لمراسل خاصّ
يُعتبر الشرق الأقصى «مسقط رأس» الطبّ المكمّل والفلسفة القائمة في صُلبه، تلك التي تكرّس الانتباه إلى الإنسان وإلى الإجراءات التي يمرّ بها، كجزء من معالجة المشكلة الطبيّة. إلاّ أنّ عملية «النشوء والترقّي» لم تتخطَّ الطبّ، وفي الغرب، أيضًا، نشأت نظريّات طبيّة مختلفة على مرّ السنين، من بينها ما شدّ انتباه الشرق الأقصى إليه.
وصل، الأسبوع الفائت، إلى المركَز الطبّيّ «رمبام» وفد ضمّ 12 يابانيًّا، جاء من اليابان إلى حيفا لتعلّم طريقة الأوستوتيؤوپاثيك من أبي الطريقة الإسرائيليّ، مرڤين ڤلدمان. وقد اعتبر أعضاء الوفد اليابانيّ اللقاء مع الخبير الإسرائيليّ شرفًا لهم؛ فهو مشهور جدًّا عندهم، في اليابان، كما قالوا.
أوستوتيؤوپاثيك (Osteopathic Medicine) هي طريقة علاج مبنيّة على أساس استخدام تقنيّات اللمس اللطيف، من قبيل التحسّس والدّلك، بالإضافة إلى الأدوات المستخدَمة في الطبّ التقليديّ. تقوم الطريقة، أساسًا، بتشخيص وعلاج مصادر الألم ومشاكل تقويم العظام الخاصّة بجهاز الهيكل العظميّ والعضلات، إلاّ أنّها مُطبَّقة، أيضًا، كعلاج أساسيّ أو مرافق لكثير من الأمراض والإصابات، سواء أكان ذلك كجزء من العلاج الطبّيّ أم كجزء من المفهوم اليوميّ الخاصّ بتحقيق نمط حياة صحّيّ.
تركّز الأوستوتيؤوپاثيك في العلاقة القائمة بين الجهاز البيولوجيّ الميكانيكيّ (الهيكل العظميّ والعضلات) في الجسم، وبين عمل أعضاء الجسم، بما في ذلك الأعضاء الداخلية. وعدا معالجة الآلام المختلفة، تعالج الأوستوتيؤوپاثيك، أيضًا، حالات الحساسية، الربو (الأستما)، مشاكل الهضم، التهابات الجيوب الأنفية، حالات الاكتئاب، حالات الصداع النصفيّ، اضطرابات الرؤية، مشاكل النموّ لدى الأطفال، اضطرابات النوم، وغيرها.
وهذه الطريقة التي تُعتبر القاعدة التي نشأ عليها مجال تقويم العمود الفِقْرِيّ (الخيروپراكتيكا)، طوّرها الدكتور أندرو تِايلور ستيل والدكتور مارتين ليتلجون في الولايات المتحدة قبل 130 سنة، وينتشر استعمالها في الولايات المتحدة، بريطانيا، أستراليا، نيوزيلندا، فرنسا، وغيرها. والأوستوتيؤوپاثيكيّون في الولايات المتحدة يتمّ تأهيلهم من قبَل الدولة ويحملون لقب طبيب، مع تخصّص بهذا المجال. هذا وإنّ تبنّي الطريقة في الطبّ الأمريكيّ ينعكس من خلال حقيقة أنّ في الولايات المتحدة 29 مستشفًى طريقة عملها مبنيّة على أساس هذه الفلسفة الطبية.
بدأ ڤلدمان العمل في هذا المجال قبل أكثر من 40 سنة؛ وقد تعلّمه في إنچترا، مسقط رأسه، في أحد أكبر مراكز النشاط الأوستوتيؤوپاثيكيّ في العالم. تعلّم ڤلدمان هذه الطريقة من جون ڤرنهام (John Wernham) الذي كان تلميذ أحد مؤسّسي الأوستوتيؤوپاثيك. حتى إنّ الاثنين قد ألّفا كتبًا معًا. وعندما قدِم إلى البلاد قبل نحو 20 عامًا، وعد ڤلدمان أستاذه بمواصلة نشر الطريقة، وأنّه سيحاول إيجاد بيت دافئ لها في قلب الطبّ التقليديّ، مثلما فعل النموذج الأمريكيّ ونجح في ذلك.
وورشة العمل التي أقامها «رمبام» الأسبوع الفائت، كانت بالنسبة إلى ڤلدمان بمثابة إغلاق دائرة. «»رمبام» هو المستشفى الوحيد في البلاد الذي يطبّق التقنيّة في المستوييْن، العلاجيّ والتعليميّ» – يصرّح ڤلدمان بفخر، ويضيف: «يجري الحديث عن مفهوم خاصّ ومتطوّر من إدماج الطريقة في الطبّ اليوميّ لمعالجة الألم. التقيت، قبل سنة، في أحد المؤتمرات في مدريد رئيس الرابطة الأمريكية للأوستوتيؤوپاثيك، وهو شخصية كبيرة في هذا المجال، وحدّثته عن النشاط الجاري في «رمبام». وقد أعرب عن اهتمام كبير بما يجري هنا، وتأثّر كثيرًا. إنّه النموذج المثاليّ الذي يريد تحقيقه الأطباء الأوستوتيؤوپاثيكيّون».
إلاّ أنّه ليس النموذج الخاصّ، فحسْب، هو ما يشدّ الانتباه العالميّ إلى «رمبام»، بل، أيضًا، ولربّما، أساسًا، من يقف على رأسه. يُعتبر ڤلدمان أحد المعالِجين الكبار في العالم، وقد قام على مدار سنوات بتمرير دورات في دول مختلفة من العالم، وأرشد الكثير من المعالِجين الذين قدموا للتعلّم من تجربته وخبرته. وقد قرّر ڤلدمان، مؤخّرًا، التوقف عن التجوال في العالم، وإنشاء مركَز تأهيل في «رمبام». يعمل المركَز برعاية كلّيّة طبّ الألم التابعة إلى المستشفى، التي تُقام في إطارها ورشات عمل للدراسة المتقدّمة لطريقة الأوستوتيؤوپاثيك، لطلاب من البلاد والخارج. وكما ذُكر، انتهت، الأسبوع الفائت، دورة لطلاب من اليابان، وقد بات مُخطَّطًا لدورتين أخريين بمشاركة طلاب من روسيا، إسپانيا، بريطانيا، إيطاليا، وفرنسا.
ومزوَّدين بكراريس سميكة ومترجم فوريّ، وصل اليابانيّون للمشاركة في ورشة عمل مكثّفة لثلاثة أيام، شاهد الزوّار خلالها ڤلدمان بينما كان يعالج بعض المعالَجين، استمعوا إلى شروحه، ثمّ قاموا بالتدرّب على المهارات، على بعضهم بعضًا. و»في نهاية الورشة» – صرّح كازو نوري، أحد المشاركين في الورشة، وأضاف: «ستكون لدينا أدوات لتنفيذ العلاج بمستوًى آخر تمامًا. هناك مئات المعالِجين في اليابان، لكنّ أغلبهم خاصّون. الموضوع معترف به، لكنّه غير مُمأسَس، وليست هناك إمكانيّة لتعلّمه في اليابان. يصل المعلّمون إلى اليابان، أو أنّ الطلاب يتجوّلون في أنحاء العالم. وعندما سمعنا أنّ ڤلدمان يعلّم هنا، في إسرائيل، قرّرنا القدوم والتعلّم ممّن يُعتبر الرقْم واحد في هذا المجال».
«على فكرة»، كوزو هو ليس معالِجًا أوستوتيؤوپاثيكيًّا، فحسْب، بل هو ، أيضًا، واحد من كبار الفنّ القتاليّ اليابانيّ – كندو. فبين المجالين: الأوستوتيؤوپاثيك والرياضة، علاقة وطيدة، والكثير من الرياضيين يستعينون بالطريقة من أجل التغلّب على الإصابات والآلام المختلفة. ويُعدّ من بين المعجبين بالأوستوتيؤوپاثيك لاعبو منتخب إنچلترا؛ راكب الدراجات الهوائية، لانس أرمسترونچ؛ لاعب كرة المضرِب، روجر فدرِر؛ وغيرهم. وقد وقّع «رمبام»، مؤخَّرًا، اتفاقية مع معهد «ڤينچيت» الذي تعمل تحت رعايته الكلّيّة الإسرائيلية للأوستوتيؤوپاثيك. وفي إطار هذا التعاون ستُقيم كلّيّة طبّ الألم في «رمبام» دورة تأهيل عياديّ – إكلينيكيّ في الأوستوتيؤوپاثيك لطلاب المعهد الكبار.