أحسن الظن بالله بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 29/12/2023

أحسن الظن بالله

في مناسبة الاعياد لدى الطوائف المسيحية اتقدم لكل المحتفلين بهذه المناسبات بأحر التهاني راجيا الله أن يحل الأمن والأمان والسلام في ربوعنا وعلى ابناء شعبنا رغم الجراح والألم نبقى نحسن الظن بالله ونردد مع الشاعر المتنبي قوله

عيد بأي حال عدت يا عيد      بما مضىى أم بأمر فيك تجديد      

أما الأحبة فالبيداء دونهم     فليت دونك بيدا دونها بيد            

هذا مطلع قصيدته لفراق الأحبة بعد الجفوة التي حصلت بينه وبين سيف الدولة وسفره الى مصر  وإن كان قصده الهجاء فإننا نردد مطلع هذه القصيدة رثاءا ومع ذلك نبقى نحسن الظن بالله الذي اتصف بصفاتالجمال والكمال  الدالة على عظمة الخالق القائل في كتابه ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) فهذه الأسماء والصفات وغيرها من صفات الجمال والكمال تليق بجلال الله , لذا المؤمن الحق بعد معرفته لهذه الصفات الدالة على قدرة الله يحسن الظن بالله ويعظمه في نفسه ويلهج لسانه بذكره طالبا رحمته هاربا من غضبه مستسلما لجلاله مفوضا أمره كله اليه , وبذلك يتميز المؤمن عن غيره , فالمؤمن كلما ازداد يقينه بربه وحسن ظنه به أعطاه الله ما ظن به وكلما أساء المرء الظن بربه أعطاه من سوء ظنه وقد جاء في الحديث القدسي ( أنا عند ظن عبدي بي ) فمن ظن بأن الله قادر على أن ينصره فلا بد أنه منتصر عاجلا ام آجلا وكل ذلك عند الله بمقدار , ومن ظن أن الله لن يضيع له أجر عمل فلا بد أن الله سيقبل منه ذلك العمل بل إن أخلص فيه سيشكره وهو الغني عن الخلق قال تعالى ( إن هذا كان لكم جزاءا وكان سعيكم مشكورا ) والعكس صحيح فمن ظن بالله أنه سيهزمه فلا بد بأنه مهزوم مرتين الأولى هزيمة معنوية والثانية حسية , ومن عمل عملا وظن أنه لن يؤجر عليه خيرا من ربه ولن يتقبل منه سيوقع الله عليه ما ظن به جزاءا يلائم ما ظن به واعتقده , وهذا يؤكد على أن حسن الظن بالله أمر ضروري وأمر عظيم في حياة من اعتمد عليه وتوكل عليه ووقف على بابه راجيا مستغيثا قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ( والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن خيرا من حسن الظن بالله عز وجل , والذي لا اله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه ذلك بأن الخير في يده ) وقد جاءت وصية الرسول ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن ) وحتى نؤكد على حسن الظن بالله فلا بد من أمرين نعالجهما في أنفسنا وسائر أعمالنا وهما صحة الاعتقاد بالله وحسن العمل في طاعته , فأما صحة الاعتقاد تبنى على توحيد الله في ربوبيته وفي الوهيته وفي أسمائه وصفاته , فمن عرف ان الله خالقه ورازقه ومدبر أمره وهو وحده المستحق للعبادة وأدرك حينها أن الله صاحب هذا الحق وهو وحده المتصف بصفات الجمال والكمال وأنه وسع كل شيء رحمة وعلما وأن أمره قائم في هذا الكون بين الكاف والنون فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون , ولهذا من الطبيعي اللجوء اليه بالدعاء وبحسن الظن وبيقين أنه سميع مجيب . فعن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله يقول : قال الله تعالى ( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي , يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي , يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ) فإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نتضرع بباب الله بالدعاء والاستغاثة ونحن موقنين بالإجابة بأن يرفع عنا البلاء ونحن نحسن الظن أن الله لن يرد أيدينا خائبة خاسرة وهذا اليقين يدفعنا الى حسن العمل والخلق الحسن ولا نسيء الظن بالله لأن سوء الظن بالله يورث القنوط من رحته مما يؤدي الى سوء العمل قال حسن البصري ( إن المؤمن أحسن الظن بالله فأحسن العمل   , وإن الفاجر أساء الظن بالله فأساء العمل ) فرغم أننا نمر بظرف صعب ومحنة شديدة وألم تعتصر له القلوب إلا أننا نحسن الظن بالله القادر على كل شيء وأنه ( فعال لما يريد ) وهو القائل ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) وهو القائل ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ) وهو القائل ( لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار وبئس المصير ) وهو القائل ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار * أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) وقد تعلمنا من قصة نبي الله يوسف أن المؤمن مهما نزلت به المصائب ومهما حيكت له المكائد يبقى يحسن الظن بالله وقد جاء في سورة يوسف أن نبي الله يعقوب مرت به السنين وهو ينتظر رجوع يوسف حتى فقد بصره ولكنه لم يفقد الأمل بالله لذا قال لأبناءه ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) ومن لا ييأس من روح الله يجد ويجتهد ليقينه أن ما عند الله خير للأبرار , لذا تجده سباقا في كل طرق الخير ولا يخشى الفقر قال تعالى ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين  ) وقال ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم  ) سنبقى نحسن الظن بالله رغم البلاء والألم ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )                

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *