الانسان المبتلى بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 15/10/2023

الانسان المبتلى

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي

اكد القرآن حقيقة يغفل عنها كثير من الناس وهي أن الانسان في هذه الدنيا مبتلى , فأحيانا يبتلى بماله واحيانا بأهله وأحيانا بماله  واحيانا بعقيدته ويبقى يتقلب في الدنيا بين الابتلاءات حتى ينتقل الى البلاء النهائي في الأخرة قال تعالى ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) ويستدل من هذه الآية أن الذي يحسن التصرف اثناء الإبتلاء في الحياة الدنيا هو الذي ستكتب له النجاة من محنة الآخرة, وهذه الميزة منحها الخالق للإنسان دون غيره من المخلوقات , فجعله مخيرا لا مسيرا في اتخاذ القرارات في الحياة فهو قادر على أن يميز الخير من الشر , والاستقامة من الانحراف , والاخلاص من النفاق قال تعالى ( إنا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصير * إنا هديناه السبيل إما شاكر وإما كفورا ) وأمام الإبتلاء تبرز حقيقة وهي إن الابتلاء فيه التمحيص وفيه التأكيد على الثبات على المبدأ , لذا وردت الآيات الكثيرة التي تؤكد على ضرورة الابتلاء  ومنها قوله تعالى ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) فالصبر في وقت المحن والابتلاءات يؤكد حقيقة الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره وكما قدمت ان الابتلاء تتعدد اشكاله ومنها ما جاء بقوله تعالى ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون )  وحتى يوضح المقال عمل رسول الله الى بيان طرق الصبر فقال مما قال (يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي من جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ) وقال ( إن الله تعالى قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ( يريد عينيه ) فصبر عوضه الله منها الجنة )  ولا يكون البلاء دليل على سخط الله ولكنه تمحيص ورفع مكانة وعزة فقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن رسول الله ( إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم , فمن رضي فله الرضى , ومن سخط فله السخط ) فالرضى بقضاء الله وقدره مهما كان قاسيا يكسب الإنسان الأمن والأمان في قلبه , فيعيش هادئ البال , وليس عبثا أن تجد قصة ايوب عليه السلام في القرآن , إنها تساق الينا لنعلم أن هذه سبيل الأنبياء والرسل الكرام فأيوب صبر على فراق الولد , وصبر على الفقر , وعلى المرض فعاش سبع سنين مريضا فقيرا وصبر على آذى زوجته فأخبرنا ربنا ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه اواب ) بكل ادب يتوجه الى القادر القاهر المعز المذل والذي بيده مقادير كل شيء قال تعالى ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم  رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ) وكأنه يقول لربه جل في علاه هذه حالي , فإن كان يرضيك ما بي فلا شك أنه يرضيني , وإن شئت برحمتك وعفوك أن ترحمني  ولا حول ولا قوة إلا بك,  فهل نحن في ظل المحنة الكبيرة التي نعيشها نفر الى الله وندعوه ونستغيثه كما فعل ايوب وجميع اخوانه الرسل والأنبياء الكرام ليرفع عنا هذه الغمة وهذا الكرب الشديد  وكما قدمت فإن الابتلاءات سنة الله في خلقه واشد الناس ابتلاءا أكثرهم صلاحا وإلا ما هو التفسير لحديث أبي سعيد الخدري القائل : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم , وهو يوعك , فوضعت يدي عليه , فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف , فقلت : يا رسول الله ما اشدها عليك ؟ قال : إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف الأجر . قلت : يا رسول الله , أي الناس أشد بلاء ؟ قال( الأنبياء ) قلت : يا رسول الله , ثم من ؟ قال : الصالحون . إن كان احدهم ليبتلى بالفقر , حتى ما يجد أحدهم الا العباءة يحويها . وإن كان احدهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء ) وللصبر على المحن فوائد عديدة منها أنها تكفر الذنوب قال رسول الله ( ما يصيب المسلم من نصب , ولا وصب , ولا هم , ولا حزن , ولا أذى , ولا غم , حتى الشوكة يشاكها , إلا كفر الله بها خطاياه )  ومنها اكرام الله له في الدنيا بالعزة والكرامة كما تقدم من قصة ايوب وما تعلمناه من سير الأنبياء , ويكفي أن في مواطن المحن والابتلاءات تظهر معادن الرجال قال تعالى ( وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ) وهذه السنة قائمة الى يوم القيامة قال تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) وفي ظل هذه المحنة الشديدة التي نعيشها لا بد من رسائل نقدمها لشبابنا لأن هذه الحرب حتما ستنتهي وستعود الحياة الى سابق عهدها ولا نريد العودة وفينا الجراح التي يصعب شفائها لذا علينا التأكيد على أن رغم مرارة الواقع فلا داعي الى الهلع والخوف بل نقابل هذا الواقع بالصبر والرضى بقضاء الله وقدره قال تعالى ( كل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا )  كما وان من الحكمة أن لا ننخدع بكل ما يصلنا من اشاعات وهي كثيرة  وأحيانا تكون كاذبة والله يقول في كتابه ( يا أيها الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبإ فتبينوا أ تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) وندعوا الجميع الى تحمل المسئولية خاصه في التصريحات والمشاركات عبر شبكات التواصل الاجتماعي واسأل الله أن يرفع هذه الغمة وأن ينشر العدل والسلام ليسعد الجميع في رحمة الله              

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *