إيمان محاميد
(تصوير: وائل عوض)
أنتِ طالِق.. طالِق.. طالِق، ما أسهل التفوّه بهذه الكلمة وما أصعب عواقبها. فكلمة طالق تدمّر البيوت وتشتّت الأسر وتشرّد الأطفال، فتنشب الحروب القضائيّة بين الطرفين ويرمي كلّ واحد من الطرفين باتهاماته على الآخر. أصبح الطلاق من الظواهر المتفشّية في المجتمع، وتحديدًا في مجتمعاتنا العربيّة، حيث تشير الدراسات الأخيرة إلى ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعنا العربيّ.
إنّ اللّه عزّ وجل شرّع الزواج، ووضع بين الزوجين المودّة والرحمة وتحقيق الاستقرار والأمان وهدوء النفس، فلِمَ إذًا تنقلب تلك المحبّة والمودّة إلى صراع وكراهيّة بين الزوجين، ويتحوّل الزوجان الحبيبان إلى نديّن، فيتبدلّ الحبّ إلى كراهية، والهدوء إلى صراع وعراك مستمرّين.. الظاهرة تتزايد يومًا بعد يوم، والمشاكل تتفاقم لتشكّل مأساةً حقيقيّة في مجتمعنا.
هذه الظاهرة لا تحتمل إجابةً عابرة فقط، ولمناقشة هذه الظاهرة الخطيرة كان لصحيفة «حيفا» هذا اللقاء مع المرافعة الشرعيّة، الحيفاويّة عرين طوقان – سليمان، نائبة رئيس نقابة المرافعين الشرعيين في البلاد.
تربّعت عرين على مقاعد شرعيّة، ورسمت لنفسها طريق النجاح، فأبت أن تتوقّف مسيرتها أو تتعثّر، فتخطّت كلّ عقبة اعترضت طريقها إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم.. ومنها سنتعرّف على حقيقة العمل في القضايا الشرعيّة في الإسلام، وسنعرف أكثر عن الظاهرة المأساويّة، الطّلاق..!
رغبة شديدة في التغيير
أسئلة كثيرة راودتني خلال سنوات مضت.. إلاّ أني ما زلت حتّى يومنا هذا أنظر بأمل فجر كل يوم جديد، هذا الأمل يبعث فيّ التفاؤل فيجعلني أشعر برغبة شديدة في التغيير؛ كلّ صباح عند ورود حدث أو حادثة أربط سببه بالأسرة أولًا.. ربما لأنّني ألمس واقع مجتمعنا بعمقٍ، تصل حدوده أعماق البحار والمحيطات.. أتأثر فلا أنكر.. لكنّي سرعان ما أكمل بما بدأت، فأنسج بين هذا الواقع وبين غيوم السماء خيوطًا بألوانٍ جميلة.. لننشر عليها أهداف حلم تناسقت مع واقع أمّتنا ومجتمعنا الّتي يفخر بها كلّ إنسان – هكذا استهلّت عرين حديثها لصحيفة «حيفا».
علينا أن نبذل جهودًا للحفاظ على نقاء الأحكام الشرعيّة الصادرة عن جهاز القضاء الشرعيّ
نقابة المرافعين الشرعيّين تأسّست في تشرين الأوّل/أكتوبر 2008، وقد حدّدت النقابة منذ التأسيس أهدافها القريبة وبعيدة المدى.. وعن ذلك تقول عرين: «من وجهة نظري أرى بأنّ للنقابة أهميّة بالغة، وأنّ تنظيم المرافعين الشرعيّين في إطار يضمن لهم الحقوق ويوجّههم لتأدية واجبهم المهنيّ تجاه المحاكم الشرعيّة والمسلمين على أكمل وجه أمر في بالغ الأهميّة، الأمر الذي لم يكن قبل تأسيس النقابة.
من الواجبات الّتي تحرص عليها النقابة، تطبيق الأحكام الشرعيّة في المحاكم الشرعيّة، لذلك فهي وضعت خطّة لسنوات عديدة، وما زالت الخطّة قيد التنفيذ. حيث تقوم بدورات استكمال سنويّة تتعلق بموضوع المرافعة في الأحكام الشرعيّة وتأهيل محكّمين بهدف رفع مهنيّة المترافعين أمام المحكمة، سواء كانوا من المرافعين الشرعيّين أو المحامين النظاميّين. وللنقابة أهداف بعيدة المدى، كالعمل والسعي لإجراء تعديلات في القوانين المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة بطريقة تضمن الحق لكلّ مسلم في البلاد، للمحافظة على مبادئ دينه».
وتضيف: «برأيي يجب أن ندرك بأنّ ثباتنا في المجتمع يعود مرجعيته لثبات عقيدتنا، وأنّ المحاكم الشرعيّة ووجود هذه المؤسسة هو جزء من هذه العقيدة، بحيث أنّ الأحكام الشرعيّة والقوانين السارية تربطنا بها صلة عميقة، وتؤثّر في وجدان كلّ مسلم بدرجة كبيرة. من هنا أتطرّق إلى مسألة سنّ القوانين الوضعيّة فأقول بأنّها دخيلة على مفهوم الأحكام الشرعيّة، وهي من إحدى الأخطار الّتي تواجهنا وتهدّد ثباتنا على المدى البعيد. البعد التدريجيّ عن المحاكم الشرعيّة له أثر سلبيّ بطبيعة الحال على ثبات انتمائنا، دينيًّا ووطنيًّا، على حدّ سواء. لذلك فنحن نرى كنقابة مرافعين شرعيّين من واجبنا بذل قصارى جهودنا للحفاظ على نقاء الأحكام الشرعيّة الصادرة عن جهاز القضاء الشرعيّ لضمان حقّ الجمهور الّذي يتوجّه لتلقّي الخدمة من المحاكم الشرعيّة».
المرافع الشرعيّ، والمحامي النظاميّ
هناك فرق ما بين المرافع الشرعيّ والمحامي النظاميّ، وعن ذلك تقول عرين: «المرافع الشرعيّ يقوم بالمرافعة والمدافعة أمام المحاكم الشرعيّة في البلاد على جميع درجاتها، بدايةً واستئنافًا؛ بينما المحامي النظاميّ يستطيع المرافعة أمام المحاكم الدينيّة، بما فيها الشرعيّة أيضًا، والمحاكم النظاميّة، وغيرها من المحاكم المدنيّة في البلاد. إلاّ أنّ ميزة المُرافع الشرعيّ عن غيره بأنّه درس الشريعة الإسلاميّة وتخصّص في فقه الأحوال الشخصيّة، وخبير في أصول محاكمات المحاكم الشرعيّة، وهذه الميزة تمكّنه من الإبداع والتفنّن في المرافعة، عند تمثيل أحد الفرقاء».
أسرار بيوت، وخصوصيّات
وتكمل عرين حديثها عن طبيعة عملها بالقول: «ممارسة مهنة المرافعة الشرعيّة، في الأساس، هي خوض في خصوصيّات الزوجين ولمس أسرار بيوتهم الشخصيّة. لا يمكنني أن أخفي حقيقة أنّني في كثير من المرافعات أتأثر من معاناة الطرف الّذي أمثّله، وأحيانًا أذهب إلى أبعد من ذلك، وأتأثر من معاناة الطرف الآخر.. ولكن ذلك ليس بالضرورة أن يؤثّر على طبيعة مرافعتي، ولا أفقد مصداقية مرافعتي بالدرجة الأولى تجاه نفسي..
فمن المهمّ أن تكون ميزة لدى مَن يترافع في الأحوال الشخصيّة ترفعه بدرجات عن غيرها من المرافعات، هذه الميزة تأتي بالإضافة إلى ثقافة وعلم المرافع، بأن يكون إنسانيًّا، وأن يتمتّع بإحساس راقٍ؛ وألّا يجرّد نفسه من هذه الصفات.. عليه أن لا يتعامل مع القضية المتداولة أمامه في المحكمة من منظور ماديّ محض، وأن لا يأخذ الأمر بشكل شخصيّ كأن يدرج نفسه خصمًا بدل موكّله.. لا أنكر بأنّني أضع نفسي مكان الطرف الآخر ولو للحظات كي أوازن بين الإنسانيّة والمهنيّة.
أثناء عملي أتجاهل شعار «الربح أو الخسارة في القضية» وأضع نصب عينيّ أوّلا مخافة اللّه عزّ وجل في كلّ صغيرة وكبيرة، وبعدها يأتي بالدرجة الثانية تحصيل حق موكّلي – كما أراه مناسبًا – مستندةً إلى وضعه في إطار المرجعيّة القانونيّة الّتي تتناسب وتتناسق مع الحال. عندها فقط أستطيع أن أقوم بواجبي بصورة مهنيّة تتلاءَم مع مبادئ أداء واجبي في إعادة «ترميم» البيوت في المجتمع الذي أعتبر نفسي جزءًا منه، وفي المحافظة على حقّ موكّلي بالدرجة الثانية ضمن القيود الّتي ذكرتها».
«فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»
«سمّي عقد الزواج بالميثاق «الغليظ»، وهو سبب في الجمع بين الزوجين، وهو العهد المأخوذ على الزوجين في قبول الزواج بشرط الالتزام بقوله تعالى «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وهو الفطرة الموجودة في أعماق المرأة بقبولها الانتقال برضاها من البيت الذي عاشت فيه إلى بيت رجل غريب عنها لتعيش في أكنافه.. ألا يستحق كلّ هذا التفقه بحدود اللّه وليس الجهل فيها؟ لماذا نتصوّر بأنّ أبنائنا وبناتنا على علم مسبّق بحدود اللّه في الميثاق الغليظ؟
ألا تحتاج هذه الشريحة من مجتمعنا التوعية والدورات للمتزوّجين وللمقبلين على الزواج؟ في الزواج نبني الأسرة لتصبح لبنة من لبنات المجتمع، ومن قوة هذه اللبنة يستمدّ المجتمع قوته، وفي ظلّ هذا البنيان تنعم الأسر بالسكينة والطمأنينة، وتمتدّ بالمودّة والرحمة، ويولد جيل بعد جيل على التعاون والتكافل.. ألا تستحق هذه الأسرة أن تنعم بالطمأنينة بعد أن يتفهّم الزوجان بعضًا من جوانب العلاقة النفسيّة المطلوبة لكسب الثقة المتبادلة والشعور بالآخر، للتخلّص من القلق والتوتر؟ ألم يحن الوقت لنتعلّم كيف نبني العلاقة النفسيّة بين الزوجين؟ ألم يحن الوقت لأن نعي كيف نتتبع التدرج في الالتحام النفسيّ؟ ألم يحن الوقت لتعلّم ثقافة الحوار وثقافة الصبر في الزواج، للتعرّف على الطبائع النفسيّة الخاصة بكل طرف؟. علينا إعادة النظر بكلّ هذه التساؤلات» – على حدّ تعبير عرين.
نواجه أزمة فكر وسلوك وأخلاق!
وتحدّثنا عرين عن أزمة الشباب قائلةً: «يعي معظم الشباب والشابات بأنّنا نواجه أزمة فكر وسلوك وأخلاق! ولا بدّ أن نجد سبلًا صحيحة تتلاءَم وزماننا، ترتبط مرجعيّتها مع مبادئ عقيدتنا، كي نستطيع أن نعمل ونشغل العقل في أمور حياتنا اليوميّة من أجل استشراف مستقبل لشباب ناجح. أرى بأنّ التخطيط من وسائل النجاح الأولى للوصول نحو الهدف، لكن علينا، وعلى الجيل الصاعد أن يعي بأنّ عمليّة التخطيط – إذا كنّا نريدها أن تكون فعّالة – لا بدّ أن تكون مبنيّة على فكر سليم، فكر حضاريّ – إنسانيّ، له هدف ويصلح لكلّ زمان ومكان، فكر عمليّ وعقلانيّ متجدّد ومرن، لا نتّبع من خلاله الأهواء والانتماءات، ولا نشوّه صورته بعادات وتقاليد لا تمتّ إليه بصلة، كي نضمن بأن يبقى صافيًا من كلّ تأثير».
يمكننا أن نصحّح مجتمعنا
هناك أمل، وعن أمل التصحيح والتصليح، تقول عرين: «أنا أرى بأنّه يمكن أن نصلّح ما أصاب مجتمعنا من خلل، وهكذا يكون بإمكاننا أن نتطوّر نحو الإبداع عندما نتدرّب على عدم التقليل من شأن الآخر، ونقدّره مهما كانت رسالته تختلف عن مضمون رسالتنا. عندما نكون متكاتفين نستطيع أن نجد حلولًا للمشاكل الّتي تواجهنا كمجتمع عربي في هذه البلاد، والّتي يعجز عن حلّها آخرون. عندما يتعامل الرجل أو المرأة مع زوجه بتقدير واحترام، عندها بإمكاننا أن نشعر بتغيير إيجابيّ في السلوك.
لهذه المبادئ علاقة وطيدة ومباشرة أرى من خلالها معادلة العلاقة بين البيت والمجتمع بشكل عامّ؛ فالأسرة المتكافلة تشكّل جزءًا متينًا من بنيان متراص، والمجتمع يصبح مترابطًا عندما يُبنى على أسس متينة من حيث المبادئ السليمة وتطبيقها بالشكل الذي يتناسب مع الواقع.. عندها نصل إلى معادلة يصبح المجتمع خلالها محلّ أمن وأمان للأزواج والأولاد وللأسر والبيوت بسبب صلاح اللبنة الأولى الّتي تكون السبب الأوّل في صلاح المجتمع».
نظام الطّلاق في الشريعة الإسلاميّة يعتبر من محاسن هذه الشريعة
وعن الطلاق تقول عرين: «قد يعرض هذا الزواج ما يعدل به عن غايته، لذلك فإنّ الإسلام وضع علاجًا حاسمًا عند مواجهة العوارض؛ فشرّع الطلاق، ولا يلجأ إليه إلاّ حين تدعو الحاجة. فإنّ نظام الطلاق في الشريعة الإسلاميّة يعتبر من محاسن هذه الشريعة، بحيث تكمن وراء كلّ تشريع حكمة في مشروعيته، فالشريعة الإسلامية لم تغفل مصالح الناس في جميع المجالات، فلم تجبر النساء على الخضوع البغيض، ولا تلزم الرجال بأن يبقوا على الزوجات وهم كارهون عاجزون عن عشرة طيّبة».
..وفورًا، يلجأون إلى الطلّاق!
وتتابع: «أقولها، وبأسف شديد، بأنّ الظاهرة المنتشرة اليوم في مجتمعنا بشكل كبير هي ظاهرة الطلاق. فالطّلاق هو الحلّ الأوّل الّذي يلجأ إليه غالبيّة الأزواج، قبل استنفاذ كلّ الحلول. يرونه أفضل حلّ، فلا يدرك الزوجان نتائج الطّلاق وأبعاده على المدى القريب والبعيد. أرى بأنّ مرجعيّة هذا الموقف المتعنّت والتصرّف العشوائي من قبلهما يعود لفقر الزوجين ثقافة مشروعَي الزواج والطلاق، وهذا ينطبق على نسبة كبيرة من الأزواج الّتي تتوجّه إلى المحكمة بشكل عامّ.
أمّا الأزواج الشابة البالغة سنّ الزواج والمقبلة مباشرةً على مشروع الزواج، لمست من خلال عملي معهم عدم إدراكهم للمفهوم العامّ والشامل للحياة الزوجيّة، وعدم الوعي العميق للمفهوم الصحيح للحقوق والواجبات. لا تدرك الأزواج الشابة بأنّ الزواج هو مشروع فنّ وإبداع، وأنّ عليهم تقع مسؤوليّة كبيرة بأن يعملوا كلّ ما في جهدهم من أجل تعلّم إتقان هذا الفنّ وتثقيف أنفسهم من أجل استكشاف سبل حديثة تؤهّلهم في الإبداع خلال سنوات الزواج. فلذلك أنصح الأزواج المقبلة على الزواج بأن يعي كلّ منهم المعنى الصحيح للزواج وأن يسعوا لتحقيق أهداف هذا الزواج، وأن يدرك الزوجان معًا بأنّ عليهما أن يتعاملا بالحُسنى والمودّة والرحمة».
لا أدّعي المثاليّة والكمال
وعن أوضاع الأسر تؤكّد عرين: «لا يجوز بنا أن نتجاهل هذا الواقع المرير الذي نعيشه، فأنا لا أدّعي المثاليّة والكمال في حياة الأسر في مجتمعنا، لكنّي أسعى وأعمل جاهدة من خلال موقعي لتحقيق هذا الكمال. الرحلة طويلة من دون أدنى شك، لكنّي رأيت بأنّ لحظة الإقلاع كانت حاسمة.
ولا أنكر بأنّ هناك واقع بائس لأسر وأزواج عديدة، وليس بإمكاني أن أغضّ الطرف عنه.. فإن كانت بعض الزوجات مصدرًا للشقاء!! فهناك أزواج لا ينبض قلب الواحد منهم بقطرة من الرحمة والموّدة – أساس الحياة الزوجيّة!! لذا شرّع اللّه الطلاق مع الكراهة، وأباحه إذا كان لمصلحة تعود على الرجل أو على المرأة أو عليهما معًا أو عليهما وعلى الأولاد. ولا يكون الطّلاق هو الحلّ الأوّل والأوحد وفي كلّ حال من الأحوال».
لسنوات العشرة والزواج تأثير إيجابيّ
«لسنوات العشرة والزواج تأثير إيجابيّ عند محاولة الإصلاح بين الزّوجين، ولا يخفى على أحد بأنّ الحياة الزوجيّة تمر بشكل عام في محطّات عدّة، تكون من بين هذه المحطّات أزمات شخصيّة أو زوجيّة أو اجتماعيّة وحتّى اقتصاديّة؛ وتكون هناك، أيضًا، محطّات فرح، تضحية، سعادة، سرور وأمل. عندما يمرّ الأزواج في أزمات، يضع كلّ زوجين أمامه سلبيّات زوجه الآخر ولا يرى نصب عينيه إلاّ ما صدَر من سوء عن زوجه، ويتناسى كلّ ما هو إيجابيّ، أقول يتناسى ولا أقول بأنّه ينسى..
لكن بعد أن تهدأ النفوس يُراجع كلّ من الزوجين صفحات كتاب الحياة مع زوجه، فيقرأ من خلال هذه المراجعة، أيضًا، ما مرّ عليه من فرح وتضحية في سبيل إنجاح هذا الزواج، وهنا تكثر إمكانيّة التأثير على الزوجين عند ترميم العلاقة بينهما بخلاف الزوجين اللّذين عند أوّل أزمة حصلت بينهما قرّر كلّ منهما إغلاق الكتاب الذي لم تكتمل به الصفحة الأولى، وهنا تأثيري عليهما يكون أقلّ بدرجات، وذلك لعدم إعطاء فرصة لنفسهيما في فهم وتطبيق الآية الكريمة «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودّة ورحمة» – تقول عرين.
عقد قران أم تعارف؟!
وفي سؤالي حول تفضيل عقد القرآن عن الخطوبة، أشارت عرين: «في تقديري للأمور عادةً، بعمقها المرتبط بمفهوم مرجعيّة، الحكم الشرعيّ «الحلال والحرام»، والزواج، لا بدّ أن ننظر إليه بأنّه من أجل العقود وأعظمه بل وأخطره، وقد سمّاه اللّه (سبحانه وتعالى) بالميثاق الغليظ، ولهذا جعل الإسلام له مقدّمات تكشف عن رغبة كلّ من الخاطبين في إبرام هذا العقد الّذي يستمر مدى الحياة لينتج آثاره الّتي وُضع من أجلها، وهذه المقدّمات هي المسمّاة في العرف بالخطوبة، ولا بدّ أن يفرّق الناس بين هذا الاتفاق «الخطوبة» وبين «عقد الزواج»، فلا يُباح للخاطبين أن يختلطا ببعضهما البعض دون وجود محرم. لذلك نرى بأنّ عديد من الأزواج المقبلين على الزواج يعقدون عقد الزواج أثناء الخطوبة».
وتختتم عرين قائلة: «الأمر هنا متعلّق بالطرفين وأهليهماوالظروف المحيطة بهما، كفترة الخطوبة والتقيّد بأحكامها، وكلّ ما إلى ذلك. لكنّي أؤكّد دون أيّ تردّد – وبصورة قاطعة تصل حدّ اليقين – بعدم جواز الاقتراب من حدود اللّه أو الاستهانة بشيء منها. للأسف فإنّ هناك عدّة مسائل توضع في الميزان عند تقدير التصرّفات، منها الصحيح ومنها الخطأ، ومنها ما يعود للمرجعيّة الدينيّة وآخر يعود لمرجعيّة العرف والعادة غير السليمة.
ولكي أوضّح ما أقصده، أضرب مثلًا: عندما يقدم الطرفان على الخطوبة ربّما لا يفضّل الأهل إجراء عقد زواج في هذه الفترة خوفًا من عدم إتمام مشروع الزواج، فمن أجل تفادي عدم التسجيل في هويّة أحدهما في خانة الحالة الشخصيّة مُطلّق/ة، يفضّل الأهل أو الطرفان بأن تتمّ الخطوبة من دون إجراء عقد. أنا، شخصيًا، لا أعطي وزنًا لمسألة التسجيل في خانة الهُويّة في حال عدم إتمام الزفاف، مقابل مسألة تتعلّق بحكم شرعيّ وبالحلال والحرام، ألا وهي عدم إباحة اختلاط الخاطبين ببعضهما دون وجود محرّم في حال لم يتمّ فيه العقد».