لجميع الشعوب ثم يجد أن هذا العالم المتحضر بعيدا كل البعد عن هذه المصطلحات فيسأل نفسه ما الذي أصاب العالم حتى وصل الى ما وصل اليه من حال ؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد من النظر في تاريخ الأمم والشعوب ثم يطرح سؤالا آخر وهو هل هذا الصراع القائم في العالم صراع حق وباطل أم أنه صراع من اجل الصراع ؟ وسأترك الإجابة عن هذا السؤال لمن كان له عقل وقلب سليم , ولكنني أتوجه الى ما دون في القرآن الكريم والذي بدوره يؤكد أن هذا الصراع هو صراع قائم منذ بداية البشرية وهو قائم على الحق والباطل وكل الصراعات التي صورها لنا القرآن الكريم لصراعات القائمة بين الشعوب كانت حول حرية التعبير وحرية الانتماء وحرية تقرير المصير وحرية الاعتقاد وهذه الأمور لا يمكن التخلي عنها وهي حقوق ضمنها الشرع السمح وضمنتها القوانين الانسانية الغير مطبقة في أرض الواقع مثال ذلك حرية الاعتقاد ( لا اكراه في الدين ) والمعاملة الانسانية ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) وقول رسول الله ( لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على اسود الا بالتقوى ) وهذه المطالب الإنسانية والضرورية لحياة كريمة تمنع عن الفئات المستحقة لها , لذا يدور الصراع بين مطالب بحقه وبين جاحد لهذا الحق , وبمعنى اوضح يدور صراع بين الحق والباطل , واحيانا دافعه الحسد وأحيانا الأنانية وحب الذات وقد استهلت الخليقة بقصة قابيل وهابيل كنموذج للصراع حيث أن كل منهما قدم صدقة فتقبل الله صدقة هابيل لصدقه واخلاصه ولم يتقبل من قابل لعدم اخلاصه وصدقه وان كان الأمر ليس بيد هابيل الا أن قابيل باشر بالصراع عندما قال لأخيه ( لأقتلنك ) قال تعالى ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني اريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) وطريقة اثارة الصراعات يتعاون عليها شياطين الأنس والجن الذين يناصبون العداء لمن استقام ودعى الى الفضيلة وحافظ على كرامته الى حد أن زعيمهم الشيطان الأكبر قال متوعدا رب العزة ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) وهذا المنهج من الجاحدين هو الذي ادار الصراع فالدارس لسورة البروج يجد أن ملك حمير ذي نواس اراد صد النصارى الموحدين عن دينهم فامتنعوا ( لأنه حق الاعتقاد ) فأمر بحفرة ثم أمر بالنار أن توقد فيها ثم امر بالقائهم في هذه النار وقد دون القرآن الكريم بسورة البروج هذا الحدث فقال ( قتل اصحاب الإخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود * وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) وقد جاء في اسباب نزول هذه السورة بأن الله انزلها ليثبت اصحاب الرسول الذين تعرضوا أيضا الى القتل والتشريد على يد اصحاب الباطل ليقول لهم ( فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) وهذا الصراع قائم الى أن تقوم الساعة قال تعالى ( ولا يزالون يقاتلنونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) والتهمة الموجهة لأهل الحق ثابتة منذ عهد فرعون الى زماننا فقد جاء بيان ذلك في كتاب الله قال تعالى ( ولقد ارسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين الى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب * فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين أمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين الا في ضلال * وقال فرعون ذروني اقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ) فالتهمة لمن أراد أن يمارس حقه في الإعتقاد , والتعبير عن هذا الحق , هي أنه يريد من خلال طرحه هذا الأفساد في الأرض , واحينا المحافظة على العفة الطهارة عند هؤلاء تهمة كما جاء على لسان قوم لوط ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) ولم يترك اهل الباطل اسلوبا من اساليب الباطل الا استعملوه في صراعهم فقوم نبي الله نوح قالوا له لما دعاهم الى عبادة الله قالوا له ( قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ) ولم يكتفوا بذلك إنما اهل الباطل يسعون الى تشويش الحقائق قديما وحديثا ولسان حالهم ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) وقالوا ( اساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) ولكن الحق سينتصر والباطل سيولي الدبر هذا ما نطق به كتاب الله ( ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ( وقال ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )وقد اعجبني ما قرأته من حوار بين الحق والباطل وأود مشاركتكم به :
قال الباطل للحق : أنا أعلى منك رأسا . قال الحق : أنا اثبت منك قدما . قال الباطل : أنا أقوى منك . قال الحق : أنا أبقى منك . قال الباطل : أنا معي الأقوياء والمترفون . قال الحق قال تعالى ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكوا فيها وما يمكرون ألا بأنفسهم وما يشعرون )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *