مكانة ودور الفِلسطينيّين في إسرائيل في حركات الاحتجاج الاجتماعيّة

مراسل حيفا نت | 30/10/2011

 

محاضرة قيّمة للباحث الاقتصاديّ – السياسيّ، مطانس شحادة

ايمان محاميد

 (تصوير: وائل عوض)

استضاف التجمّع الوطني الديمقراطيّ في حيفا، مساء الثلاثاء الماضي، الباحث مطانس شحادة، في محاضرة حول «مكانة ودور الفِلسطينيّين في إسرائيل في حركات الاحتجاج الاجتماعيّة»، حضرها عدد من أعضاء الأشخاص، من بينهم: د. جوني منصور، د. أمل جبارين، د. جوني خرعوبة، المحامي وليد خميس، إدوار جريس، بلال حصري، حنين قرواني، كميل صادر، إبراهيم غطّاس، صبري المصري وغيرهم.
افتتح الأمسية المؤرخ د. جوني منصور، حيث تطرّق إلى الاحتجاجات الّتي أطلق عليها اسم «الاحتجاجات الاجتماعيّة»، الّتي جرت في أشهر تموّز وآب وأيلول، وكان لها انعكاسات ودلالات  على مستويات سياسيّة، اقتصاديّة، اجتماعيّة، وسلوكيّة، والتغييرات التي حصلت جرّاء مسلسل الاحتجاجات، وحول موقفنا ودورنا كفِلَسطينيّين في مسلسل الاحتجاجات هذه.

استهلّ الباحث الاقتصاديّ – السياسيّ، مطانس شحادة، محاضرته بالقول: «يجب أن نعي بعض النقاط الهامّة، لموجة الاحتجاج كان صدى كبير، ولكن كانت هناك شبه انقسامات واضحة في المجتمع الفِلَسطينيّ حول كيفيّة التعامل مع هذه الاحتجاجات، وما هو موقفنا تجاهها؟  نشارك أم لا؟! وهذا يعكس الفروقات بين التيّارات السياسية الفاعلة داخل المجتمع الفِلَسطينيّ؛ حتّى أنّ النقاش كان في بعض الحالات داخل الحزب الواحد».
وأضاف: «بعض الأحزاب تناقشت الأمر وبعضها تجاهله تمامًا. في الحزب الشيوعيّ لم يكن النقاش داخليًّا، كان نقاش بين الحزب والتجمّع، ولم يكن النقاش جدّي أو أيديولوجيّ جوهريّ؛ أمّا الحركة الإسلاميّة فكانت موقفها واضح، تجاهل الاحتجاجات تمامًا».

«من الصعب أن نعمل تحت سقف الاحتجاج»!
«هناك هُويّة إثنيّة للفروقات الاقتصاديّة – الاجتماعيّة» – قال شحادة، وأكمل: «إنّ التقسيم الاقتصاديّ – الاجتماعيّ أخذ منحًا/طابعًا إثنيًا، وترجم بانتماءات ومواقف سياسيّة داخل المجتمع الإسرائيليّ. الطبقات الفقيرة في إسرائيل دعمت حزب «الليكود» (التكتّل)؛ وحزب «الليكود» هو من الأحزاب الّتي تتبنّى الاقتصاد بأيدلوجيّة الحرّ الليبراليّ؛ إنّ الطبقات «القويّة» والغنيّة دعمت – تاريخيًا – حزب العمل الذي انتهج الاقتصاد شبه الاشتراكيّ! لذا فالحالة الاقتصاديّة تؤدّي إلى دعم سياسي لحزب يمكنه تحقيق المصالح الاقتصاديّة. إنّ هذا الحراك دخيل على المشهد الإسرائيليّ، ونحن كمجتمع فِلَسطينيّ لا نستطيع تجاهل هذا الحراك الاقتصاديّ الّذي حدث، ولكن من ناحية أخرى من الصعب أن نعمل تحت سقف الاحتجاج الإسرائيليّ  والمطالب الاقتصاديّة – الاجتماعيّة الّتي طُرحت.

إنّ النظام الليبراليّ هو الّذي انتصر في العالم، وهو النموذج الأنسب لتبنّيه في معظم الدول، وهكذا تعاملوا معه في إسرائيل!».
وأضاف: «ساد في إسرائيل قطاع السوق الخاص، وتمّت الشراكة بين السوق الخاصّ والدولة، ولكنّ القطاع الخاص خدم القطاع الحرّ أيضًا، وكلاهما عملا في خدمة المشروع الصهيوني. في منتصف التسعينيّات أصبح هناك تبنّي شبه كامل للاقتصاد الليبراليّ، واقتصاد السوق الحرّ، من قبل  الطبقات الوسطى في إسرائيل. ملّت الطبقات الوسطى من دولة الرفاه (شبه الاشتراكيّة)، التي كانت سائدة في دولة إسرائيل عائقًا على تقدّم وتطوّر الطبقات الوسطى، لذا أحدثت هذه الطبقات تغييرًا في المبنى الاقتصاديّ!».

«تآكل القدرة الشرائيّة هي سبب الاحتجاج.. لا الفقر ولا البطالة!»
وذكر شحادة في محاضرته بأنّ «الربط بين عمليّة السلام وتغيير الاقتصاد الإسرائيلي، أدّى إلى خلخلة نقطة التوازن، ما بين الحفاظ على مصالح المجتمع الإسرائيلي، وعلى قدر كافٍ من المساواة ومن العدل الاجتماعيّ داخل هذا المجتمع، وما بين الرغبة في الانتقال إلى اقتصاد السوق الحر والاندماج في الاقتصاد العالميّ».

وأشار إلى أنّ «معدّلات الدخل في إسرائيل ارتفعت بشكل رهيب، والطبقة المستفيدة من النظام الاقتصاديّ كانت تلك الّتي خرجت إلى الشارع، لا الطّبقة الفقيرة! لا يوجد فقر مدقع في المجتمع اليهوديّ، ونسبة الفقر في المجتمع الإسرائيلي تصل الـ10%، فالفقراء في إسرائيل هم بالإساس من العرب الّذين يشكّلون (30%) من الفقراء. الفقر ناتج عن أسلوب حياة والدولة تعرف كيف تتعامل معه».
وأكّد شحادة بأنّ «ما دفع النّاس بالنزول إلى الشارع هو تآكل القدرة الشرائيّة بسبب ارتفاع الأسعار، لا الفقر أو البطالة أو عدم توافر الشقق!! لارتفاع أسعار البيوت في المركز أسباب سياسيّة بحتة، لا اقتصاديّة. فتغيير ثقافة الاستهلاك والعيش برفاهيّة دفع الناس للاحتجاج».

«..لأهداف سياسيّة قوميّة»
واستطرد شحادة قائلًا: «إنّ لدولة قررت عام 2006 بتقليص بناء المساكن في المركز، وتوسيعه في الجليل والنقب، وحتّى يومنا تخصّص لذلك ميزانيّات. فقد استغلّت الدولة النظام الليبراليّ (السوق الحرّ) لتحقيق أهدافها السياسيّة القوميّة، فقلّ العرض في المركز وازداد في الضواحي، لهدف تهويد الجليل والنقب، وهذا أدّى إلى ارتفاع أسعار البيوت في المركز، إضافة إلى الأزمة الاقتصاديّة التي عصفت في البلاد بين العامين 2003 و2004.

وللخروج من الأزمة، قامت حينها الدولة بتخفيض الفوائد البنكيّة على قرض السكن (المشكنتا) إلى الصفر تقريبًا، وشجّعت يهود فرنسا والولايات المتّحدة الأثرياء باقتناء عدد كبير من المنازل للاستثمار في مركز البلاد، شماله، والقدس أيضًا.. فزاد الطلب على المنازل في المركز، فارتفع سعرها وخلق نقص «اصطناعيّ» لعدد المنازل».

«ارتفاع الأسعار عالميًا»
وأكّد شحادة في محاضرته على أنّ «الاحتجاج جاء بالأساس جرّاء غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الأغذية والمنتجات الرئيسيّة، ولكنّ ذلك نبع من ارتفاع الأسعار عالميًا، ولا دخل مباشر للحكومة بذلك، ويجب ألّا نتجاهل ذلك. حركة الاحتجاج طالبت، بالأساس، بإعادة نقطة التوازن وبالسيطرة على الاقتصاد بالدولة.. وإيجاد حلول لأزمة السكن، وتسهيل عمليّة البناء والترخيص، وغيرها. كمل طالب المحتجّون بإجراء تعديلات – لا تغييرات – في النظام الاقتصادي».

كيف تعامل فِلَسطينيّو الداخل مع هذه الاحتجاجات؟!
وعن ذلك حدّثنا مطانس في محاضرته القيّمة، قائلًا: «هذه الظاهرة الاجتماعيّة والسياسيّة مهمّة، ولا نستطيع تجاهلها. حصلت بسبب تآكل النظام الليبراليّ العالميّ، إضافةً إلى ما يدور من حولنا من حراك في الدول العربيّة والّذي نسمّيه بـ«الربيع العربيّ».. ونحن – فِلَسطينيّو الداخل – لا يمكننا تجاهل ما حدث في الشارع الإسرائيليّ؛ لكنّي في الوقت ذاته – كفِلَسطينيّ – من الصعب أن أعمل تحت سقف المطالب التي اوصتها قيادة الاحتجاج في تل أبيب!! فهي لا تكفيني وهذه المطالب ليست بمطالبي، فلا يوجد مطالب خاصّة بي، أو تعريف عن حالتي ومشكلتي الاقتصاديّة. فضائقتنا الاقتصاديّة بسبب السياسات الحكوميّة، لا الاقتصاديّة.. وهذا فرق شاسع»!

«الحزب الشيوعي والجبهة شاركا في الاحتجاجات فورًا!!»
وأشار شحادة بأنّ «الحزب الشيوعي والجبهة شاركا بشكل فوريّ، ومن دون دراسة أو نقاش، في حركة الاحتجاج، فطرحا مطالب المجتمع العربيّ من منظر شيوعيّ، واندمجا سريعًا مع المحتجّين!! لا يمكننا طرح مطالب تقليديّة، مهمّشة منذ 60 عامًا، كان يجب رفع سقف المطالب! لا يوجد – للأسف – طرح اقتصاديّ للمجتمع الفِلَسطينيّ؛ لا يوجد لدى فِلَسطينيّي الداخل رؤيةً لتطوير الاقتصاد العربيّ. علينا بناء رؤيا اقتصاديّة تحاكي خصوصية الحالة الفِلسطينيّة في الداخل».

«كارثة.. هذه هي مطالبنا منذ 60 عامًا!!»
واختتم محاضرته قائلًا: «نريد أماكن سكن، نريد أراضٍ، تنقصها بنى تحتيّة ومواصلات، مواصلات، نطالب برفع مستوى التعليم وتغيير مناهج التعليم ومضامينها، نسعى لإقامة جامعة عربيّة، وإلخ. وهذه كانت فرصة مناسبة للتوضيح حتّى للشارع اليهودي بأنّه لا يمكن تغيير الوضع الاقتصاديّ عند العرب إلّا بتغيير مكانتهم القانونيّة والسياسيّة.

آن الأوان أن يأتي العرب، بهذه المناسبة، ويضعوا مطالب متّفق عليها لعرضها على حركة الاحتجاج، بتنظيم المطالب والخروج بخطاب موحّد أمام الرأي العام الإسرائيليّ. الكارثة بأنّ الحزب الشيوعي والجبهة واللجنة القطرية للسلطات المحليّة تجاهلوا وهمّشوا، بشكل تامّ لجنة المتابعة. فالمطلب التي قبلت بها حركة الاحتجاج كمطالب عربيّة عينيّة هو توسيع المخطّطات ومسطّحات النفوذ لبلدات عربيّة، والاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب، وهذه المطالب مهمّة لكنّا غير جديدة ولا كافية، لأنّنا نطالب فيها منذ 60 عامًا..!!»
وفي ختام المحاضرة فتح الباب للنقاش ولأسئلة الحضور الّذين أبدوا اهتمامًا بالغًا بالمحاضرة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *