هداة البال بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 14/08/2022

هداة البال

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

ندعو لبعضنا أحيانا فنقول الله يهدي بالكم ؟ وقد يعتقد البعض أن هداة البال بأن يكون الانسان فارغ اليدين من الأعمال يأتيه رزقه رغدا وهو ماد رجليه وينتظر أن تمطر السماء عليه ذهبا او فضة , ومن كان هذا فهمه وادراكه فقد فاته الخير الكثير , فهداة البال اعظم نعمة يتنعم بها الانسان في حياته ومن تذوقها كان كأن الدنيا جميعها قد سخرت له وهو الانسان البسيط الذي قد يبتلى بمحن عظيمة وتمر عليه ساعات عصيبة ولكنه راض بما قسم الله له , نفسه مطمئنة لسان حاله كما قال أبو ذر الغفاري : الفقر والغنى مطيتان لست ابالي أيهما امتطيت , فإن كان الغنى فمعه الشكر وان كان الفقر فمعه الصبر . وما يقول مثل هذا القول الا صاحب نفس هادئة مطمئنة لا تنظر الى حال الآخرين ولكنها تنظر الى حالها معتقدة أن الله لا يقدر لعباده الا ما يصلح لهم فتهدأ باله وفى هذا المعنى ربى الرسول أصحابه كبارا وصغارا فعن ابن عباس قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( يا غلام اني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فسأل الله , وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمة لو اجتمعت أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا يشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , وفعت الأقلام وجفت الصحف ) فمن تأسست حياته على هذا الفهم فلا يمكنه ان يضطرب ولا يخاف على رزقه ولا على مصيره لعلمه أن مقادير كل شيء بيد الله وما هو الا عامل بالأسباب التي أتاحها الله له , فصاحب النفس الهادئة لا يتعكر مزاجه ولا تنتابه الهموم والغموم في حال تقلب ايامه ما بين افراح وأتراح فالحياة فيها الفرح والسرور وفيها الضحك وفيها البكاء وفيها الصحة والمرض وفيها الفقر والغنى , فمن سرة وقت من الزمن أحزنه آخر وأهل الصلاح الذين رضوا بالله ربا لا يدعون للقلق ولا الفزع ان يقتحم الى نفوسهم فتحملهم الى الضجر والا الى قلوبهم فتحزن , فهادئ البال قلبه سليم وصدره واسع يتمنى الخير لجميع الخلق لذا لا يتمنى زوال نعمة انعمها الله على احد من خلقه ولا يسعى لنزعها منه بفتنة , وصاحب النفس الهادئة لا يسعى الى أن يمدحه الناس وإن لم يمدحه الناس اشغل نفسه في ذم الخلق فلا هو ينال مطلبه ولا يغير حال , وتبقى نفسه مدنسة وقلبه سقيم ويبقى بعيدا كل البعد عن الخطاب الرباني القائل ( يا ايها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكونوا خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ولم لم يتب فأولئك هم الظالمون ) ولم يسمعوا قول الله تعالى الذي اذا ادركه المرء ابتعدت كل ما يعكر صفو باله ( يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم ) وأكثر ما يقلق المرء تتبع عورات العباد ومتابعة اخطائهم  ومن تتبع عورات العباد عاش قلقا لما يفوته من أخبارهم الى حد لا يهنئ في عيشه مع اهله وزوجته وعياله ولا في لقمة العيش التي يأكلها وفوق ذلك يعرض نفسه لمقت الله وغضبه وكشف المستور عنه فعن أبي برزة الأسلمي قال : نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق فقال ( يا معشر من آمن بلسانه . ولم يدخل الايمان قلبه , لا تغتابوا المسلمين , ولا تتبعوا عوراتهم , فأنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته , ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته ) والأعجب من كل هؤلاء من يدعي الإصلاح وهو قائم على حال سيئة فعن عبد الله بن عمرو قال : عجبت من الرجل يفر من القدر وهو مواقعه , ويرى القذاة في عين أخيه , ويدع الجذع في عينه , ويخرج الضغن من نفس أخيه , ويدع الضغن في نفسه , وما وضعت سري عند أحد فلمته على افشائه , وكيف ألومه وقد ضقت به ذرعا )  والمتتبع لما قدمت يجد أن هداة البال لا تشترى بالمال ولا تفقد بالفقر ولا حتى بالمرض العضال لأن العاقل هو من يرضى بما قسمه الله له فيشعر شعورا طيبا لا يمكن ان ينافسه عليه الا من كان على شاكلته لذا يروى أن احد العارفين بالله هو الجنيد كان يقول وهو فقير الحال ومشرد ومطارب من امراء زمانه : لو يعلم الأمراء وأبناء الأمراء ما نحن به من نشوة لجالدونا عليه بالسيوف , لأن هداة البال إحساس نفسي يعتري من عرف الطريق التي توصله الى مرضاة ربه  قال تعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) وكلما تنكر المرء لخالقه تعبت نفسه سئل الحسن البصري عن التذمر من قدر الله فقال : من قلة الرضى عن الله , قيل له : ومن أين أتى قلة الرضا عن الله ؟ قال من قلة المعرفة بالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *