نسبة واحد الى الف تعكس ميزان القوى القائم بين الاسرائيليين بجيوشهم العتية واسلحتهم المتطورة وبين الفلسطينيين اصحاب البراءة الحصرية على صواريخ "ارض-ارض" قصيرة الامد المعتمدة على انابيب للمياه محشوة بالجليتسرين تصيب "الهدف" بنسبة واحد الى ألف، تماما كالنسبة المعتمدة بالصفقة.
أسير اسرائيلي واحد مقابل ألف أسير فلسطيني، هذا هو مُلخّص الصفقة التي عقدت بين حكومة اسرائيل وحكومة حماس. يا لها من نسبة تحمل الكثير من الدلالات والمعاني والتوضيحات. يا لها من نسبة تثير التساؤلات والنقد الذاتي ومحاسبة النفس واعادة النظر.
هذه النسبة تعكس اولاً ميزان القوى القائم بين الاسرائيليين بجيوشهم العتية واسلحتهم المتطورة وطياراتهم الحربية ودباباتهم واساطيلهم البحرية وشبكات مخابراتهم وانظمة معلوماتهم وبين الفلسطينيين اصحاب البراءة الحصرية على صواريخ "ارض-ارض" قصيرة الامد المعتمدة على انابيب للمياه محشوة بالجليتسرين تصيب "الهدف" بنسبة واحد الى ألف تماما كالنسبة المعتمدة بالصفقة.
لست ادري لماذا تقوم اسرائيل بتسمية الأسرى الفلسطينيين بالسجناء وتضعهم في مرتبة واحدة مع سجناء العالم السفلي وفي خانة واحدة مع المغتصبين والمُختلسين من المواطنين العاديين او الرؤساء والوزراء الذين اغواهم الشيطان. على ما اظن ان طريقة محاكمتهم وزجهم بالسجن واعدام بعضهم في عقر دارهم وساحاتهم لا تمتُّ لجهاز القضاء والعدل بأية صلة.
واغلبيتهم لم يحظوا بمحاكمات نزيهة لا وبل قد تنازلوا عن الدفاع عن انفسهم لعدم ثقتهم بماكنة العدل الاسرائيلية وعدم اعترافهم بشرعيتها. هذه الماكنة التي تبرئ ساحة القتلة من المستوطنين وتنزل اقسى العقوبات على الضحية التي تحاول الدفاع عن نفسها. من المعلوم ان الصفقة شملت "سجناء سياسيين" لم يُحاكموا البته وما زالوا على ذمة التحقيق.
طبعا هنالك اجماع اسرائيلي بأن الفلسطينيين الذين قاموا بقتل الابرياء لا يستحقون اية رحمة وبعضهم ينادي بتصفيتهم فورَ مصادفتهم، وعلى "قوات الأمن" ان "توفّر" على نفسها عناء القبض عليهم واحضارهم الى المحاكم ومن ثم سجنهم ومن ثم التفاوض مع اقرانهم على اطلاق سراحهم. وهناك ايضا اجماع، انا اؤيده شخصيا، أن قتل الابرياء والمُواطنين العزل والاولاد هو امر منافِ للاعراف الانسانية ولا يصب في مصلحة احد، ولكن ماذا مع الاطفال والمواطنين الفلسطينيين النائمين في بيوتهم الذين قُتلوا جراء القذائف العنقودية والفوسفورية التي اطلقها سلاح الجو الاسرائيلي عليهم.
من يحاكم هؤلاء؟ ومن سيزجهم في غياهب السجون؟ كم سنة سجن تنتظر قائد عسكري قام بتصفية المئات بل الآلاف من الأبرياء؟ ولو صَلُحت ميازين العدل المعطوبة في هذه الدنيا اية كنية يستحق مثل هؤلاء؟ وهل يجوز ان نصنفهم كمن "تلطخت اياديهم بالدماء" فقط؟!!! نسبة الواحد الى الف تعكس ميزان القوى بين الطرفين ولكنها ايضا تعكس مستوى المعاناة الذي يعانيه الشعب الفلسطيني الذي فقد بيته وحريته واستقلاله وبين الشعب الاسرائيلي الذي ينعم باقتصاد متطور وبدعم سياسي ومعنوي شامل من دول عظمى.
هذه النسبة تسلط الضوء على ليترات الدم الهائلة التي هُرقت والاجساد التي احترقت والبيوت التي هُدمت على اصحابها، وهي ايضا تعكس مستوى القدرات الاعلامية التي بذلتها وتبذلها حكومة اسرائيل لتجنيد الرأي العام العالمي لصالح قضية "شاليط" مقارنة بصرخات النجدة والاستغاثة "الغير مسموعة" التي قام بها الفلسطينيون من اجل الدفاع عن اسراهم وعن قضيتهم العادلة.
لو اتيحت الفرصة لكل اسير فلسطيني اللقاء بساركوزي وهيلاري كلينتون و"عظماء" آخرين ووظّفتهم لصالح قضيته لكان التأييد العالمي للقضية الفلسطينية اكبر بأضعاف ما هو عليه، ولكن التعاطف مع اسراه اكثر صدقا. لو اتيح لكل عائلة فلسطينية ان تقوم بنصب خيمة اعتصام في عاصمتها وعقد المئات من المؤتمرات الصحفية في الداخل والخارج ونصب اللافتات في الشوارع ووضع اللاصقات على السيارات، لكان التأييد للاسرى الفلسطينين اكبر مما عليه بكثير.
نسبة واحد الى الف تعكس ايضا مدى اهتمامنا وتقديرنا، كشعب عربي واحد من المحيط الى الخليج، بقضية الاسرى مقارنة بالتظاهرات الجماهيرية والمسيرات واللجان الشعبية التي مارست كل الضغوطات المحتملة من اجل اطلاق سراح شليط، وكأنه آخر الأسرى في هذا العالم. هذا النسبة تعكس مدى "تعالينا" فوق كل الاعتبارات السياسية والحزبية والطائفية والقطرية، ومدى تكتّلنا واصطفافنا وراء "القضية المشتركة" و "المصير المشترك".
متى ستتغير هذه النسبة؟ ولصالح من؟ هذا سؤال يبحث عن اجابة شافية وعن قادة قادرين على تحمل المسؤولية. يقول جبران في هذا السياق: وَالعَدل في الأَرض يُبكي الجن لَو سَمِعوا بِهِ وَيستَضحكُ الأَموات لَو نَظَروا فَالسّجنُ وَالمـَوتُ لِلجانينَ إِن صَغرُوا وَالمــَجدُ وَالفــَخر وَالإِثراء إِن كـــبرُوا
لقد اثبتت التجارب الانسانية ان الارض بكل كبرها لا تتسع للظلم، ظلم الانسان لأخيه الانسان، وميزان القوى بين الشعوب والدول والانظمة ليس امرا ازليا، وان من يظلم غيره يجني على نفسه اولاً.