مع آية ( ولا تهنوا ولا تحزنوا )
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي
أمام هذا الواقع الأليم والذي يثير الرعب والفزع في نفوس بني آدم تطرح الكثير من الأسئلة ويتسرب الى النفوس شيء من اليأس والتشاؤم ويظن البعض أن الساعة أوشكت على القيام وأن البشرية ستنقرض عن الأرض التي عاش عليها الأنبياء وعاش عليها الآباء وخاصة إذا رأيت الحرب على كل مقدس من البشر والشجر وأماكن العبادة التي يذكر فيها اسم اللهالأمر الذي يحفز الى النظر في رسالات السماء ليمعن العاقل فيها النظر لعله يستخلص منها الدروس العبر وهذا ما حدا بي الى أن أقف عن قوله تعالى في سورة آل عمران ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ) وفي هذه الآية نداء عام لكل مؤمن وهو يواجه التحديات ويرى المصائب بضرورة أن لا يستسلم وأن لا يسمح لليأس أن يدخل الى قلبه ليبقى عنصرا فعالا في مجتمعه وبين أهله وأسرته ولا يركن الى أن يضعف همته من شدة احزانه فيضعف بدنه ويقلع عن فعل الخير والقيام بواجبه في مجالات حياته المتعددة , فالضعف لا يليق بمن وجهه يتوجه الى الله وجعل الله له وكيلا ووليا فهو القائل ( الله ولي الذين آمنوا يخرهم من الظلمات الى النور ) ومن كان على نور من ربه لا يصيبه هم ولا فزع , وقد جاء في اسباب نزول هذه الآية الكثير منها , قال الزهري : كثر في اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم القتل والجراح , حتى أصاب كل امرئ منهم اليأس فأنزل الله عز وجل القرآن فواسى فيه المؤمنين بأحسن ما واسى به قوما كانوا قبلهم من الأمم الماضية فقال ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) أما ما جاء عند الطبراني فمفاده أن خالد بن الوليد الذي كان يقود جيش الكفار في معركة أحد أراد أن يعلو الجبل ليغير على جيش المسلمين وهكذا فعل , ومعنى اغارته عليهم من الخلف هزيمتهم فقال رسول الله ( اللهم لا يعلون علينا ) وفي رواية توضح الحدث حين علا خالد بن الوليد وصعد الجبل من خلف المسلمين وغار عليهم وهزمهم قال المسلمون ما فعل فلان ؟ ولم يذكروا اسم الرسول ظنا منهم انه قتل وقالوا قتل فلان فكانوا في هم وحزن وخاصة أنه قتل منهم عددا تجاوز السبعين من صحابة رسول الله وشاع خبر مقتل رسول الله فلما رأوا الرسول حيا بينهم فرحوا وقال الرسول ( اللهم لا قوة الا بك , وليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر ) , عندها رجع نفر من الرماة من اصحاب رسول الله فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزمهم الله وعلا المسلمون الجبل , فلو أنهم وهنوا وضعفوا لما حولوا الهزيمة الى نصر مؤزر , وهذا الحدث حصل بعد أن خالف مجموعة من الصحابة توجيهات رسول الله وهذه المخالفة الحقت بهم الضرر الكبير فقد كسرت رباعية رسول الله وشج وجهه واصيبت اسنانه , فلما رجعوا الى رسولهم رفعت معنوياتهم فانقلب السحر على الساحر , وحتى يتحقق الأمن النفسي لأي فئة لا بد من أن تستمد طاقتها من ايمانها بالله فإن تحقق الايمان بالله واستقر في وجدان الإنسان فلن يأذن للوهن والضعف أن يستقر في قلبه وجسمه حينئذ يبقى عنصرا فعالا في طلب الخير له وللبشرية جمعاء , والمفهوم الحقيقي لمعاني هذه الأية أن المؤمن حين يصدق في ايمانه بالله يتحرر من كل قيود العبودية سواءا كانت خارجية أو نفسية ومن اخطرها القيود النفسية لذا قال تعالى ( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ) وتخيلوا معي حال رسول الله الذي أيده الله بالتمكين كيف كان حاله حين بعث رسولا , فقد حاربوه وأشاعوا الإشاعات الباطلة واتهموه بالسحر والكهانة والجنون ولما عجزوا من تحقيق اهدافهم قرروا التخلص منه بالقتل قال تعالى مبينا ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ) فكل ذلك لم يدخل الوهن الى قلبه فهاجر الى المدينه ليكتب لهم الله التمكين وطمئنينة النفس لثباته على رسالته قال تعالى ( واذكروا إذ كنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) وهذا المعتقد يدخل في كل مجالات الحياة , فمن تحكم الحزن والهوان على قلبه عجز عن القيام بمراده فمن الناس من يصل الى مثل هذا الحال عند فقد ولده او احد الأعزاء عليه ولكنه اذا ركن الى الركن الشديد سيتخلص من شعوره بالعجز والقهر وقد ضرب لنا الرسول الأكرم مثالا عمليا حيا من واقع حياته وذلك عندما احتضر ابنه ابراهيم من زوجته مارية القبطية وقد مات من قبله جميع اولاده الذكور حمله بين يديه وقال ( أن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون ولا نقول الا ما يرضي الرب إنا لله وإنا اليه لراجعون ) ومن الناس من يحزن ويوهن لفقدان بعض ماله أو لفشله في زواج ونحو ذلك لهؤلاء نؤكد فنقول : اعلموا أن لكم رب رحيم ودود يمكنكم أن تستمدوا قوتكم من اللجوء اليه لأن الله فعال لما يريد وبذكره تطمئن القلوب