جبر الخواطر بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 18/08/2022

جبر الخواطر

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

قررت الكتابة بهذا الموضوع بعد أن تابعت أحد المحسنين وهو يقدم المساعدات للعائلات المتعففة بأسلوب مدهش وهو أن يأتي للمحتاج ويعرض عليه نفسه بأنه مذيع يجري مسابقات ثم يسأله أسئلة وهو على يقين بأن الذي أمامه سيجب عليها ليعطيه المبلغ الذي يسد حاجته ,وهذ إن دل على شيء فإنما يدل على أن المحسن صاحب نفس شريفة , وقلب رحيم , يعطي ويريد للمحتاج أن يبقى شامخ الرأس , ويجبر خاطره دون أن يشعر أن لأحد الناس فضل عليه , وجبر الخواطر تتعدد اشكاله , والناس الذين يحتاجون اليه , وان كنت مصيبا بما اعتقاده , لا يوجد هناك انسان على وجه الأرض لا يحتاج الى جبر الخاطر فقد يحتاج اليه الكبير والصغير, والغني والفقير , والوضيع والرفيع , والأب والأبن والزوج والزوجة ويحتاج اليه الفقير والمسكين والمريض , فمنهم من يجبر خاطره بكلمة ومنهم من يجبر خاطره بلقمة عيش تسد جوعه , ومهما تعددت الوان جبر الخواطر فإنها تنطوي تحت فعل الخير والله يقول ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )  وكما بينت فإن البعض منا يحتاج الى كلمة يجبر بها خاطره وتكون الكلمة اعظم اثرا في النفس قال تعالى ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد ) لذلك من ألمت به مصيبة فراق الأحبة من ولد او زوجة او زوج او أي عزيز بحاجة الى صديق وفي يجبر خاطره ويواسيه ليخفف عنه حرارة الحزن والجزع ويصبره ويشد أزره ويذكره بجزاء الله العظيم لمن صبر واحتسب , ومن وقع عليه ظلم من الناس والأهل يحتاج الى صديق يفتح له باب الأمل بأن الظلم سيزول وأن الظالم اذا لم يتب سيكون من الخاسرين في الدارين وأن دعوة المظلوم لا ترد , وإذا أردنا أ نحافظ على بيوتنا علينا أن نجبر الخواطر فيها , وغالبا ما يكون بكلمة شكر يسديها الزوج لزوجته على عملها وتربيتها لأبنائها  وكذلك الزوجة التي تقدر التعب والمعاناة التي يلاقيها زوجها فتلقاه بابتسامة وكلمة تنسيه كل تعبه , الأب الذي تعب وسهر الليالي لننام وجاع لنشبع نجبر خاطره بكلمة طيبة وقبلة بين جبينه ولا يضر بأن تقدم له هدية متواضعة لأن الحبيب يقول ( تهادوا تحابوا ) والأم التي تعبت بحمل وفصام وسهر لا نستطيع رد جميلها ولكن الكلمة الطيبة وحسن الصحبة يكفيها لأنها صاحبة قلب كبير , فبجبر الخواطر بين الأسرة القريبة والاسرة المجتمعية تحولنا كالجسد قال رسول الله ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم , مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو , تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ومن أعظم مظاهر جبر الخواطر ما جاء بحديث رسول الله القائل ( المسلم أخو المسلم , لا يظلمه ولا يسلمه , ومن كان في حاجة أخيه , كان الله في حاجته , ومن فرج عن مسلم كربة , فرج الله كربة من كربات يوم القيامة , ومن ستر مسلما , ستره الله يوم القيامة ) نحن بحاجة الى جبر الخواطر بحسن المعاملة مع القريب والبعيد دون تمييز بين الانتماءات  فعلينا نصرة المظلوم , ومواساة المعدوم : قال رسول الله ( إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه ) وقال تعالى ( ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا ) وهذا يأتي في سياق الحديث عن منع قتل النفس مهما كانت ويحمل معناها على من آزر مريضا بعلاجه او بتبرع دم ونحو ذلك , والمتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية يجد القصص القرآني والحث على جبر الخواطربالكتاب والسنة  ومنه أنه لما ألقي يرسف في الجب على يد اخوته الذين كانوا يحسدونه أوحى اليه الله بأنه سينجيه مما وقع فيه وأنه سيجمعه مع اخوته بعد أن يمكنه فيصبح صاحب كلمة الفصل في مصر وما حولها قال تعالى ( فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب , وأوحينا اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) وأخبرنا ربنا بأنه جبر خاطر أم موسى عندما تفطر قلبها على ولدها الذي ألقته في اليم خوفا من الطاغية فرعون قال تعالى ( فرددناه الى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ولما تآمرت مكة على رسول الله وخرج منه مهاجرا وهي أحب بقاع الأرض عنده جاءته البشرى من الله قال تعالى ( وإن الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد ) أي رادك الى مكة , وعمل الرسول كل جهدة على جبر خواطر أصحابه , يروى أنه لما استشهد والد جابر بن عبد الله حزن جابر عليه حزنا شديدا  وقد تحمل دينا عن والده واخوة فقال له رسول الله جابرا لخاطرة ( ألا أبشرك بما لقي الله به أباك ؟ ) قال : بلى يا رسول الله . قال الرسول ( ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجابه , وأحيى أباك فكلمه كفاحا ( مواجهة ) فقال يا عبدي تمن علي أعطيك , قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية . قال الرب تبارك وتعالى : إنه قد سبق مني أنهم اليها  لا راجعون ) وقد اعتبر الرسول مؤازرة الناس من أعظم القربات فقد سئل : أي الأعمال أفضل ؟ قال ( أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا ) وفي حديث آخر قال ( أحب الناس الى الله أنفعهم للناس , وأحب الأعمال الى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة , أو تقضي عنه دينا , أو تطرد عنه جوعا , ولأن أمشي مع أخ في حاجته أحب الي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *