وما قدروا الله حق قدره بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 12/01/2024

وما قدروا الله حق قدره
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي
عندما ترى الظلم والفساد والطغيان يعم البلاد ويلقي في ظلاله على العباد فاعلم علم اليقين أن هناك فئة طاغية مفسدة تتحكم في الخلق , وما وصلوا الى ما وصلوا اليه إلا لجهلهم بقدرة الله القاهر فوق عباده والمتصرف بأمورهم , وهو القادر على أن يحول أمن العباد الى خوف وخوفهم إلى أمن وهو القائل ( وما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ) فسلطان الله فوق كل سلطان وقدرته مهيمنة على أهل السماء والأرض ولن يفلت من قبضته وسلطانه أحد لذا قال ( ما قدروا الله حق قدره , إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء , قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطس تبدونها وتخفون كثيرا , وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) هذه الآية توحي إلى أن الله قادر وانه أرسل رسله الكرام برسالات ليبين للخلق أن الله هو المتعال في ملكه وهو المدبر للأمور كلها وأن هناك أناس ظلمة وفسقة يحاولون تجاهل هذه الحقيقة أو اخفائها لتصميمهم على زرع الخوف والفزع في نفوس الخلق ولكن الله يمهل ولا يهمل الظالمين ومن على شاكلتهم في كل زمان ومكان وتبقى كلمة الله هي العليا مهما تجبر الظالم وهذا أكده ربنا في كتابه ( فلله الحمد رب السموات والأرض رب العالمين * له الكبرياء في السموات والأرض وهو العلي العظيم ) وقد وردت هذه الآية بعد الآية التي تؤكد أن الظالمين والجاحدين لا يعيرون وقارا لجلال الله لذا يسخرون من آياته ومراده فيكون مصيرهم الخزي في الدنيا والخزي والعار في الآخرة قال تعالى ( فقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ) بمثل هذه الرسائل يبعث الله للخلق أجمعين قال تعالى ( كذلك يوحي اليك والى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم * له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم * تكاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ) فإذا كانت السموات والأرض تتفطر من خشية الله والملائكة تشهد عظمة الله فتلجأ الى التسبيح بحمد ربها للدلالة على قدرة الله وعظمته , هذه القدرة والعظمة التي تضمحل بجانبها قدرة وعظمة أي سلطان ولو اوتي بقوة تزول منها الجبال لأن الله له جند وجند الله هي الغالبة وأمامها سيكون الطغاة اذلاء صاغرين في الدارين وما أعظم ذلك المشهد الذي يصوره رسول الله بقوله ( يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ) فمن لا يخضع لجلال الله ويستجيب لأمره من الظالمين الفسقة سيذل ويخزى ويدرك هذه الحقيقة كل مؤمن صادق في كل زمان ومكان وقد جاء في الصحيحين أن حبرا من أحبار اليهود جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد : إنا نجد أن الله يجعل السموات على اصبع والأرضين على اصبع , والشجر على اصبع , والماء والثرى على اصبع , وسائر الخلق على اصبع , فيقول الله : أنا الملك , فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا ق قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) فمن علم وآمن بما علم وعظم الله في قلبه استسلم لجلال الله وخشع قلبه فتواضع ولم يكن جبارا ولا طاغية يسفك الدماء وينشر الفساد بين العباد , لأن من عرف ربه وقدرته عليه يحرص على أن لا يطلع الله على شيء مشين في اعماله وسلوكه وعليه أن يصلح سريرته وعلانيته فيلجأ بشكل مستمر الى السبيل الأسلم والأفضل له في الدارين ومنها ما قاله ربنا ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ) بقدر اقبال العباد على كلام الله والعمل به بقدر ما يكون تفاضلهم في الإيمان وهذا التفاضل يسوق الى التفاضل في قدر تعظيم الله في قلوبهم والمراقبة له في السر والعلن , ولهؤلاء الذين لم يقدروا الله حق قدره نقول الله يريد منكم أن تنظروا ماذا جرى للأمم السابقة التي طغت فقال ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) يدمر الله الذين لم يقدروا الله حق قدره فيتخلى عنهم وينزل بهم عقوبته قال تعالى (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ) الله يريد أن يسيروا في الأرض للإتعاظ من الأمم السابقة التي أعطاها الله قوة في البدن وبسطة في الجسم ولكنهم استخفوا بأمر ربهم فدمر الله عليهم ويتوعد كل من سار على دربهم بأنه سيلقى نفس المصير من الدمار فقال ( كذبت ثمود وعاد بالقارعة * فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية * وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما * فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية ) من لم يعظم الله ويعرف قدره ينزع الله من قلبه كل خير لأن الشيطان سيستحوذ عليه فيصاب بالهم والغم ولو كان يملك كل مقومات القوة المادية قال أحدهم ( كفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله , وتعظيم حرماته ويهون عليه حقه )وقال بشر بن الحارث ( لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه ) ولذا رسالتنا الى الخلق أجمعين ونخص بالذكر الطغاة والظلمة فنقول لهم : ما طغيتم وما ظلمتم إلا لغفلتكم عن عظمة الله فإذا أردتم لأنفسكم العزة والكرامة فلا بد أن تراجعوا حساباتكم قبل أن يفوت الأوان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *