تقرير: مطانس فرح
(تصوير: وائل عوض)
لوحِظ ارتفاع كبير – هذا العام، بشكل خاصّ – في عدد الطّلّاب العرب الدّارسين في المدارس اليهوديّة في حيفا!
* يتعلّم طّلّابنا العرب التوراة والتراث والتاريخ اليهوديّين، بعيدًا عن نكبة شعبنا!
* قسم من الطّلّاب يشارك في بعثات إلى پولونيا للوقوف عن قرب على المحرقة النازيّة، ويلتقي عائلات يهوديّة في الخارج، بينما لا يفقه شيئًا عن نكبة شعبه أو عن أهله في الشتات
* يفتخر الطّلّاب والأهل، ولا يروا في ذلك أيّ نوع من الانصهار أو الخيانة أو ضياع الهُويّة – كما يدّعي البعض!
تتفاخر – وبحقّ – مدارسنا الأهليّة الثانويّة العربيّة في مدينتنا الحبيبة – حيفا، بإنجازاتها التعليميّة وتفوّق طلّابها.. فما الدوافع، إذًا، التي تؤدّي إلى «هروب» عشرات الطّلّاب العرب، من مدارسنا الثانويّة للالتحاق بالمدارس اليهوديّة؟! والعدد في ازدياد مستمرّ.. فهل الجواب: هربًا من.. أم: بحثًا عن..؟!
هناك ارتفاع في عدد الطّلّاب العرب المتسجّلين للمدارس اليهوديّة في مدينة حيفا. فعلى سبيل المثال، في مدرسة «ليئوبيك» زاد عدد المتسجّلين العرب للمرحلتين الإعداديّة والثانويّة عن الحدّ المقرّر، ما اضطَرّ إدارة المدرسة إلى فتح صفوف تعليميّة إضافيّة في حالات معيّنة، وفي حالات أخرى انتقاء الأفضل من بين الطّلّاب المتسجّلين. وقد استُوعِب هذا العام في مدرسة «ليئوبيك» وحدَها عشرات الطّلّاب العرب الجُدد، من حيفا وضواحيها.
والأمر لا يختلف كثيرًا في مدرسة «عيروني أ» أو «عيروني هـ» أو الـ«ريئالي» مثلًا، وغيرها من المدارس اليهوديّة في حيفا.
فما الدافع وراء الالتحاق بالمدارس اليهوديّة في المدينة، ومدارسنا العربيّة توفّر التعليم بمستوًى تصبو إليه كلّ مدرسة في البلاد؛ حيث يصل معدّل النجاح في امتحانات الـ«بچروت» لدى طلّابها إلى أكثر من 95%، ويتخطّى في حالات عدّة معدّلات الـ«بچروت» في المدارس اليهوديّة.
قسم من الأهل والطّلّاب علّل الانتقال إلى المدارس اليهوديّة بعدم توافر المجالات المتنوّعة والتخصّصات المختلفة في مدارسنا العربيّة؛ والقسم الآخر سعى لتوفير الأفضل لأبنائه المتفوّقين، فلم يجد أمامه بُدًّا من تسجيلهم في مدارس يهوديّة مميّزة؛ وقسم أراد لأولاده أن «يتأسرلوا»، وأن تكون العبريّة هي لغتهم «الأم»؛ والتوراة، وتاريخ إسرائيل والمدنيّات، و"المحرقة" والتربية الصِّهيونيّة – الإسرائيليّة، مواضيع تعليمهم الأسبوعيّة!
ويشمل التعلّم في المدارس اليهوديّة، أيضًا، دورات تحضيريّة للجيش، الاشتراك في بعثات دوليّة إلى پولونيا، تعرّف المحرقة النازيّة عن قرب، والتقاء جاليات يهوديّة في دول مختلفة من العالم.. كلّ ذلك بعيدًا عن نكبتنا الفِلَسطينيّة، عن تاريخنا وأرضنا وجذورنا، وبعيدًا عن التقاء جاليات فِلَسطينيّة من الشتات.
«سجّلت ابني للدراسة في أفضل مدرسة في المدينة»!
وفي حديث لي مع أحد أولياء الأمور، رفض الكشف عن هُويّته عبر الصحيفة (اسمه محفوظ في ملفّ التحرير)، علّل لي – بدايةً – رفضه الكشف عن هُويّته: ««مِش ناقِصني يا زَلَمي.. إلّي فيني بكفّيني!».. ينظرون إلينا في الحارة بنظرة مُغايرة، ويتعاملون معنا على أنّنا خوَنة. ما الجُرم بتسجيل ابني للدارسة في أفضل مدرسة في المدينة وأكثرها تميّزًا – مدرسة الـ«ريئالي» المعروفة. ابني متفوّق وموهوب، ولم أجد لدى أفضل مدارسنا العربيّة الثانويّة ما يناسبه! فليست هناك صفوف للطّلّاب المميّزين».
«ألا تعتقد أنّك تبالغ، قليلًا» – سألته.
ابتسم وقال: «أدعوك للوقوف على الدورات والتخصّصات في المدارس اليهوديّة، ومقارنتها بالدورات والتخصّصات في مدارسنا العربيّة..».
ألم يكن من الصعب على ابنك التأقلم والانخراط في المجتمع اليهوديّ؟ فالوسط اليهوديّ يختلف عنّا اختلافًا شاسعًا؛ بطريقة تفكيره وتقاليده وتعامله، فأجاب: «كان من الصعب جدًّا على ابني التأقلم – بدايةً – مع أبناء سنّه من اليهود في المدرسة؛ لا لأسباب قوميّة أو دينيّة، بل لأنّه واجه صعوبةً في اللّغة العبريّة، فرغم إتقانه للّغة واجه مجموعة متمكّنة تتحدّث العبريّة كلغّة أمّ».
«أعمل على صقل شخصيّتي»
وحدّثني الابن (هـ) (اسمه الكامل محفوظ في ملفّ التحرير)، قائلًا: «يجب عدم البلبلة، والانجرار وراء الآراء المسبّقة، والنظر إلى العرب المنخرطين مع اليهود، تعليميًّا واجتماعيًّا، كما لو أنّهم خوَنة».
وأضاف: «لديّ أصدقاء كُثر، غالبيّتهم من اليهود، لكنّني لم أنخرط أو أنصهر؛ فأنا أعمل على صقل شخصيّتي، من دون أيّ تأثير خارجيّ! وهذه هي فرصتي لإثبات نفسي وإظهار العربيّ للآخَر، بشكل مختلف».
«بين جدران هذه المدرسة أشعر بأنّني إسرائيليّ»!
«لِمَ تعتقد أنّني عميل أو خائن؟!» – سألني أحد الطّلّاب ((ع) – اسم الطالب محفوظ في ملفّ التحرير) الدّارس في مدرسة «عيروني هـ» في المدينة، بعد أن طرحت عليه سؤالًا بسيطًا: «لِمَ اخترت المدرسة اليهوديّة، دون غيرها؟»!
«لا أعتقد أنّك عميل أو خائن.. لِمَ هذا الاعتقاد؟!» – سألته بدوري.
فأجابني – وغالبيّة حديثه كانت بلغة عبريّة فخمة – «أشعر وكأنّ الجميع يعتقد أنّني خائن لأنّي لا أتقن العربيّة بشكل جيّد، وجميع أصدقائي من اليهود، فقط. ما العمل إن كنت أقضي غالبيّة وقتي – في المدرسة وخارجها – مع أصدقائي وأبناء صفّي اليهود، فلا أجد لغة مشتركة بيني، مثلًا، وبين أبناء حارتي العرب».
وأضاف: «لقد أصبحت المدرسة بيتيَ الثاني. أشعر بأنّني أعيش في كنف عائلة حاضنة. أشعر بأنّني إسرائيليّ 100%، فما الضير في ذلك؟! ألهذا السبب يجب أن أُعتبر خائنًا؟! أبحث عن الأفضل لمستقبلي، وعن كيفيّة الانخراط في المجتمع اليهوديّ بسهولة».
وفي ردّ على سؤالي حول إمكانيّة التحاقه بالجيش، مستقبَلًا، أجاب: «ما المانع في ذلك؟ أنت تعرف جيّدًا أنّ هناك عددًا من الطّلّاب الّذين تخرّجوا في مدارس عربيّة «وطنيّة» والتحقوا بالجيش. فلا أعتقد أنّ للمؤسسة التعليميّة تأثيرًا في قرار الطّلّاب، فالأمر والقرار شخصيّان».
ويؤكّد (ع) مجدّدًا: «بدايةً، وقبل كلّ شيء، اُؤكّد لك أنّني إسرائيليّ، وكوني عربيًّا هو بالنسبة إليّ أمر هامشيّ، غير مهمّ ولا يعنيني». ويضيف: «أعلم أنّ هناك مدارس ثانويّة عربيّة بمستوًى ممتاز وتضاهي المدارس اليهوديّة، لكنّني أشعر هناك بأنّني عربيّ فقط، بينما هنا – بين جدران هذه المدرسة اليهوديّة – أشعر بأنّني إسرائيليّ»!
وأعتقد – بدوري – أنّ للبيئة والمحيط والأجواء المهيمنة، الّتي تكتنف الطالب، وخصوصًا في ضوء الأحداث الأخيرة، تأثيرًا كبيرًا – ولو بشكل غير مباشر – في صقل شخصيّته، وخصوصًا في مثل هذه السنّ الحرِجة.
«لسنا أقلّ منهم قدْرًا ولا فهْمًا»
«أردت أن أبنيَ لابني شخصيّة قويّة، أردته أن ينظر إلى اليهود بثقة ودونما شعور بالنقص تجاههم؛ من دون أن يخفض نظره بشكل مهين، أو يتلعثم لدى محادثتهم. أردته أن يحادثهم، أن يناقشهم، أن يجعلهم يُدركون أنّنا لسنا أقلّ منهم قدْرًا ولا فهْمًا. فأنسب الطرق لتحقيق ذلك كانت «العيش» بينهم والتعلّم منهم» – قال لي والد أحد الطّلّاب، رفض هو الآخر أن أذكر اسمه.
«عشرات «الخوَنة» قد تجدهم داخل المدارس العربيّة»!
وقال والد آخر: «نحن نضحّي ونعمل للأفضل من أجل مصلحة أولادنا، حتّى لو اعتبرَنا البعض خونَة». وهنا قاطعه ابنه، غاضبًا: «عشرات الخونَة قد نجدهم داخل المدارس العربيّة»! – وتابع الوالد: «هدفي أن يندمج ويختلط ابني بالمجتمع اليهوديّ، لا أن ينصهر. أريده أن يدرك كيف يعيش وسط اليهود، وأن يواجه هذه الحياة الصعبة».
حدّاد: "المدارس العربيّة أوصدت بوجهي الأبواب، فكانت الـ"ريئالي" هي الحلّ"
أمّا مروان حدّاد (معلّم سياقة – 37 عامًا)، فكان أجرأ مَن حادثتهم، ولم يكن لديه أيّ اعتراض على ذكر اسمه. فقال، بدايةً: "أنا لم أرتكب جُرمًا، فلِمَ أخفي اسمي أو أظهر باسم مستعار؟".
وعن سبب اختياره إلحاق ابنتيه بمدرسة الـ"ريئالي" في حيفا، حدّثني، قائلًا: "بصراحة، تعود القصّة إلى سنوات عديدة مضت، حين أنهت ابنتي الكبرى الصفّ التمهيديّ في "القدّيسة حنّة"، توجّهت – حينها – أنا ووالدتها لتسجيلها في مدرسة "راهبات الكرميليت"، لثقتي بقدرات المدرسة والطاقم التعليميّة والتربويّة، إلّا أنّني فوجئت برفض قبولها، بادّعاء أنّنا – أنا ووالدتها – من خرّيجي مدرسة "الكرمل"، ولم ندرس في مدرسة "راهبات الكرميليت"، ونصحونا بالتوجّه إلى مدرسة "الكرمل".
وأضاف حدّاد: "لم أرغب بتسجيل ابنتي في مدرسة "الكرمل"، فاتّجهت إلى مدرسة "راهبات الناصرة"، فواجهت المشكلة نفسها؛ الرفض بحجّة أنّه كان يجب أن تنتسب إلى مدرسة "راهبات الناصرة" من صفوف البستان كي تضمن لها مكانًا في الابتدائيّة! حينها كان خِياري الأخير التوجّه إلى مدرسة "مار يوحنا الإنجيليّ"، فكان ردّهم مماثلًا ولم يقبلوا استيعاب ابنتي!".
وتابَع: "أوصدت الأبواب في وجهي، ولم أكُن أرغب بتسجيل ابنتي في المدارس الرسميّة (الحكوميّة)، فلم أجد سبيلًا سوى التوجّه إلى المدارس العبريّة اليهوديّة وتقديم طلبي إليها".
"كيف كانت عمليّة القبول؟" – سألته.
فأجابني: "سهلة إلى أبعد الحدود. لم يسألوا عن القوميّة أو الدين أو عن التفاصيل الدقيقة الشخصيّة، بدايةً، كان هدفهم استيعاب ابنتي، كغيرها من المتسجّلين، بعد إجراء امتحان تصنيف. وفعلًا، استطاعت ابنتي اجتياز امتحان التصنيف والالتحاق بمدرسة الـ"ريئالي"".
"راضٍ كلّ الرضى"
وعن سبب تسجيل ابنته الصغرى، أيضًا، في المدرسة ذاتها (الـ"ريئالي")، قال: "لقد تركت فيّ المدرسة انطباعًا إيجابيًا. لقد أُعجبت بالطاقم التدريسيّ وبمهْنيّته. التعليم في مدرسة الـ"ريئالي" على مستوًى راقٍ، والجميع يشهد على ذلك؛ مجالات التعليم أوسع بكثير، والمدرّسون لا يُرهِقون الطّلّاب بعشرات الوظائف البيتيّة، كما يحدث مع طلّابنا في مدارسنا العربيّة؛ بل غالبيّة الوظائف البيتيّة يقومون بحلّها في المدرسة، وفي البيت يحلّون وظيفة أو اثنتين.. فكلّ ذلك، دفعني – وأنا مرتاح الضمير – إلى تسجيل ابنتي الصغرى، أيضًا، في المدرسة ذاتها".
وسألته: "ألم تساورك تخوّفات على ابنتيك، خصوصًا أنّ الحديث يدور عن طفلتين، تتعلّمان وسط بيئة مختلفة، وتفكير مختلف، وتربية مختلفة، وحتّى شعب مختلف"؟
فأجاب: "في البداية كانت لديّ تخوّفات فعلًا، لكن بعد التعرّف إلى الطاقم التدريسيّ وأهالي الطّلّاب، من خلال اجتماعات الأهالي والمناسبات المختلفة.. اندمجنا وأعطونا الشعور بأنّنا عائلة واحدة، وقد توطّدت العلاقات بين أهالي الطّلّاب أساسًا، ونحن ندأب على تبادل الزيارات في المناسبات، والحفاظ على علاقة قويّة، وقد تجد بين اليهود أهاليَ أكثر "تعصّبًا" وقلقًا على أولادهم من العرب".
"ليست لديّ أيّ مشكلة"
وعن الاندماج في الوسط اليهوديّ، والانصهار واكتساب عاداتهم، وخصوصًا كلّ ما يخصّ الانفتاح، قال: "ليست لديّ أيّ مشكلة في ذلك. نحن نعيش في الألفيّة الثالثة؛ العالم منفتح، فعالم "الإنترنت" لم يُبقِ الأمور على ما هي عليه، لقد تخطّينا الحدود".
وأكمل حديثه، مؤكّدًا لي أن لا مانع لديه، مستقبلًا، أن تأتيه ابنته برفقة صديقها (بوي فرند)، مشيرًا إلى أنّ الفرق بينها وبين الفتيات الدارسات في المدارس العربيّة هو أنّه سيكون لديها الجرأة لإحضار صديقها إلى المنزل، بينما الفتيات العربيّات سيلتقين حبيبهنّ (صديقهنّ) بعيدًا عن أعين الأهل، بحجج واهية.. وهنا يكمن الفرق في الوعي!
"الجيش مِش إلنا"
ومن جرّاء انخراطها مع اليهود، سألته حول إمكانيّة التحاق ابنته بالجيش مثلًا، فأجاب: "ابنتي الكبرى تعي، تمامًا، أنّ "الجيش مِش إلنا"، فهي مسيحيّة في نهاية المطاف وليست يهوديّة، لتقوم بخدمة الدولة ضمن إطار الجيش".
وفي ردّ على سؤال حول إتقانها للّغة العربيّة، قال: "هي لا تجيد القراءة والكتابة بالعربيّة بشكل جيّد، ولكنّ والدتها تدأب على تدريسها اللّغة. فلا قلق لديّ بالنسبة إلى اللّغة؛ لأنّ بإمكانها دراستها وحدَها".
وأنهى مروان حديثة لصحيفة "حيفا"، قائلًا: "نحن – عزيزي – نعيش في بلد مختلط، في أحياء مختلطة (عربيّة ويهوديّة)، فلا أجد أيّ سبب يمنعنا، أيضًا، من الدراسة، معًا".
"ليئوبيك": لدينا عشرات الطّلّاب العرب من حيفا والِمنطقة
وفي استفساري عن عدد الطّلّاب العرب الدارسين في "ليئوبيك"، وصلني تعقيب مدرسة "ليئوبيك"، وهذا نصُّه:
"مرحبًا..
في "ليئوبيك" (المرحلتان الإعداديّة والثانويّة)، يدرس عشرات الطّلّاب العرب من حيفا والمِنطقة. أبواب المدرسة مفتوحة على مصاريعها، وترحّب باستقبال كلّ طالب تتوافر لديه المعايير المطلوبة. طلّاب من الوسط العربيّ (مسيحيّون، مسلمون، ودروز) يتعلّمون لدينا ويحظون بمعاملة خاصّة وتفهّم لاحتياجاتهم. على سبيل المثال: الطّلّاب الدروز يتعلّمون تاريخ الطائفة الدرزيّة. هناك مساعدة تُقدَّم إلى عدد من الطّلّاب في دراسة التوراة (الـ"تاناخ")، هذا بالإضافة إلى تعليم اللّغة العربيّة مع إمكانيّة تقديم امتحان "بچروت" بمستوى 5 وَحدات تعليميّة في الثانويّة.
طوڤا چيلات،
الناطقة بلسان المركَز التربويّ "ليئوبيك"".
الـ"ريئالي": "أضاء الشعلة في عيد استقلال إسرائيل الـ60"!
ومن مدرسة الـ"ريئالي" جاءنا الردّ التّالي:
"في مدرسة الـ"ريئالي"، يدرس جنبًا إلى جنب، يهود، مسيحيّون، مسلمون، دروز، بهائيّون، شركس، وغيرهم. نربّي طلّابنا على قيم أخلاقيّة، كحبّ الإنسان، والعطاء وقبول الآخَر. "مركَز التربية للسلام وقبول الآخَر"، والّذي أقيم في مدرسة الـ"ريئالي" عام 2007، يُثرِي برامج تعليميّة خاصّة ورائدة لتحقيق هذه الأهداف.
"وضمن طلّابنا، نحتضن هذه السنة 128 طالبًا غير يهوديّ. فمن جهتنا، نستوعب كلّ طالب يفي بالشروط المطلوبة وينجح في امتحانات القبول. ولكي نسهّل العمليّة، ولتحسين شروط القبول، بإمكان الناطقين بالعربيّة المتقدّمين إلى امتحانات القبول أن يقدّموا الامتحان باللّغة العربيّة. وبالإضافة إلى ذلك، تهمّنا مشاركة الأهالي ودعمهم لأبنائهم للتأقلم والاندماج بنجاح في الإطار التعليميّ، خصوصًا أنّ التعليم باللّغة العبريّة.
"نحن نحاول الحفاظ على علاقة مع أهالي الطّلّاب لهدف اندماجهم السليم والجيّد في المدرسة، ونأخذ – بدورنا – في الحُسبان المناسبات والأعياد الخاصّة بالوسط العربيّ. ران كتري (المدير العامّ للمدرسة) يدأب على تهنئة كلّ عائلة في عيدها.
على مرّ السنين خرّجنا متفوّقين من الوسط العربيّ، جلبوا الفخر الكبير للمدرسة، لتمّيزهم وتفوّقهم في التعليم، في الفعّاليّات الاجتماعيّة، الرياضيّة، وغيرها. وأحد هؤلاء – على سبيل المثال – فاهوم الفاهوم، خرّيج المدرسة، الذي أضاء الشعلة في عيد استقلال إسرائيل الـ60! وخرّيج آخر، صلاح الشيخ، كان مسؤولًا عن التربية في الطائفة الدرزيّة، واختير عزيز الخدمة الاجتماعيّة في إسرائيل.
چاليت ديامنت،
مديرة التسويق والتسجيل، والناطقة بلسان مدرسة الـ"ريئالي" في حيفا".
وفي مدرسة "عيروني هـ"، رفضوا التطرّق إلى الموضوع بشكل موسّع واكتفوا بإعلامنا أنّ هناك، فعلًا، عددًا من الطّلّاب العرب الّذين يدرسون جنبًا إلى جنب مع الطّلّاب اليهود في المدرسة، والارتفاع في عددهم لم يكن ملحوظًا.. قد يواجه الطّلّاب بعض المشاكل، ولكنّها مشاكل عاديّة؛ فهي المشاكل ذاتها التي قد يواجهونها في أيّ مدرسة عربيّة، مؤكّدين على نجاح اندماج الطّلّاب في المدرسة.
بلديّة حيفا: "ظاهرة ازدياد انتساب الطّلّاب العرب إلى المدارس اليهوديّة في السنوات الأخيرة معروفة لنا، ونرحّب بها"
وفي حديث هاتفيّ مع عيران دُڤوڤي، مسؤول قسم التربية في بلديّة حيفا، أكّد لي أنّ عدد الطّلّاب العرب المنتسبين إلى المدارس اليهوديّة في حيفا، في ازدياد مستمّر، في السنوات الأخيرة. وأنّ هذه الظاهرة آخذة بالانتشار.
وفي ردّ على سؤالي، أجاب: "أرى أن الأمر طبيعيّ وصحيّ جدًّا. فنحن نعيش في مدينة مختلِطة، في أحياء يسكنها عرب ويهود، نعيش التعايش في ذروته، فلِمَ لا ينتقل هذا التعايش إلى داخل جدران مدارسنا؟".
وأضاف: "لا أجد أيّ إشكاليّة في ذلك، وأرحبّ جدًّا بهذه الفكرة. فهذا نموذج لتجسيد التعايش في مدينة تعمل على المساواة بين جميع مواطنيها وتبثّ روح التآخي والتفهّم والتعايش".
واختتم حديثه مشيرًا إلى أنّ وجود طلّاب من قوميّات وألوان وأجناس مختلفة تحت سقف مؤسّسة تعليميّة واحدة في أيّ دولة أخرى هو أمر طبيعيّ، فلِمَ علينا النظر إلى الأمر بشكل مغاير في هذه الحالة.
وليد خميس: "لو كنّا نعيش في دولة عاديّة لاختلف الأمر"
وعقّب المحامي وليد خميس (عضو البلديّة العربيّ في المجلس البلديّ عن تحالف عرب حيفا) على هذه الظاهرة بقوله: "من حقّ الأهل الطبيعيّ حرّيّة اختيار المكان الأنسب لتعلّم أولادهم وبناتهم، كلٌّ حسَب رؤيته. وأنا لا أخوِّن أحدًا. موقفي لا يأتي لهدف الحكم أو الإجبار، ففي نهاية المطاف الأهل يريدون الأفضل لأبنائهم. يُمكننا أن نختلف هنا وهناك، ولكنّ الأمر اجتهاد شخصيّ ومشروع كلّيًّا للأهل، فلهم مُطلق الحرّيّة في اختيار المدرسة التي تروق لهم".
وأضاف: "موقفي نابع من وضعيّة العرب في هذه البلاد؛ فلو كنّا نعيش في دولة عاديّة لاختلف الأمر، لكنّنا نعيش تحت حكم دولة احتلت أرضنا واستعمرت شعبنا، وما زالت – إلى يومنا هذا – تهيمن على ثقافتنا وحضارتنا، وتلغي لغتنا، وتتعامل معنا كأعداء".
وشدّد خميس على الناحية الثقافيّة في مدينة حيفا، وما يحصل في مدارسها العربيّة، والتعامل المغاير في كلّ ما يتعلّق بجهاز التعليم العربيّ في حيفا، وذكّر بما حصل في مدرسة "المتنبّيّ" والزوبعة التي أثيرت حينها.
تشويه لثقافتنا الفكريّة والحضاريّة
وحول الوضع الآنيّ وتأثيره في طلّابنا الدّارسين في المدارس اليهوديّة، يشير خميس إلى أنّه "ما زال الصراع على الأرض وعلى الثقافة وعلى الحياة اليوميّة قائمًا بين الحركة الصِّهيونيّة والشعب الفِلَسطينيّ؛ ففي هذه الحالة عندما تسجّل أولادك في مدرسة يهوديّة، سينعكس الوضع السياسيّ العامّ على الطالب ولو بشكل غير مقصود، وإن حاولت المؤسسة التعليميّة إعطاء فرص مناسبة للجميع. فهذا المُناخ السياسيّ، الاجتماعيّ، والثقافيّ، المهيمن في المجتمع اليهوديّ، الّذي يقمع العرب سيدخل المدرسة، وسيأتي بثماره، بشكل أو بآخر".
وعن خطر الانصهار، يقول خميس: "مطلوب من الأهل، بل من واجبهم، مراقبة أولادهم ومنعهم من تشويه ثقافتهم الفكريّة والحضاريّة. عليهم توعية أولادهم، كَيْلا يجني التشويه ثماره، لاحقًا. وفي اعتقادي، في الوضعيّة السياسيّة – الاجتماعيّة الحاليّة، من الضروريّ أن يتعلّم أولادنا في مدارس عربيّة".
"وما الدافع من وراء الالتحاق بالمدارس اليهوديّة؟" – سألته.
فقال: "إمكانيّات التخصّص والاختيار قليلة في مدارسنا العربيّة، ومجالات التخصّص متشابهة، عدا أنّ الأوضاع في مدارسنا الابتدائيّة الرسميّة يُرثى لها، وفي المدارس الأهليّة التعليم مكلف، ولكنّه في الوقت ذاته، تقليديّ جدًّا، لذا فإمكانيّة الاختيار ضئيلة".
واختتم حديثه، محذّرًا من أنّ "هناك أزمة تشكُّل للوعي والانتماء القوميّ والسياسيّ، وهنا تقع المسؤوليّة على عاتق الأهل، فنحن نتحدّث عن جيل نواجه إشكاليّة في التعامل معه، جيل يصقل ويبني شخصيّته. أشدّد على أنّني أتفهّم الأهل ولا أخوّنهم لاختيارهم المدارس اليهوديّة – من جرّاء المصائب والمصاعب التي تعانيها مدارسنا العربيّة، غالبًا – ولكن علينا الاهتمام ببناء إنسان واعٍ، حرّ، غير مشوّه أو فاقد لهُويّته القوميّة".
هشام عبدُه: "علينا الحفاظ على هُويّتنا ولغتنا"
أمّا رئيس كتلة "الجبهة" و"الحزب الشيوعيّ" في بلديّة حيفا، عضو المجلس البلديّ المهندس هشام عبدُه، فأشاد بمؤسّساتنا التعليميّة العربيّة الأهليّة، وأثنى على النتائج والإنجازات المميّزة؛ فقال: "مدارسنا لا تقلّ أهميّة عن أيّ مدرسة يهوديّة. وهناك خطر أكبر من الركض وراء الحصول على تعليم "أفضل" في المدارس اليهوديّة؛ قد "نضيّع" لغتنا، بدل أن نتمسّك بلغتنا العربيّة ونحافظ على أصولها".
وأكّد عبدُه، بدوره، أيضًا، أنّ "مهمّة اختيار المدارس، يهوديّةً كانت أو عربيّة، أهليّةً أو رسميّة، تقع على عاتق الأهل والطّلّاب أنفسهم؛ فلا شكّ في أنّ للأهل الحرّيّة المطلقة في اختيار الأنسب لهم ولأولادهم".
وأضاف: "أنا أفضّل أن يتعلّم طلّابنا في مدارسنا الأهليّة العربيّة؛ فلا أعتقد أنّ هناك ما ينتقص من قيمتها، فتفوّق الطّلّاب ونتائج الـ"بچروت" المشرّفة أكبر دليل على أنّ مدارسنا تسير في الاتّجاه الصحيح".
وفي ردّ على سؤالي، أجاب: "من المهمّ جدًّا الحفاظ على لغتنا وثقافتنا وعاداتنا، علينا التنبّه لعدم الانصهار وتشويه الهُويّة. إنّ أولادنا يحصلون – باعتقادي – على أفضل تعليم وأحسن تربية. فطواقمنا التدريسيّة ممتازة ومؤهّلة، وأولادنا في أيادٍ أمينة".
وأضاف: "أنا أتفهّم كلّ مَن يرغب بالالتحاق بالمدارس اليهوديّة، فله كامل الحرّيّة والاختيار، لكن عند إعادة النظر في الموضوع، سنجد أنّ المدارس العربيّة لا تقلّ أهميّة، إن لم تكن أهمّ من المدارس اليهوديّة، تربيةً، إنجازًا، وتحصيلًا".
جعفر فرح: "يبنون لأنفسهم جدارًا عازلًا"
أمّا جعفر فرح، مدير مركز "مساواة"، فلم يقلق على طلّابنا العرب الدّارسين في المدارس اليهوديّة من خطر الانصهار أو ضياع الهُويّة؛ ولكنّه – بدايةً – يفسّر سبب انتساب الطّلّاب إلى المدارس اليهوديّة قائلًا: "فرص التخصّصات المتوافرة للطّلّاب في مدارسنا العربيّة الثانويّة ضئيلة، مقارنة بالمدارس اليهوديّة، كما أنّ غالبيّة التخصّصات تكون علميّة أو أدبيّة، فسيتصعب الطّلّاب أن يجدوا – ضمن هذا الإطار التربويّ – تخصّصات مهْنيّة أو فنّيّة خاصّة، ويكون ذلك بمثابة حافز لهم للالتحاق بمؤسّسة تعليميّة تربويّة توفّر لهم ذلك. فعلى سبيل المثال، ليس هناك مسار للفنون – على أنواعها – في المدارس العربيّة يلبّي احتياجات الطّلّاب".
وحول إمكانيّة الانصهار أو الـ"تأسرل" ومشكلة الهُويّة التي قد يواجهها الطّلّاب لدى انخراطهم ضمن المؤسّسة اليهوديّة، أجاب فرح، ضاحكًا: "أنا ضدّ هذه النفسيّة التي تتحدّث بلغة الانصهار والأسرلة؛ يجب ألّا نتبنّى خطاب الأغلبيّة اليهوديّة.. نحن هنا منذ عشرات السنين، نحن قسم من المِنطقة العربيّة، فلم ولن ننصهر ولن نذوب! إنّ اليهوديّ هو الّذي يعيش، مؤخَّرًا، مشكلة، وهو الذي يخاف على نفسه من الانصهار في هذا المحيط العربيّ".
وأضاف: "يبنون لأنفسهم جدارًا عازلًا! فالمِنطقة تضمّ غالبيّة عربيّة، وفي نهاية المطاف – حتّى لو كنّا محاصرين حاليًّا – فسنكون – على المدى البعيد – نحن الأغلبيّة، ولا أعتقد أنّ هناك أيّ خطر للانصهار إلى درجة تهديد وجودنا".
ربّما كان على مدارسنا العربيّة أن تُعيد النظر والعمل بشكل جِدِّي أكثر للخلوص إلى كيفيّة التعامل مع مفهوم التعليم العربيّ الحديث ككلّ، وفتح مجالات أوسع وتخصّصات أكبر تلبّي احتياجات أولادنا.. فهل ستنجح مدارسنا العربيّة في ذلك، وتمنع أو تحدّ من موجة "الهروب" إلى المدارس اليهوديّة؟!
ولكن – في نهاية المطاف – يبقى القرار شخصيًّا، والاختيار حرًّا؛ فأبواب المدارس والمؤسّسات التربويّة – العربيّة واليهوديّة – مفتوحة على مصاريعها لاستقبال الطّلّاب..