لماذا نفتقر إلى ألعاب الشطرنج- بقلم: نايف خوري

مراسل حيفا نت | 16/02/2009
الشطرنج لعبة فكرية تلعب على لوحة (الرقعة) مقسمة إلى 64 مربعاً، (8 مربعات × 8 مربعات) من لونين بحيث يكون كل مربع من لون وبجانبه مربع من اللون الثاني، وهي لعبة ذهنية من أشهر اللُعَب في العالم. لكل لاعب 16 حجرًا (قطعة) (تسمى البيادق) تتحرك كل منها بإتجاهات محددة، وتتألف الأحجار من 8 جنود، وقلعتين، وحصانين، وفيلين، ووزير(أو ملكة) وملك. أحد اللاعبين يتحكم بالأحجار من اللون الأول (الأبيض عادة) والآخر يتحكم بالأحجار المماثلة من اللون الآخر (الأسود عادة). الهدف من اللعبة هو الوصول إلى حصر الملك (أو الشاه) بحيث لا يستطيع الهروب، فاللعبة تنتهي عند تلك النقطة بالإعلان (كش مات).
والشطرنج مثل سائر العلوم والفنون هي مقياس في تقدم الأمم وقد كان للشطرنج شأن في الحضارات القديمة ثم أنتقلت أهميته إلى أوروبا وأمريكا. ومنشأ الشطرنج في الشرق في الهند على الأرجح، ولو أنه توجد روايات تقول إن منشأهُ في مصر الفرعونية أو الصين أو فارس. وقد مرت لعبة الشطرنج بمراحل مختلفة في طريقة وقوانين اللعب، فالشطرنج الذي نلعبه حالياً له قواعده وقوانينه المطبقة في العالم كله اسمه (الشطرنج العصري)، وذلك للتمييز بينه وبين الأنواع الأخرى من الشطرنج التي كانت تلعب في عصور سابقة. وللشطرنج أبطاله ونبدأ من القرن العاشر حيث كان الصول أقوى لاعب يذكره التاريخ آنئذ ثم انتقلت البطولات العالمية من آسيا إلى أوروبا وأمريكا.
black4th
وللتحكم بزمن اللعبة توضع ساعة (مؤقت زمني) تحوي عداداً للزمن المستخدم لكل لاعب، فيضغط اللاعب عليها عندما ينتهي من نقلته، فيتوقف حساب وقته وبالتالي تحسب الفترة الزمنية التي قضاها في اللعبة، واللاعب الذي ينفذ وقته يخسر المباراة. وهناك عدة أنظمة توقيت لساعة الشطرنج في العالم.
تدعي العديد من البلاد أنها مخترعة اللعبة في شكل من أشكالها. وأكثر الآراء انتشارا هي أنها نشأت في الهند، ويعتقد أنها ولدت من لعبة الشاطرونجا التي يبدوا أنها اخترعت في القرن السادس الميلادي، كما يقال إنها فارسية الأصل وقد إخترعها أحد الخدم المتواجدين عند شاه يسمّى طرنج، وأطلق إسمه عليها "الشاه طرنج". وكان ذلك بعد أن طلب منه اختراع لعبة تعتمد على الذهن فقط، وبعد أن اخترعها الخادم أعجب بها الشاه طرنج وطلب منه أن يختار هو المكافأة مهما كانت، قيمتها فطلب الخادم أن يوضع له في مربع الرقعة حبة قمح واحدة ثم يضاعف الرقم في المربع الثاني ثم يرفع القيمة (التي هي 2 ) فتصبح في المربع الثالث 4 حبات ثم ترفع القيمة في المربع الرابع وهكذا حتى ينتهي عدد المربعات على رقعة الشطرنج. فأستغرب الملك هذا الزهد في الطلب، إلا أن مكتشف اللعبة أصر على طلبه، وعند تنفيذ رغبته تبين للملك بأن محتويات كل مخازنه من القمح لا تكفي تسديد هذه الهدية.
(ملاحظة المجموع يساوي 2(64+1)-1 =36893488147419103231 قمحة أي مايعادل 36 مليون ترليون حبة قمح (تقريباً 3.689×1019). ولكن الشكل القريب جدًا منها المنتشر في الصين، أو شكل السابق لها على أقل تقدير، ظهر في الصين منذ القرن الثاني قبل الميلاد. إنتشرت لعبة الشطرنج بعدها غرباً حتى وصلت أوروبا وشرقاً حتى وصلت اليابان، مولدة تنويعات مختلفة عبر انتشارها. فمن الهند انتقلت إلى فارس، وانتشرت عبر العالم الإسلامي بعد فتح بلاد فارس، ووصلت روسيا عبر منغوليا، حيث كانت تلعب هناك منذ بداية القرن السابع للميلاد. ووصلت إسبانيا عبر العصور في القرن العاشر الميلادي، ووصفت في مخطوطة بعنوان Libro de los juegos تتحدث عن الشطرنج وطاولة الزهر (شيش بيش) والنرد.
 
سابقا، كان تحريك القطع في الشطرنج الأوروبية بعدد محدود من الحركات، فالفيل كان بإمكانه التحرك خطوتين فقط بشكل قطري، وبإمكان الملكة أن تتحرك خطوة واحدة بشكل قطري، والجنود لم يكن يسمح بتحريكهم خطوتين في أول حركة لهم، ولم يكن هناك حركة "التبييت" (تبديل مواقع الملك والقلعة). وبنهاية القرن الخامس عشر، كانت القوانين الحديثة للحركات الأساسية قد تم أخذها من إيطاليا، فأصبح يسمح بتحريك الجنود خطوتين في أول حركة لهم، وبذلك تجنب خسارة الجندي في أول حركة له إذا كان هناك جندي مقابل يهدده. والوزير (أو الملكة) أصبح أكثر القطع قوة وحرية بالحركة. وبالتالي فإن الشطرنج الحديث يسمى أحيانا بـ"شطرنج الملكة" أو "شطرنج الملكة المجنونة". واللعبة في أوروبا هي ذاتها تقريبا التي تلعب اليوم. والقوانين الحالية تم وضع اللمسات الأخيرة عليها في بواكير القرن التاسع عشر، بإستثناء تفاصيل شروط الإنسحاب. أما تصميم القطع الأكثر شيوعا اليوم، المسمى الستاوتون (Staunton)، إبتكره نثانيال كوك عام 1849، بتصديق من هوارد ستاوتون، أحد محترفي اللعبة في ذلك الوقت، وتم تبنيها بشكل رسمي من قبل Fédération Internationale des Échecs (FIDE) عام 1924.
حتى السبعينات من القرن الماضي، وعلى الأقل في الدول الناطقة بالإنجليزية ، كانت مباريات الشطرنج تسجل وتنشر على شكل توصيف للحركات، وتم استبداله بالتوصيف الجبري للحركات (وهو أكثر إختصارا). وظهر منها عدة أشكال استخدمت لتوصيف المباريات والحركات للحاسوب، وأكثرها إنتشارا PGN. والهيئة الدولية المديرة للشطرنج هي FIDE، والتي ترأست بطولات العالم في الشطرنج لعقود. ولمعظم دول العالم منظمات وطنية للشطرنج. وبالرغم من أن الشطرنج ليست لعبة أولمبية، إلا أن لها أولمبيادها الخاصة، تجرى كل عامين كمنافسة بين الفرق.
أفضل لاعبي التاريخ حسب نظام (Elo)
يعتبر معيار أو مقياس(Arpad Elo) أشهر نموذج إحصائي للاعبي الشطرنج. وفي كتابه الذي نشره عام 1978، أعطى أرباد إيلو تصنيفًا للاعبين بناء على أدائهم في اللعبة في خلال أفضل خمس سنوات من احترافهم. وحسب هذا التصنيف، فإن اللاعبين التالية أسماؤهم هم الأفضل على الإطلاق: خوزيه كابابلانكا، ميخائيل بوتفنيك، إيمانويل لاسكر، ميخائيل تال، ألكسندر أليخين، بول شارل مورفي، فاسيلي سمايلسلوف. أما التصنيف لأفضل عشرين لاعبًا فيتقدمه غاري كسباروف الروسي، في حين يحتل الإسرائيلي بوريس غيلفاند المرتبة العشرين، ولا نجد من بينهم عربيًا واحدًا.
chess_512
معطيات مميزة:
•        أطول مباراة شطرنج تستغرق نظرياً 4949 نقلة .
•        خلال مباراة Thorton و M. Walker عام 1992 سجل رقم قياسي في عدد النقلات دون أسر أي قطعة وهو مئة نقلة .
•        أصغر من حصل على لقب أستاذ شطرنج في تاريخ اللعبة هو جوردي مونت رينود Jordy Mont-Reynaud بعمر 10 سنوات وسبعة أشهر فقط وذلك عام 1994.
•        أكبر من حصل على لقب أستاذ شطرنج في تاريخ اللعبة هو أوسكار شابيرو Oscar Shapiro بعمر 76 سنة.
•        نقلة البيدق الأولى (أي القفز مربعين) بدل المربع الواحد أول ما طبقت في اسبانيا عام 1280م.
•        جوديت بولغار Judit Polgar لاعبة مجرية (ولدت 1976م) وتعتبر اقوى لاعبة شطرنج في التاريخ : في عمر التاسعة سنة 1986 ربحت بطولة نيويورك المفتوحة إلى غير المصنفين عندما ربحت سبع مباريات وتعادلت في واحدة. وفي عمر 11 سنة حصلت على تصنيف 2350 نقطة ومنحت لقب أستاذ دولي فتكون بذلك قد حصلت على اللقب وهي أصغر من كاسباروف أو فيشر. وفي عمر 12 سنة أصبح تصنيفها 2555 نقطة ومنحت لقب المرأة الغراند ماستر. وتحصلت على الترتيب السادس عشر سنة 2006
•        الولايات المتحدة الأميركية هي البلد الوحيد الذي هزم الإتحاد السوفييتي مرتين في أولمبياد الشطرنج.
•        في عام 1985 لعب نوبيرت (Knoppert) خمسمائة مباراة شطرنج وكان توقيت كل مباراة 10 دقائق فقط وذلك خلال 68 ساعة متواصلة.
دعوة وإهتمام
إن هذه المعلومات والمعطيات تجعلنا نطرح العديد من الأسئلة على أنفسنا كجمهور وكمسؤولين حيال ما يجري في وسطنا العربية من نشاطات رياضية وفنية وثقافية بل وحضارية، فاين نحن من هذه اللعبة التي تدل على الذكاء والحنكة والتخطيط وغيرها من المزايا، والتي تشير إلى أن من يتصف بها، تؤهله ليتبوأ أهم المناصب وأرفع الرتب وأسمى الدرجات. وأين نحن من تشجيع النشئ الجديد على ممارسة هذه الرياضة الذهنية الحضارية؟ ماذا تفعل مدارسنا التي تقدم لنا ما نتعلمه عدا الشطرنج؟ لماذا لا تأخذ وسائل الإعلام دورها بالدعوة لممارسة هذه اللعبة الهامة؟ لماذا لا تقام الدورات والمباريات في كل مدرسة وكل ناد ومركز ثقافي؟ لماذا لا يشارك العرب من بلادنا في أي أولمبيادة أو مباراة دولية؟ ألا يدل هذا على حالنا الثقافي الذي ما زال بحاجة ماسة إلى المزيد والمزيد؟
إنها دعوة ملحة لكي نتولى زمام الأمور ولنبادر إلى الاهتمام اللائق بالشطرنج على كافة الأصعدة التربوية، الرياضية، الثقافية والاجتماعية.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *