العدل والرحمة بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 10/11/2023

العدل والرحمة

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي

لا يخفى على أحد منا أن هاذان المطلبان عز وجودهما في عالمنا الا نادرا وذلك على كل المستويات  سواءا كانت حاكمة او محكمومة وحتى على مستوى الأفراد الجماعات  ويؤكد ذلك ما نراه من حروبات واقتتال بين الناس لا مبرر لها الا أن الرحمة انتزعت من قلوب بعض الشر وحل مكانها الحقد والضغينة وحب الانتقام , وهذا المرض نتيجته أن تزهق ارواح الأبرياء , ولا يمكن أن يعيش العالم بأمان وسعادة الا اذا تراحموا بينهم , وما نراه اليوم من انحدار في اخلاق وسلوك البشر هو العامل الاساس لرفع رحمة الله عن العباد , لأن معية الله لا تكون الا مع الرحماء الذين يقيمون العدل في الأرض وبين الناس  , فالرحماء بسلوكهم يستجلبون  رحمة الله وجوده وكرمه وستره واحسانه عليهم قال تعالى ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) وقال ( وهل جزاء الاحسان إال الاحسان ) ولا يكون عمل المرء حسنا الا اذا كان اساسه الرحمة والعدل لأن الله لا يرحم الا الرحماء عن اسامة بن زيد قال : أرسلت بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( إن ابني قد احتضر , فاشهدنا , فأرسل يقرئ السلام , ويقول ( إن لله ما أخذ , وله ما أعطى , وكل شيء عنده بأجل مسمى , فلتصبر ولتحتسب ) فأرسلت اليه تقسم عليه ليأتينها , فقام ومعه سعد بن عبادة , ومعاذ بن جبل , وأبي بن كعب , وزيد بن ثابت ورجال رضي الله عنهم , فرفع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأقعده في حجره ونفسه تقعقع , ففاضت عيناه , فقال سعد : يا رسول الله ما هذا ؟ فقال ( هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب من يشاء من عباده , وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) الرحماء هم الذين يألمون لألم أخوانهم وبني جنسهم  وتذرف دموعهم عندما يرون الظلم والتعدي على الخلق , فعباد الله يتواصون بينهم على أن يكونوا رحماء بالصغير وبالكبير وبالبعيد والقريب ويمدونهم بأسباب الحياة الكريمة قال تعالى ( فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو اطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * اولئك أصحاب الميمنة )  ولذا قال رسول الله ( لا يرحم الله من لا يرحم  الناس ) وقال ( من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا ) فالرحمة بين الناس يجب أن تتجلى بالمؤازرة والمساندة فلا يعقل أن يرى المبتلى ببلائه وتشح الأنفس وتستعلى وينكفى الناس على مصالحهم وكأنهم ليسوا من أبناء المجتمع والمحيط الذي يعيشون فيه قال تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) فالرحمة عنوانها المؤازرة والمعونة والظلم عكس ذلك ومن المؤسف أنه رغم حسرتنا وألمنا الشديد يصر بعض شبابنا أن يزيدوا من هذا الألم وأن يوسعوا من جرح قلوبنا ليصعب شفائها نتيجة الاقتتال بينهم في الحارات والشوارع الى حد أن بعضهم اصبح لا يكترث لما ألم بمجتمعنا لان هذا الحال اصبح وكأنه من الروتين الذي يجب الاستسلام له فنقول لهؤلاء الشباب فلذات أكبادنا ارحمونا حتى يرحمكم الله , وأن كفى لسفك الدماء على ايديكم ولا يمكن أن تسود الرحمة الا بالعدل  العام أو الخاص وهذا ما أمر به ربنا ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله سميعا بصيرا )  والعدل المطلوب ولو على الشخص نفسه او الجماعة بنفسها او الدولة بنفسها قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) ومعنى هذه الآية : أن لا يحملكم بغضكم لبعض الناس على أن تحيفوا عليهم أو تظلمونهم . ولذا تعاهد المسلمون الأوائل على العدل فأطلقها أبو بكر صرخة مدوية يجب أن تصل الى من صم اذنيه عن سماع او قول كلمة الحق فقال عند توليه الخلافة ( ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له , وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه ) فهل نسمع من يقول مثل هذا القول قولا وعملا ؟  والرسول قال ( ما من أحد يكون على شيء من أمور هذه الأمة فلم يعدل إلا كبه الله في النار ) فمن تولى امر من امور العامة وخانهم فيما ولووه عليه فهو ظالم لهم والظلم ظلمات يوم القيامة  ولا يمكن أن يسعد الظالم قال احد العلماء ( إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة , ويهزم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة ) وجلنا يعلم قصة عمر بن الخطاب حين دخل عليه رسول من كسرى ملك الروم فرآه نائما على الأرض وبدون حراسة ولا خدم فقال كلمته المشهورة ( عدلت , فأمنت , فنمت , يا عمر )            

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *