مطانس فرح
تصوير وائل عوض
قامت معلّمة (اسم المعلّمة الكامل محفوظ في ملفّ التحرير)، نهاية الأسبوع المنصرم، وفي 17 الجاري، تحديدًا – وذلك حسَب ادّعاء الطالب ووالدته – بسدّ باب الصفّ على الإصبع الوسطى من كفّه اليسرى، ما أدّى إلى بتر جزء منها!
نعم، أعزّائي القرّاء! فهذا ما حدث، مؤخّرًا، داخل أروقة مدرسة «الأخوّة» الرسميّة في حيفا.
وتعود القصّة – كما ذكرت، آنفًا – إلى يوم الخميس ما قبل الأخير؛ حيث إنّه حسَب ادّعاء سلوى زعبي (والدة الطالب (ن.ز.) ابن الأعوام العشرة)، طلب ابنها (الطالب) الخروج إلى المرحاض لقضاء حاجته، من دون موافقة المعلّمة! ولدى عودته إلى الصفّ منعته المعلّمة من دخول الصفّ والمشاركة في الدّرس؛ وعند وقوفه على باب الصفّ، تحديدًا، قامت برَكْل الباب بقوّة – حسَب أقوال الوالدة – فسدّته على كفّ الطالب اليسرى، مانعةً منه دخول الصفّ وباترةً بفعلتها هذه جزءًا من إصبعه الوسطى!
وتفنّد زعبي مزاعم الطاقم التدريسيّ أنّ المعلّمة قامت بإغلاق الباب بصورة عاديّة من دون الانتباه إلى وجود كفّ الطالب، مؤكّدةً أنّها لو قامت بذلك، فعلًا، لكان الضرر أقلّ بكثير؛ فمن الواضح أنّ الضرر جاء من جرّاء سدّ باب أقوى بكثير!
وقد تمّ استدعاء سيّارة إسعاف، لتُقلّ الطالب إلى القرية الطبّيّة «رمبام»، بمرافقة والدته الّتي علمت بما حدث من قبل إدارة المدرسة. هذا وقد عادت المديرة الطالب في المستشفى للوقوف على وضعه والاطمئنان على حالته الصحّيّة.
«الإصبع مقطوعة، هناك بقيّة جلد متدلّية على الجَدَعة!»
هذا وقد جاء في تلخيص التقرير الطبّيّ عن حالة الطالب (ن.ز.)، والّذي حصلت صحيفة «حيفا» على نسخة مصوّرة له، ما يلي:
«ابن 10 سنوات يدّعي أنّه تعرّض لإصابة «بطرقة» باب على إصبعه الثالثة (الوسطى) في كفّه اليسرى. يعاني من بتر بتقطّع أوصال الإصبع بارتفاع الـ DIPJ. يتّضح من الفحص أنّ: الإصبع مقطوعة، هناك بقيّة جلد متدلّية على الجَدَعة (موضع القطع)، وبقيّة صغيرة جدًّا من العظم في الأسطوانة البعيدة. يظهر في الصورة: كسر بتقطع أوصال الإسطوانة البعيدة. تمّ تحت تأثير التخدير الموضعيّ وتكتيل الإصبع بمادّة الليدوكائين وبتوفير شروط التعقيم: تقصير الإسطوانة وإغلاق بقيّة الجلد. التوصيات: الحفاظ على يد مرفوعة + تناول مضادّات لتسكين الألم.».
«لا يمكنني أن أترك ابني على هذه الحالة»!
ومن حينها يرفض الطالب العودة إلى مقاعد الدراسة، ويعاني – إضافة إلى البتر والألم – حالةً نفسانيّة صعبة.
وعن ذلك تقول لي سلوى زعبي (أم سيف): «لا يمكنني أن أترك ابني على هذه الحالة. لا بدّ لي من عرضه على طبيب نفسانيّ. فمنذ إصابته وهو منزوٍ ومتقوقع، وأحيانًا يثور ويغضب، أيضًا!».
وأنا بدوري، لم يكن بمقدوري محادثة الطالب ذاته، لما عاناه – وما زال – من آلام ووضع نفسانيّ صعب؛ فيوميًّا، ومنذ الحادثة الأليمة، يتنقّل ما بين المستشفى والطبيب والعيادات، لاستكمال العلاج وتغيير الضمادات، وتعقيم الجرح، ويعاني آلامًا حادّة!
«تصرّف مرفوض كليًّا»!
وتتساءَل زعبي: «كيف يمكنني الائتمان على ولدي وإعادته إلى مقاعد الدراسة. هذا تصرّف مرفوض كلّيًّا؛ فمهما كان السبب، لا يحقّ للمعلّمة الإقدام على ما قامت به! كان يجب على المديرة – في مثل هذه الحالة – استدعاء الشرطة إلى المدرسة».
وتضيف: «لقد قمت، يوم السبت الأخير، بتقديم شكوى في مركَز الشرطة ضدّ المدرَسة والمدرّسة». «من الصعب التأسّف عمّا حصل» – قالت لي زعبي، وأضافت: «مَن سيعوّضني وسيعوّض ولدي عن هذا الضرر الّذي لحق به من جرّاء تصرّف غير مسؤول ومتهوّر ومستهتر؟».
وتؤكّد أنّ كلّ الاتّصالات والزيارات لا ولن تعوّضها عن ظِفر واحد من أظافر ولدها. وتشير سلوى إلى أنّها لن تعيد ابنها إلى المدرسة، إلى أن يأخذ القانون مجراه، وتتمّ التحقيقات في الموضوع، ومعاقبة المسؤولين.
«حاولوا إخراسي بوسائل عدّة»!
«أسأل المعلّمات والمديرة، تحديدًا، ماذا كنتنّ ستفعلن لو تعرّض لهذا الحادث أحد من أبنائكنّ أو بناتكن؟! فهل سيكون الصمت والتستّر هما الحلّ في هذه الحالة أيضًا؟» – تتساءَل سلوى زعبي.
وتتّهم زعبي الطاقم التدريسيّ والمسؤولين بالإهمال وباتّباع سياسة التعنيف الكلاميّ، وباستعمال ألفاظ وأساليب لا تليق بجهاز التربية والتعليم، هذا عدا صراخ المعلّمين المتواصل والشجارات اليوميّة بين الطلّاب – حسَب ادّعاء زعبي.
«حاولوا إخراسي بوسائل عدّة، وتفعيل ضغوط لهدف منعي من التوجّه إلى الإعلام، وعرض الموضوع عبر الصِّحافة؛ ولكنّني أومِن بأنّكم تسيرون على طريق الصِّحافة النزيهة والحرّة، وستعرضون الأمور كما يجب، من دون تستّر أو تلوّن" – أقوال سلوى.
وتضيف: «الشوكولاطة والهدايا لا تعيد إلى ابني جزءًا من إصبعه! أنا لن أسكت إلى أن أحصل على حقّي وحقّ ابني.»!
علّ طرحنا يساهم
ونحن – بدورنا – نقول إنّنا لن نسكت أبدًا، ولن نتستّر، طبعًا، على ما حدث – وقد يحدث للأسف – في مدارسنا، علّ طرحنا يساهم في أن يفكّر أيّ معلّم أو معلّمة مرّتين أو أكثر قبل الإقدام على أيّ عمل كهذا، حتّى لو لم يكن مقصودًا، عسانا نمنع أحداثًا مؤلمة مشابهة في مدارس أخرى.
نحن نعلم أنّ مدرسة «الأخوّة» تعمل – في السنة الدراسيّة الحاليّة – وفق برنامَج خطّة الإصلاح – «أفق جديد»، للحدّ من ظاهرة العنف، ولكن – على ما يبدو، وللأسف الشديد – على المعلّمين والمعلّمات – وليس في مدرسة «الأخوّة»، فقط، بل في جميع مدارسنا – العمل على أنفسهم وفق خطّة الإصلاح، للحدّ من العنف الموجّه ضدّ الطلّاب، بأنواعه المختلفة.
يؤلمني، ونحن على أبواب احتفاليّة تكريم المعلّم/ة والمربّي/ة، أن أطرح مثل هذا الموضوع، ولكنّني لا أقصد التعميم، فلدينا ما يكفي ويزيد ويشرّف من المعلّمين والمعلّمات، المربّين والمربّيات.
أرجو أن يكون (ن.ز.) آخر طالب يدفع ثمن خطأ أو تهوّر أو تصرّف غير مسؤول، من مسؤولة أو مسؤول عن تربية أجيالنا القادمة، لننطلق، معًا، إلى «أفق جديد»، فعلًا!
حتّى لو كان الطالب «شيطانًا» أو «جنّيًّا»، فعلى المعلّمة أو المعلّم أن يجدا أساليب أخرى للتعامل معه، فهذه من جملة مَهمّتهما ووظيفتهما. فالتعليم رسالة سامية، اعملوا للحفاظ على هذه الرسالة، كما حافظ عليها معلّمونا ومعلّماتنا، مربّونا ومربّياتنا، ويحافظ عليها، أيضًا، قسم من المعلّمين والمربّين الّذين يستحّقون التقدير، لنسمو معًا، ويسمو معنا مجتمعنا.
الشرطة تقوم بالتحقيق وسيتمّ اتّخاذ الإجراءات اللّازمة
وتعقيبًا على ما ورد في الخبر، وصلني ردّ كمال عطيلة، الناطق بلسان وزارة التربية والتعليم للوسط غير اليهوديّ، أورده كما جاء: «في حديث مع مديرة المدرسة، أكّدت أنّها تأسف لوقوع هذا الحادث! وتتمنّى الشفاء للطالب المذكور، مضيفةً أنّه تمّت معالجة الموضوع وفق الأنظمة والتعليمات الصادرة في منشور المدير العامّ للوزارة، مع تقديم المساعدة والعلاج – قدر الإمكان – للطالب، وقد كان الأهل على اطّلاع تامّ على الأمر منذ بدايته. وإضافةً إلى ذلك، فإنّ إدارة المدرسة تؤكّد – وبدون علاقة بما حدث – أنّها تقوم ببرنامَج تربويّ شامل، وعلى مدار السنة، للحدّ من ظاهرة العنف، وتوفير مُناخ تعليميّ مناسب لجميع الطلّاب، مؤكّدةً أنّ ما حدث لم يكن حادثة عنف!!!
«وزارة التربية والتعليم طلبت من إدارة المدرسة تقديم تقرير مفصّل إلى مفتّش المدرسة عن الحادث، والّذي سيقوم – بدوره – بفحص الموضوع بشكل جذريّ؛ علمًا أنّ الشرطة تقوم بالتحقيق في الموضوع، وسيتمّ اتّخاذ الإجراءات اللّازمة وفق توصيات الشرطة.
باحترام، كمال عطيلة، الناطق بلسان الوزارة في الوسط غير اليهوديّ».
تقع علينا مهمَّة كشف الوجه الآخر، أحيانًا
ونحن – بدورنا – سنتابع لنعلَم ونُعلِم بحقيقة الأمر.. فهذا هو واجبنا وهذا هو عملنا. فلا يكفي أن نظهر الوجه الإيجابيّ لأمور عدّة في مجتمعنا، حيث تقع علينا مَهمّة كشف الوجه الآخر، أحيانًا، لهدف التحسين وعدم تكرير الأخطاء!
وفي حال ورود أيّ جديد سنحدّثكم (نحتلنكم) به.