الصديق المطلوب بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 18/09/2022

الصديق المطلوب

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

حاجة المرء الى صديق وفي ومخلص أمر ضروري لأن المرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ولا يستطيع المرء الحياة بعيدا عن الناس الا إذا خاب رجائه منهم وهذا إما أن يكون حقيقة وإما لوازع في نفسه لم يسلمه الى الحقيقة , ولا قيمة لصداقة ومعاشرة مستديمة إذا المرء لا يشعر بالطمأنينة وقد تغنت الشعراء بهذا الباب كثيرا وخاصة الشعراء الربانيون قال الشافعي: سلام على الدنيا إذا لم يكن بها         صديق صدوق صادق  الوعد منصفا

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا                فدعه ولا تكثر عليه التأسفا

ففي الناس أبدال وفي الترك راحة    وفي القلب صبر على الحبيب ولو جفا

فما كل ما تهواه يهواك قلبه             ولا كل من صافيته لك قد صفا

أفهم من ذلك أنه كان يبحث عن صديق له مواصفات خاصة تؤهله لأن يتخذه خليلا  لأن الصحبة الصالحة تجعل الانسان يشعر بمعاني الحب والأنس , فتغمر حياته السعادة , ونحن نعبر عن هذه الصداقة بكلمة ارق وأسمى الا وهي الاخوة والتي نعتبرها مطلب شرعي وضروري لمواجهة تحديات الحياة قال تعالى ( إنما المؤمنون أخوة ) ولا شك أن من يقرأ القرآن يجد أن الرسول كان له اصدقاء خلد الله ذكرهم الى يوم القيامة وقد برز دور هذه الصداقة عند محنة الهجرة من مكة الى المدينة المنورة حيث سخر ابو بكر صاحب رسول الله  كل امكانياته لحماية الرسول وتسهيل وصوله الى المدينة ولما أوشكت قريش أن تصل اليهما خاف أبو بكر على الرسول فقال له الرسول ( ما ظنك باثنين الله معهما ) وهذه الصداقة بهذا الحس خلدها ربنا في كتابة لتكون عبرة ودرس للأجيال المتعاقبة قال تعالى ( وإذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )  فالصديق هو الذي ينصر صديقه على الحق ويمنعه من الباطل رحمة به ومحبة له قال رسول الله ( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل  يا رسول الله : أنصره إذا كان  مظلوما . أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : تحجزه أو  تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره  )  فمن مقتضيات الصداقة أن يدافع الصديق عن صديقه بالحق تماما كما فعل رسول الله مع ابي بكر الصديق  لما تطاول احدهم عليه قال رسول الله ( إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ,وقال ابو بكر : صدق , وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ فما أوذي بعدها ) وقد حدد الامام علي متطلباتها وإن خان الصديق فلا تخنه      ودم بالحفظ منه وبالدمام

ولا تحمل على الاخوان ضغنا    وخذ بالصح تنج من الآثام

إن أخاك الصدق من يسعى معك    ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صد عنك     شتت فيك  شمله لينفعك

العقلاء يطلبون صداقة حقيقية غير مبنية على مصالح شخصية ,ان تحققت زال الود واختفت المحبة بل الصديق كما يقال عند الضيق لأن الصديق الوفي يفرج الهم والغم عن صديقه في أوضاعه الصعبة وقلة الحال فيشعر بعزة وكرامة ولو في أسوأ احواله  لذا قال الامام أحمد بن حنبل ( إذا مات أصدقاء الرجل ذل ) وكان الرسول يستعيذ من صاحب السوء فيقول  (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء , ومن ليلة السوء , ومن ساعة السوء , ومن صاحب السوء ) وقد وصف ربنا حال الكفار يوم القيامة كيف يتشتت شملهم ويقولون ( فما  لنا من شافعين , ولا صديق حميم )   والصحبة الصالحة تنفع المرء في دنياه وفي آخرته قال تعالى ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين ) وخاصة لما يرى المرء مقعده في الأخرة ويدرك البعض أن صحبتهم للأشرار تشعل بهم النار فيندمون على صحبة رفاق السوء فيقولون ( يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ) فالصاحب ساحب اما الى طريق الحق وإما الى طريق الضلال فكن خير صديق وداوم على محبة الأصحاب ,ولا تكن ذاما لهم ومقبحا لأفعالهم أمام الناس ان أخطئوا بل اصبر عليهم وعظهم وغض الطرف عن زلاتهم وانصحهم وقلبك مفعم بالحب والمودة لهم وإن قصروا فربنا أمر رسوله فقال له ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ) ولا تبني علاقتك مع الأصدقاء على الظن والشك فقد قال الرسول الكريم ( إياكم والظن , إياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث ) لأن هذا السلوك يفقدك كل اصدقائك وستبقى وحيدا ومذموما عند الخلق وعند الخالق قال الشاعر أبو العتاهية  :

وشر الأخلاء من لم يزل      يعاتب طورا وطورا يذم

يريك النصيحة عند اللقاء     ويبريك في السر بري القلم  

وكما بينت فإن الصداقة مهمة ومطلب شرعي وانساني تجمع القلوب كما تجمع الأجساد وقد امتن ربنا على المؤمنين فقال ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) ولكننا اصبحنا نسمع ونقرأ عن صداقات افتراضية عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة والبعض شغف بها حبا وهو لا يدري من صديقه من الطرف الآخر لأن منهم من يصاحبك باسم مستعار ومنهم من يصاحبك لغاية في نفسه وقد بلغنا أن من الناس من وقع ضحية لمثل هذه الصداقات فمن الرجال من ابتز ماليا ومن النساء من ابتزت بعرضها لذا من أراد الأصدقاء فليختارهم كما يختار اطايب الطعام والرسول يقول ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *