بحر القصيدة بقلم رشدي الماضي

مراسل حيفا نت | 29/10/2023

         بحر القصيدة

رشدي الماضي

 

في الليل أخشى عليَّ… أن أغادرني مدينةً تُشْبهني بكل تفاصيلها وتضاريسها. تبّا لكِ، جوقة الضّجر وكلّ هذا الفراغ وأنا!!!

اقتطعت من ظِلِّ الصَّمت صوتا للفرح، فإذا بربّة الشِّعر ترشقني بوردة تقرأ جَهْراً: إنْ عطشتُ وغادرتكَ الغيوم من رحلة الشِّتاء، إرضَع ثدي القصيدة… شبقا، شغفا، إثارةً وايقاعا يتلوّى بين يديكَ، ثمّ يسقط مضرَّجاً على أرض اللغة…لكن أوصيك يا صاحبي وأنتَ في هذا الزّمن الجديد أن لا تطمئنَ إلى النّصَّ الذي يعتمد شِعْرِيّة واحدة أسلوباً فمثل هذا النّوع من النّصوص مصيره إلى عَدمَيْنِ مؤكّدين: انعدام المعنى وفقدان القيمة…

ألم يقل النّاقد لوتمن: الشّعر هو اجتماع الحيّ بين الغّموض ونقيضه، بين المتوقّع والّلا متوقّع حين تنفجر طاقة النّصّ وتتموّج شِعْريتُهُ…

فالقصيدة يا صاحبي كتلة من الغموض (ليس الإبهام) المتراصَ، غاية متشابكة من أحراش اللغة، لكن، وهنا أسارع إلى التأكيد: كلّ هذا دون مجافاة النَّصّ لشرارة الوضوح المندلعة من ثناياه هنا وهناك، ومضات محسوبة بدِقّة ورهافة، لأنَّ لا بدّ للقصيدة من رفيف الشَّرر الخافت، الذي يَشْرح دونما ابتذال ويَكْشف بدون مباشرة فاضحة، وفي هذا توازن بين الغموض ونقيضه، أيّ بين الوضوح المريح ولذّة المفاجأة.

وعليه، نحن اليوم يا صاحبي، في جَدل بالغ بين الخفاء والجاذبيّة، فالنّص بين هاتين اللحظتين والشّعريّة الإنسانيّة معلّق بين الشَّفافيّة والكثافة… شرطَ إبعاد وتجنّب الهمّ الفرْدي في تداعيات القصيدة وطغيان الوجع الجماعي المتصاعد درجات السَّرْد ويختصر بالنتيجة الوطن كاملا، ليمتزج العام بالخاص في آن…

صباح الخير أيَّتها القصيدة هي كبحر أوسع ما يكون وأنا أمامها أَبْعد ما أكون… تجعلني مُنفتحا على الواقع وعلى الذكرى والبرهة الحياتيّة حتّى العابرة منها، فيلتهمهما البصر والبصيرة وقد ترابط فيها الصّوت والصّدى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *