شملت صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل بروتوكولات سرية، تدخلت فيها حسابات وتوازنات سياسية ذات صلة بدمشق وطهران وحزب الله، وكانت لدى واشنطن وتل أبيب أسبابهما غير المعلنة لإبرام الصفقة في هذا التوقيت، إضافة الى دخول جماعة الاخوان المسلمين المصرية كطرف أصيل في المباحثات.
لم تنطو مباحثات إبرام صفقة تبادل الأسرى بين الفلسطينيين وإسرائيل على مجرد اطلاق سراح جلعاد شاليط مقابل الافراج عن 1000 اسير فلسطيني، وانما شملت – بحسب معطيات عبرية – بروتوكولات او تفاهمات سرية بإيعاز من واشنطن، كان في طليعتها انتقال المكتب السياسي لحركة حماس من دمشق للقاهرة، الامر الذي اعتبرته الادارة الاميركية ضربة قاسمة للرئيس السوري وحزب الله وايران، لما تحمله هذه الخطوة من انعكاسات سلبية على مستقبل العلاقات بين الفلسطينيين من جهة، ودمشق وطهران وحزب الله من جهة أخرى.
مفاوضات مع مشعل بعد تسريبات استخباراتية
ووفقاً للمعطيات التي نشرها الملحق الاسبوعي لصحيفة معاريف، جرت الاتصالات السرية على هذا الصعيد منذ الاول من شهر أيار/ مايو الماضي، وكان طرفا التحاور فيها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق وزير الدفاع الاميركي الحالي ليون بانيتا، واكدت التقارير العبرية ان بانيتا تفاوض مع مشعل حول هذا الموضوع بعد تلقيه تسريبات استخباراتية، تفيد باعتزام حماس الابتعاد عن دمشق، لعدم رغبة الحركة في ان تكون جزءاً من منظومة القمع، التي يستخدمها النظام السوري ضد شعبه، الا ان الولايات المتحدة وإسرائيل رأتا في الرغبة الحمساوية تحولاً مفصلياً ونقطة تكتيكية بالغة الاهمية، خاصة ان مشعل تعهد بحسب التسريبات العبرية الانعزال التدريجي عن المحور الايراني السوري.
وتشير التقديرات الإسرائيلية الى ان هذا التحول الاستراتيجي في منظومة قوى المنطقة بات في الامكان، ليس فقط في ظل رغبة خالد مشعل واستعداد بنيامين نتانياهو التعاطي معه من اجل اطلاق سراح الجندي الإسرائيلي، وانما بسبب الصدع القائم حالياً بين اقطاب جماعة الاخوان في مصر وطهران، فالقيادة الايرانية تعقد آمالاً كبيرة على الثورة المصرية، وبذلت جهوداً وانفقت امولاً طائلة حتى يصبح لها نفوذاً بين صفوف الاخوان المسلمين، غير انه وفقاً للتقديرات العبرية التي نشرتها معاريف، اتضح رويداً رويداً خاصة خلال الاشهر القليلة الماضية، ان الاخوان المسلمين سيحظون بأغلبية كاسحة في البرلمان المصري، وستصبح الحركة الكتلة السياسية الاكبر والاقوى في مصر، لذلك سعى الاخوان الى ابعاد انفسهم عن طهران، والتقارب بشكل أكبر مع المجلس العسكري المصري والولايات المتحدة.
أول لقاء رسمي مع الاخوان في القاهرة
وتوضح المعطيات العبرية ان قليلاً من الدوائر السياسية في مصر وربما العالم العربي التي التفتت الى اول لقاء رسمي عُقد في القاهرة بين ممثلين عن جماعة الاخوان المسلمين المصرية ووفد دبلوماسي اميركي رفيع المستوى، وكان ذلك في الثاني من تشرين الاول/ اكتوبر الجاري، قبل يوم واحد من زيارة وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا للمنطقة، كما لم يلتفت أحد بحسب التقرير العبري الى ان "بريم جي كومر" Prem G. Kumar، المسؤول عن الملف الفلسطيني – الإسرائيلي في مجلس الامن القومي بالبيت الابيض، ترأس الوفد الدبلوماسي الاميركي للتحاور مع الاخوان المسلمين في القاهرة، وخلال اللقاء بحسب المعطيات العبرية لم يدور الحديث حول قضايا دينية او العملية الديمقراطية في مصر، وانما جرى الحديث عن الاعداد لصفقة تبادل الاسرى بين الفلسطينيين وإسرائيل، التي لعبت فيها القاهرة وواشنطن دوراً كبيراً في التوصل اليها.
وتزامناً مع المباحثات التي جرت بين الاخوان المسلمين في مصر والوفد الدبلوماسي الاميركي، أجرى وفد من حماس يقوده أحمد الجعفري قائد كتائب عز الدين القسام الحمساوية مباحثات غير مباشرة في العاصمة المصرية مع وفد إسرائيلي يقوده "ديفيد ميدن" موفداً شخصياً عن نتانياهو، لابرام صفقة تبدل الاسرى بين حماس وإسرائيل، واتفق الطرفان على التفاصيل النهائية لخروج الصفقة الى حيز التنفيذ.
اما صحيفة يديعوت احرونوت، فتحدثت بشكل اكثر تفصيلاً عن الأجواء التي سبقت وتزامنت مع ابرام الصفقة، مشيرة الى ان وضع النقاط على الاحرف في ابرام الصفقة، سبقته ستة جولات من مباحثات التقارب بين الطرفين الحمساوي والإسرائيلي، بدأت اولاها في القاهرة خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، وخلال المباحثات جلس الموفد الإسرائيلي "ديفيد ميدن" في غرفة منفصلة عن الممثل الحمساوي أحمد الجعفري، بينما لعب المصريون دور الوسيط في نقل الافكار والرؤى بين الجانبين، وكانت حماس سباقة خلال المباحثات في طرح رؤيتها حول اتمام الصفقة، ووافقت إسرائيل على طرح الحركة، عندما تم الاتفاق المبدئي عليه، وجرى وضع اسماء الاسرى الفلسطينيين الذين سيتم الافراج عنهم بموجب الاتفاق، مقابل اطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
مهندسو الصفقة من حماس وإسرائيل
وتشير معطيات الصحيفة العبرية الى انه كان من بين مهندسي التفاهمات بين الطرفين، رئيس جهاز الامن العام الإسرائيلي الـ "شاباك" يورام كوهين، ثم وزير الدفاع ايهود بارك، والى جانبه قائد اركان الجيش الإسرائيلي بني غانتس، ورئيس الموساد تامير فردو، الذين ايدوا الصفقة والتفاهمات المترتبة عليها، كما صادق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على كافة تفاصيلها، اما مهندسو الصفقة من الجانب الحمساوي فتقدمهم الجعفري بعد حصوله على الضوء الاخضر من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بينما لعب دور الوساطة عند صياغة بنود الصفقة مدير الاستخبارات المصرية العامة اللواء مراد موافي، وساعده الوسيط الالماني غيرهارد كونراد.
مصادر الصحيفة العبرية رأت ان قبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بإبرام الصفقة في هذا التوقيت بالغ الحساسية يعود الى عدة اسباب، تتقدمها التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي في العالم العربي، إذ بات نتانياهو على قناعة بأن الوسيط الالماني غيرهارد كونراد استنفذ قواه وقدراته، وان مصير المفاوضات بخصوص شاليط اضحي في ملعب النظام العسكري المصري، كما تستشعر إسرائيل في التوقيت عينه تحسباً جاداً من امكانية فقدان هذا النظام لصلاحياته السياسية، وقدرته على لعب دور الوساطة مع حماس، حال صعود الاخوان المسلمين للسلطة.
الى ذلك كان للتغير الذي طرأ على وضعية الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالغ الأثر في مباركة الولايات المتحدة على إبرام الصفقة بحسب الصحيفة العبرية، فرغم اعراب واشنطن في الماضي عن تحسبها من بزوغ نجم حماس في الشارع الفلسطيني حال خروج الصفقة الى حيز التنفيذ، الامر الذي يؤثر سلباً على وضع عباس، الا ان توجه الاخير للجمعية العامة للامم المتحدة من اجل اعلان قيام دولة فلسطينية، أضاف زخماً لنفوذه وتأثيرة في الشارع الفلسطيني، وهو ما يحول دون سحب البساط من اسفل اقدامه لصالح حماس، وربما كانت لدى الدوائر السياسية في إسرائيل رغبة في "معاقبة" عباس على قيامه بتلك الخطوة، فعمدت الى اهتزاز صورته امام المجتمع الدولي بإبرام الصفقة مع حماس بحسب يديعوت آحرونوت.