“مَقْلَب” تايلانديّ

مراسل حيفا نت | 02/11/2011

 
مطانس فرح
 
كلّ واحد منّا يعرف كلمات أساسية في الإنچليزية، الروسية، وغيرهما من اللغات المَحْكِيّة لدى المجموعات السكانية في البلاد، ولكنّ إسرائيل سنوات الألفين تشهد واقعًا متحرّكًا، وإنّه – على ما يبدو – لا يزال مواطن البلاد العاديّ بحاجة إلى تعلّم الكثير بعد. فمن فكّر في أن تكون إسرائيل، مرّة، فرن صهر، لم تخطر على باله – بالتأكيد – الإسقاطات كلّها. وقد قال الحكماء: "لسانك مُحييك ولسانك مُميتك"؛ وقبل بضعة أيام أثبتوا في"رمبام" أنّ هذا المثل القديم لا يزال ساري المفعول حتى اليوم.
 
وصل غرفة الطوارئ في مستشفى "رمبام"، الأسبوع الفائت، بلاغ عن سقوط عامل أجنبيّ من تايلاند عن ارتفاع شاهق، ونقله من مستشفى "زيڤ" في صفد إلى مستشفى "رمبام" لتلقّي العلاج. ولدى وصوله إلى غرفة الطوارئ في "رمبام"، تمّ إدخال المصاب إلى غرفة الصدمات، حيث أجريت له هناك فحوصات أوّلية للكشف عن حجم إصاباته وخطورتها.
 
وقد اتضح من خلال الكشف الطبيّ أنّ المصاب، واسمه لانچسان فو يي، وعمره 37 سنة، ويعمل ويسكن في السنوات الأربع الأخيرة في الشِّمال، أنّه لا يستطيع تحريك رجليه، وأنّ السقوط الصعب ألحق الضرر بأعضاء أخرى. وقد قرّر الطاقم الطبيّ إدخال المصاب الذي وصل في حالة متوسطة إلى خطرة مع إصابة متعدّدة الأجهزة إلى غرفة العمليّات؛ في محاولة لإنقاذ أطرافه ومعالجة إصاباته المختلفة. ولهذا الغرض كان الطاقم الطبيّ بحاجة إلى موافقة من فو يي على الخضوع لعملية جراحية، وهو إجراء مصحوب بتوقيع مستند موافقة، لكنّه في هذه الحالة بالذات نشأت مشكلة كبيرة، في ضوء حقيقة أنّ العامل يتحدّث التايلاندية، فقط.
 
"وجدنا أنفسنا في وضعية غير بسيطة" – هكذا يستعيد ما حدث الدكتور ليؤور ماروم، الطبيب الكبير في وَحدة جراحة العمود الفِقْرِيّ في "رمبام" الذي كان متأهّبًا ("كُونان") عند وصول المصاب؛ وأضاف: "لقد وصل المصاب إلى المستشفى في حالة كلّ دقيقة تمرّ عليها من المُمكن أن تكون حرجة ومصيرية لإنقاذ أعضائه، لكنّ أحدًا منّا لم يكن قادرًا على التواصل معه بلغته، والحصول على موافقته على الخضوع للعملية الجراحية. لقد كان ذلك وضعًا محبِطًا جدًّا لجميعنا".
 
كثرة السيناريوهات التي يصادفها الأطباء كلّ يوم، تقودهم – أكثر من مرّة – إلى مواجهات خلاّقة للتحدّيات التي يصادفونها في طريقهم. فبينما تتمّ المحاولة للتواصل مع فو يي، تذكّر الپروفسور لئال أنسون بست، مدير قسم جراحة الصدر، الذي كان موجودًا هناك، أنّ في المجمّع التجاريّ "سچول"، المركَز التجاريّ في "رمبام"، عاملة أصلها من تايلاند. فبزيّ غرفة العمليات، الذي وجد الوقت لارتدائه قبل ذلك، خرج الدكتور ماروم إلى المركَز التجاريّ وعثر هناك على جوي يانچ، التي تسكن حيفا منذ خمس عشرة سنة، وتعمل منذ سبع سنوات ونصف السنة في مطعم "شيپودي هتكڤاه" في المستشفى. وبعد أن تأكّد من أنّ يانچ تتحدّث التايلاندية، فعلاً، تمّ إحضارها إلى المصاب وحصلت على موافقته على إجراء العملية الجراحية، حيثُ استُعين بخدماتها كمترجمة من العبرية إلى التايلاندية وبالعكس، وتوسّطت بين المصاب والطاقم الطبيّ.
 
وبعد وقت قصير، نُقل المصاب إلى غرفة العمليات ليتضح هناك أنّه يعاني كسرًا محطَّمًا في فِقْرة الخصر (L) الأولى، ما أدّى إلى سحق الحبل الشوكيّ لديه وبالتالي إلى شلل في رجليه.
قام بإجراء العملية الدكتور ماروم والدكتور كمال حمّود، وكلاهما طبيب كبير في وَحدة عمليّات العمود الفِقْرِيّ في "رمبام"، التي يديرها الدكتور عاموس حاناني. وقد قام الطبيبان الجرّاحان خلال العملية بتحرير الضغط من العمود الفِقْرِيّ وتثبيته ببراغيّ. تكلّلت العملية بالنجاح، وظلّ المصاب خاضعًا للعلاج السريريّ والمراقبة في المستشفى. وفي اليوم التالي للعملية، نجح فو يي في تحريك رجليه، ويبدو أنّه في طريقه إلى التعافي.
 
وبعد أسبوع من وصوله إلى المستشفى، التقى فو يي الدكتور ماروم والدكتور حمّود، مرّة أخرى، اللذين وصلا مصحوبين بجو يانچ، للسؤال عن سلامته. ومن سرير مرضه حكى فو يي أنه يشعر جيّدًا وأنّه في أيدٍ أمينة، وقال: "لم أذكر شيئًا من الحادث، لكنّ أصدقائي الذين أتَوْا لعيادتي (زيارتي) حكَوْا لي عمّا كانت عليه خطورة الإصابة"؛ وأضاف فو يي: "أشكر الأطباء على ما قاموا بهم من عمل، وعلى نجاحهم في إنقاذ رجليّ".
 
"أنا أتحدّث العبرية، الإنچليزية، والإيطالية" – قال الدكتور ماروم، وأضاف: "لدى استقبال الحالة كان حولي ناطقون بلغات أخرى، لكنّ أحدًا منّا لم يفكّر، قَطّ، أنّنا سنُضطرّ إلى التعامل مع مثل هذه الحالة. عندما أفكّر في ذلك بعد وقوعه، أقول إنّ في البلاد مجموعة سكّانية ليست بالقليلة من العمّال الأجانب من تايلاند، من الفيليپين وغيرهما، ومن يعلم؟ فقد يكون قريبًا اليوم الذي ستندمج فيه هذه اللّغات، أيضًا، في لغتنا اليومية المَعيشة، لكن حتى ذلك الحين، نرجو ألاّ تكون اللّغة عقبة في الطريق إلى معالجة المرضى".

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *