لا تحزن بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 05/01/2024

لا تحزن
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي
لقد كتبت الكثير من الكتب والمقالات تحت هذا العنوان لضرورة الأمر ولأهميته على نفسية الانسان رغم صعوبة نزول المصائب والإبتلاءات التي تنزل بالناس وتجعل البعض منهم يطرحون بعض الأسئلة والتي تؤكد على حيرتهم من الواقع الأليم الذي ينزل بطائفة من الناس , ولكن المتتبع لمجريات التاريخ وسيرة الخلق يعلم يقينا أن البشرية في امتحان وابتلاء مستمر , وهذا الامتحان والابتلاء باق بقاء الدنيا لأن الفرح والأمن لن يدوم , والدنيا دول فيوم لك ويوم عليك والله يقول عن نفسه أنه هو صاحب الأمر فقال ( الذي خلق الموت والحياة ليبلكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ) فالإنسان مبتلى ولكن المؤمن يعلم أن ما من شيء يجري في هذا الكون إلا بإذن الله مما يجعله مطمئن البال لقدر الله وقضائه ليقينه أن الله لا يقدر ولا يقضي الا بالخير العائد على عباده ولو كان الظاهر يوحي الى الحزن والهم والغم , لأن من آمن بالله يدرك أن أمر الله نافذ لذا يتقبله على الشكل الذي يأتي به استجابة للتوجيه القرآني القائل ( ما اصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) فإذا كان الأمر كذلك فالمؤمن يرضى بقضاء الله وقدره حيث يستقبله بنفس مطمئنة مع مرارة ما يلاقيه لذا عجب الرسول من حال المؤمن فعبر عن عجبه بقوله (عجبا لأمر المؤمن , إن أمره كله خير , وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) فالمؤمن يصبر على المحن والإبتلاءات فتكون النتيجة ( خيرا له ) خير له في الآخرة لأنه رضي بقدر الله وقضائه , وخير له لأن تصرفاته تكون عن وعي وادراك ولن تكون ردة فعل لسلوك المجرم والظالم حتى لو ظهرت منه الشماتة والفرح لمصيبة المبتلى والممتحن , لأن العزة والتمكين ستكون للصابر على أمر الله لذا وجه ربنا خطابا لرسوله الكريم بأن لا يحزن والا يهتم رغم التحديات الجسام من قبل أعدائه فقال ( ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا وهو السميع العليم )لأن الله يعلم ما تكن به صدور الظالمين ووفق علمه سينالون جزاؤهم فقال ( فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ) لأن معية الله قائمة مع من استسلم لجلاله ا , وما دامت قائمة فلن يخيب ولن يخسر حتى ولو تألم واصابته الضراء سيبقى شامخا كالجبل الشامخ لأنه يستمد شموخه من معية الله وهذا ما بشر ربنا رسوله به ( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذيت اتقوا والذين هم محسنون ) وقد تجلت هذه المعاني من خلال استسلام الرسول لجلال الله وحسن التوكل عليه وتفويض الأمر اليه بعد عودته من الطائف التي رجمه أهلها وسال الدم من قدميه فقال ( اللهم اليك أشكوا ضعف قوتي , وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين , أنت رب المستضعفين وأنت ربي الى من تكلني ؟ الى بعيد يتجهمني ؟ أم الى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي , أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك ) فالمتمعن بدعاء الرسول هذا يجده في وقت المحنة كما ويؤكد عمق حسن التوكل على الله والاستسلام لجلاله ولذا لم يحزن قالت رابعة العدوية :
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والإنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
مثل هذه العقيدة رسخ الرسول في نفوس اصحابة بالاقتداء به في استجابته لربه جل في علاه , وهذه العقيدة تجعل المؤمن غير محزون ولا مهموم تحفه الملائكة وتتنزل عليه رحمة الله القائل ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون , نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ) كما أن البشرى تزف للمؤمنين وهم في المحن والبلاء بأن لا تحزنوا لأن موعدهم الجنة بعد رضى ربهم فالله يتوعد الظالمين بالهم والغم والضيق والحزن , ويكفيهم هذا ليقتلوا في حسرتهم لذا كان الرسول يتعوذ منه فيدعو ربه ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) ويقول ربنا للمؤمنين في معركة بدر ( إذ يوحي ربك الى الملائكة أني معكم فثبتوا الذي آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) وهذا التثبيت للمؤمنين حتى لا يحزنوا في دنياهم ولا في آخرتهم مهما كانت اسبابه عميقة وقاهرة قال تعالى ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين )ومن لا يستحوذ الحزن على قلبه يلجا الى الله طالبا المعونة فيدعو ( لا اله الا الله العظيم الحليم , لا اله الا الله رب العرش الكريم , لا اله الا الله رب السموات ورب العرش العظيم ) والمحن والمؤامرات لا تزيد المؤمنين الا ثباتا لقول الله ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل , فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو الفضل العظيم )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *