مطانس فرح
(تصوير: وائل عوض)
شارك، مساء الثلاثاء (27-9-2011)، العشرات من المدعوّين والشخصيات السياسيّة والاجتماعيّة والناشطة البارزة، وذوو شهداء أيلول وغيرهم، في أمسيّة في مسرح "الميدان" في حيفا، إحياءً لذكرى شهداء أيلول 1961؛ الشبّان الحيفاويّين: جورج سليم شاما، جريس ذياب بدين، وريمون يوسف مارون؛ فايز سيّد أحمد (سخنين)، ومحمود عبد الله جبارين (أم الفحم)، الذين قتلوا بجريمة همجيّة وظروف غامضة.
وقد افتتحت الأمسيّة، وأشرفت على عرافتها الزميلة الإعلاميّة مقبولة نصّار، فقالت: "17 أيلول 1961 يوم لا يُمكن أن ننساه… وحيفا، اليوم، تتذكّر شهداءَها منذ النكبة وحتّى يومنا، تتذكّر شهداءَها الخمسة، كحدث نضاليّ مفصليّ، وتكرّم عائلات الشهداء الذين دفعوا – وما زالوا يدفعون – الثمن الأكبر في نضالات شعبنا… الرسالة من وراء هذه الأمسيّة هي رفضنا طيّ هذه الصفحة من تاريخ شعبنا قبل محاسبة القتلة".
وكانت الكلمة الأولى لروضة غنايم، عن ائتلاف 250 عامًا على تأسيس حيفا الجديدة، نيابةً عن المنظّمين، قائلة: "قرّرنا أن يكون هذا المساء إحياء لذكرى الشهداء عمومًا، وشهداء حيفا خصوصًا. هؤلاء الشهداء فارقوا الحياة وفارقوا أهاليهم، فدخلوا الغياب وأقفلوا الأبواب، ولكنّ موتهم فتح أبوابًا جديدة… أبوابًا للأجيال الواعية المتحدّية بالتصدّي لمنهجيّة القمع الممارَس علينا يوميًّا، لمعرفة الماضي والتاريخ، وللتعامل مع الحاضر بوعي أكبر! فنحن اليوم نحيي ذكرى الشهداء ونكرّم ذويهم… ونبقي أبواب الأمل مفتوحة لمعرفة الحقيقة "المخفية"… فلم ولن ننساهم".
وفي هذه الأمسيّة التي دعت إلى توحيد الذاكرة الجماعيّة، في ظلّ التعتيم على الحقيقة والشواهد التاريخيّة، وغياب المعلومات وسياسة القمع؛ كانت للدكتور جوني منصور مداخلة قيّمة جدًّا استهلّها قائلًا: "ممرّضة شابّة كانت قد تدرّبت خلال شهرين على إسعاف المصابين والجرحى، وفي أثناء قيامها بواجبها الإنسانيّ، في أحد الشوارع بالقرب من منزلها، وهي تسعف امرأة أصيبت بطلقة ناريّة، تسقط صريعة… جولييت نايف زكّة، هي الممرّضة الشابّة ابنة حيّ وادي النسناس الحيفاويّ، آخر شهيدة سقطت في حيفا عام النكبة؛ وكتب الكاهن، حينها، في الجهة المخصّصة لسبب الوفاة، في سجّل الوفيات: قُتلت برصاص اليهود! وفي اليوم الذي دُفنت فيه جولييت في مقبرة الروم الكاثوليك القديمة في شارع حيفا، هُجّر أهلها إلى المجهول!! ولم يزوروا قبرها منذ ذاك اليوم".
وأضاف: "ولم تتوقّف قوافل شهداء الوطن عن العبور في زمن القسوة والقتل والتنكيل، فما أفرزته نكبة عام 1948 لم يتمكّن الزمن من إقصائه عن عيون من عاش النكبة وما تلاها إلى يومنا هذا. لقد دمّرت آلة الحرب الصِّهيونيّة المجتمع الفِلَسطينيّ برمّته عام النكبة.
وإن كان حديثنا اليوم عن حيفا، مدينة الكرمل وعروس البحر، مدينة الانفتاح والعمل والأمل، فهي مثال لتدمير المجتمع الفِلَسطينيّ المدينيّ، وترحيله بشرًا وحجرًا؛ أمّا مَن بقي في حيفا من أبنائها، فتمّ تجميع غالبيتهم العظمى في حيّ وادي النسناس وسط إجراءات أمنيّة مشدّدة، وإغلاقات مستمرّة باعتبار أنّهم في عداد المشبوهين والأعداء! في حين أنّهم كانوا – إلى يوم واحد قبل سقوط مدينتهم – جيرانًا وأصدقاء وزملاء عمل لمنفّذي مخطّط التطهير العرقيّ.
هذا وقد اتّبعت السلطة المحلّيّة في حيفا، برئاسة رئيس البلديّة في حينه، "أبا خُوشِه"، وبعض المُوالين للسلطة، وحزب "مپاي" الحاكم، وحكومة بن غوريون، كلّ أساليب التضييق السياسيّ والقوميّ على العرب في حيّ وادي النسناس، وبقيّة مناطق الوطن.
فتوّلت حكومة بن غوريون كلّ الأساليب القمعيّة، كالملاحقات السياسيّة والاعتقالات ومراقبة تنقّل وتحرّكات الأهالي، وسياسات التمييز العنصريّ، من حرمان الشباب العربيّ من التعلّم والدراسة في المعاهد العليا، ومن حرمانهم من الوظائف والأشغال المركَزيّة، إضافة إلى مراقبة ما يقرأه العرب وما يستمعون إليه عبر المذياع… هؤلاء الّذين أتَوا هذه الديار عبر البحار، تمّ توفير المساكن لهم في مساكن أصحاب البلاد؛ أمّا أصحاب البلاد، أصحاب المنازل والأراضي، فقد نُظِّمت لهم مخيّمات لجوء في لبنان والأردن وسورية، وبعض المناطق من أرض هذا الوطن الغالي".
وعن وضع الشباب العربيّ الفِلَسطينيّ، قال د. منصور: "إنّ التمزّق والتفتّت والتشريد الّذي حلّ بشعبنا العربيّ الفِلَسطينيّ، كاد يُفقد شبّاننا وشبابنا أملهم في الحياة والاستمرار في النضال من أجل لقمة العيش. إلّا أنّ الربيع العربيّ العاصف في الخمسينيّات، نفح فيهم روحًا جديدة مليئة بالأمل والحبّ والتطلّع نحو المستقبل. الصوت العربيّ الدافئ الخارج حينها من حنجرة الرئيس العربيّ الراحل، جمال عبد الناصر، حرّك المشاعر والعقول والأجساد".
وعن شهداء حيفا، قال: "شهداء حيفا الثلاثة وشهيدا سخنين وأم الفحم، كانوا من هؤلاء الّذين تمسّكوا بأرضهم ووطنهم، وأصرّوا على البقاء، رغم الحكم العسكريّ المجرم واللئيم الذي فُرض على أصحاب هذه البلاد. بحثوا عن عمل يوفّر لهم لقمة عيش كريمة… وإن كانت إحدى الروايات المنقولة تقول إنّهم حاولوا عبور الحدود نحو مصر من غزة صحيحة، فإنّهم كانوا يبحثون عن الحرّيّة… وإن قيل عبر روايات أخرى إنّهم خالفوا القوانين فهم لم يكونوا أسرى القوانين العسكريّة المستعمرة. هذا ما حدث في الـ 17 من أيلول 1961، عندما خرج ثلاثة شباب في ربيع عمرهم من بيوتهم وابتسامة الأمل على وجوههم وعادوا إلى بيوتهم في أكفان".
وأضاف: "لم يكن ذلك اليوم عاديًّا في حياة المجتمع العربيّ الفِلَسطينيّ في حيفا، والناصرة وشفاعمرو وسخنين وأم الفحم وغيرها من القرى والمدن العربيّة، حيث اعترم الغضب الجماهير كافّة بشدة مع انتشار خبر استشهاد الشبّان، فالظروف القاسية والقاهرة التي كان يعيشها شعبنا الفِلَسطينيّ كانت كافية لإشعال نار الغضب.
لم يُقتل الشبّان الثلاثة عند غزة – وهذه رواية أخرى، تستوجب التحقيق والتدقيق. وجدت على جثثهم آثار تعذيب وتنكيل قد تكون سابقة لقتلهم أو لاحقة… الأمر بحاجة إلى تحقيق.. مَن قتلهم؟ أين الفاعل؟ وبأمر مَن وكيف وقعت الجريمة؟!.. وحتّى يأخذ التحقيق مجراه في حينه شيّعت جماهير غفيرة جثامين الشهداء من بيوتهم في حيّ وادي النسناس إلى كنيسة مار إلياس للروم الكاثوليك في شارع "عين دور" وسط أصوات احتجاجيّة ضدّ الحكومة، هذه الأصوات التي طالبت برأس هذه الحكومة – برأس بن غوريون، لأوّل مرّة.
ووزّع الحزب الشيوعيّ منشورًا دعا فيه الجماهير إلى التكاتف والتعاضد والوَحدة الوطنيّة، والتصدّي لسياسات حكومة بن غوريون العنصريّة. كما أنّ النائب البرلمانيّ عن الكتلة الشيوعيّة، طيّب الذكر توفيق طوبي، طالب بتشكيل لجنة تحقيق برلمانيّة فورًا.
وفي أثناء التشييع ألقى محامي الأرض والشعب، طيّب الذكر، حنّا نقّارة، خطابًا أشار فيه إلى أنّ مقتل الشبّان ليس عاديًّا، وقد جاء نتيجة سياسات مجحفة ضدّ المواطنين العرب. وقد أصرّت اللجنة الشعبيّة التي تشكّلت حينها على دفنهم في قبر واحد جنبًا إلى جنب، لكنّ مطران الروم الكاثوليك في حينه (المطران حكيم) رفض ذلك، فتمّ دفنهم في المقبرة الأرثوذكسيّة، مع توجيه اللوم الشديد إلى رجل الدين هذا وسواه من المتواطئين والمتعاونين مع حكومة بن غوريون".
واختتم د. جوني منصور مداخلته، قائلًا: "جنازات الشهداء في حيفا وسخنين وأم الفحم وحّدت صفوف أبناء الشعب الفِلَسطينيّ لأوّل مرّة بعد عام 48 على مختلف تيّاراتهم الفكريّة والسياسيّة. وإن كنّا، اليوم، قد اجتمعنا في هذا المساء، وفي حيفا، بلد الصمود، بلد الأمل، نحيي ذكرى شهدائنا الأبرار، فإنّنا، أيضًا، نكرّم أهالي الشهداء وذويهم على صبرهم وتمسّكهم بحبّ الإنسان والوطن، على تحمّلهم المصاعب والشدائد؛ فإنّنا من هذا المكان، وفي هذه اللحظة حصريًّا، ندعو ونطلب بإعادة التحقيق في كلّ ملابسات حادث استشهاد هؤلاء الشبّان الأبرار، وتقديمهم للمحاكمة كمسؤولين عن فعلتهم الإجراميّة هذه، كي تبطل الروايات وتنتهي التأويلات وتتّضح الحقيقة. علينا جميعًا، البحث عن الحقيقة، فهذا حقّ من حقوقنا، فدم أبنائنا لن يذهب هدرًا. والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار".
أما عبّاس زين الدين (أبو عصام)، الناشط الاجتماعيّ والشيوعيّ العريق، فحدّث الحاضرين كشاهد عِيان على تلك الأحداث، قائلًا: "أودّ، بدايةً، أن أوجّه كلمتي لذوي الشهداء.. أنتم لم تنسوا شهداءنا وشهداءكم.. ونحن هنا، دائمًا، على العهد. لقد كان هناك التفاف جماهيريّ واسع من جرّاء ما حدث وقد عمّ الجميع شعور بالألم والحسرة والغضب لما حدث. خمسون عامًا مرّت على الجريمة النكراء وما زال الملفّ مفتوحًا والجرح نازفًا. الجنازة الثلاثيّة تحوّلت إلى مظاهرة غاضبة عارمة لم تشهد مثلها مدينة حيفا، منذ النكبة الّتي حلّت بالشعب العربيّ الفِلَسطينيّ في هذه الديار."
وأضاف: "لقد شاع خبر اختفاء الشبّان الثلاثة من حيفا، بظروف غامضة، فأثار قلق الجميع وغضبهم إلى أن أتوا بهم جثثًا هامدة.. فكانت فاجعة. نزل الخبر كالصاعقة على الجميع… لم يرتكبوا جرمًا لكنّهم قُتلوا بدمٍ بارد من دون أن يحرّك المجرم له جفنًا!".
واستطرد قائلًا: "لقد كان للحزب الشيوعي وقيادته ولصحيفة "الاتحاد" – في حينه – الدور الأكبر والمصدر الأساس لنقل الأخبار والمعلومات ومتابعة القضيّة التي أشغلت وأقلقت بال المواطنين من أقصى البلاد إلى أقصاها! لقد تجنّد الحزب بكلّ كوادره، سياسيًّا وأدبيًّا وإعلاميًّا وقضائيًّا لكشف وفضح الجريمة، كما فعل بفضحه جرائم سابقة. إنّها جريمة نكراء.. هدفها ترهيب السكان.. شباب في مقتبل العمر، كبراعم اللوز والورد تتمزّق أجسادهم برصاص بعد عملية تعذيب وتنكيل تعرّضوا لها. لقد أرادت حكومة إسرائيل استفزاز الجماهير العربيّة في البلاد لخلق جوّ من التخويف والإرهاب والإذلال. ولكن الجماهير العربيّة تمسّكت بأرضها ووطنها أكثر، وقرّرت التشبّث بهما؛ لأنّه لا أرض ولا وطن لنا سواهما".
واختتم، قائلًا: "لقد انطلقت جنازة الشبّان من شارع قيساريّة إلى شارع الخوري، وعند تقاطع شارعَي الخوري ومار يوحنّا تلاقت النعوش الثلاثة، وتحوّل الموكب الجنائزيّ إلى نهر بشريّ، علا صوته ضدّ حزب "مپاي" الحاكم، مطالبين برأس بن غوريون، وسار الموكب الجنائزيّ يتقدّمهم رجال الدين وشخصيّات اجتماعيّة وسياسيّة مرموقة، معبّرين عن الغضب الجارف، خصوصًا بعدما شاهدوه من آثار التشويه والتنكيل والتعذيب على جثث المغدورين.. لتكن ذكراهم خالدة والنصر للجماهير المناضلة من أجل الحرّيّة والدمقراطيّة والمساواة ولمعرفة الحقيقة".
ثمّ ألقى الطفل الحيفاويّ بشّار سرور (8 سنوات) قصيدة لشاعرنا الكبير، محمود درويش، بعُنوان "وعاد في كفن"، كان قد كتبها على أثر استشهاد الشبّان الخمسة.
أمّا رجاء عمري فقد ألقت قصيدة كانت قد كتبتها عام 2003، وكذلك مطلعًا من قصيدة خاصّة بهذه المناسبة، مهداة إلى أرواح كلّ الشهداء، وخصوصًا شهداء حيفا الثلاثة، بعُنوان: "الشهداء أوّل العائدين"، وجاء فيها:
"حيفا.. رمل، ماء، نار
حيفا.. نهار، ليل، دار
ولحيفا ثلاثة أبواب..
عند باب الرمل تحبا حيفا وساع
شطّت.. حطّت.. نطّت.. طارت
عند باب الحلم تغفو حيفا
هامت في مدار الغيم،
صامت.. صلّت في مغار الشمع
عند باب الحبّ ذابت
سابت.. رقصت.. رقصت حيفا.. ولدت
ولحيفا ثلاثة أبناء!"
وقد تزامنت هذه الذكرى مع الاحتفاء بشهداء هبّة أكتوبر، الّذين لم يكونوا آخر الشهداء؛ فقد استشهد بعدهم ثلاثة وعشرون ضحيّة آخرون، في ظروف مختلفة، على خلفيّة عنصريّة أو خلال عمليّات دَهْم ومواجهات مع عناصر "الأمن".
فكانت الكلمة التالية للمحامي نضال عثمان من مؤسّسة "مساواة"، فقال: "إحياء الذكرى جاء لتوثيق ذاكرتنا الجماعيّة لشهدائنا ومآسينا، كما لبطولاتنا أيضًا.. فتاريخنا لا يحوي المآسي فقط، بل مليء بالبطولات، أيضًا. التوثيق مهم جدًّا… وأشكر كلّ مَن بادر إلى هذه الأمسيّة، وخصوصًا ائتلاف 250 عامًا على تأسيس حيفا الجديدة. لم أكن على دراية – قبل دعوتي إلى هذه الأمسيّة – بسقوط خمسة شهداء (ثلاثة من حيفا)، لذا التوثيق في مثل هذه الحالات مهمّ جدًّا".
وأضاف: "ضمن التطوّر التكنولوجيّ والإعلاميّ كان هناك توثيق لأحداث أكتوبر، ولكن لم يكن هناك توثيق كافٍ – في عُرف القانون الإسرائيليّ – لمحاكمة المجرمين الذين قتلوا شهداء أكتوبر. والأسوأ أنّه بعد أكتوبر 2000 ("سقط") ثلاثة وعشرون شهيدًا (قتيلًا) من ("عرب إسرائيل") قُتلوا برصاص ("قوّات الأمن") و("رجال الشرطة"). لم يتسلّلوا ولم يشاركوا في مظاهرات أو احتجاجات في الضفة وغيرها، بل هم مواطنون عزّل قد تمّ قتلهم بأيدي ("رجال الشرطة") الّذين من المفترض أن يحموا المواطنين لا أن يقتلوهم!"
واختتم حديثه، قائلًا: "عمليّة القتل مستمرة، ونحن – كمؤسسات – نتابع القضايا مع أهالي الشهداء والقتلى، ولكن – حتّى الآن – تمّ دَيْن شرطيّ واحد ووحيد بقتل "أبو سنّة" من باقة الغربية، وحُكم بستة أشهر سجن، لا غير!.. قَتل وحُكم بستة أشهر سجن حاول تحويلها إلى "أعمال لخدمة الجمهور". فهل نحن – مؤسساتٍ وناشطين – نقوم بواجبنا تجاه قضايانا.. غالبًا ما ننشغل بالمماحكات فيما بيننا أكثر ممّا نستثمر قوانا في البحث عن الحقيقة لدَيْن المجرمين، وتطوير العمل الوحدويّ، المِهْنيّ والجماهيريّ. هي دعوة من أجل "مَهْنَنَة" وتنظيم قوانا بشكل أفضل لنحرز النتائج. حيث يُمكننا أن نتّحد، معًا، ونفتح مثل هذه الملفات من جديد ونتابعها، ومركَز "مساواة" على استعداد لتقديم المشورة والمساعدة حتّى تتمّ محاكمة المجرمين".
وجاءت بعدها الفِقْرة الفنّيّة الملتزمة، للفنانة الراقية أمل مرقس، فأبدعت في غنائها من أشعار توفيق زيّاد، بصوتها المخمليّ الصافي.. بادئةً فِقْرتها الفنّيّة بأغنية "طال الفراق يا زمن"، ثمّ "سكابا يا دموع العين سكابا.. أخذوا أرضي ظلمًا واغتصابا"؛ لتغنّي – بعدها – من شعر توفيق زيّاد "اِزرعوني زنبقًا أحمر في الصدر وفي كلّ المداخل.. واحضنوني مرجة خضراء تبكي وتغنّي وتقاتل!" وأهدتها إلى روح الشهداء، لتختتم الفِقْرة الفنّيّة بأغنية "أكره سفك الدماء وصفّارات الإنذار" من شعر زيّاد، أيضًا.
وفي ختام الأمسيّة تمّ تكريم أهالي الشهداء، إحياءً وإجلالًا لذكراهم، واستمرارًا للمطالبة بمحاكمة القتلة. وإضافة إلى ذوي الشهداء الخمسة، المذكورة أسماؤهم سلفًا، تمّ تكريم ذوي الشهداء: سليم أبو كليب الذي قتل في مجزرة حوّاسة 1948؛ أسيل عاصلة (شهيد هبّة أكتوبر والأقصى) من مواليد حيفا وابن عرّابة وحيفا؛ وعماد خوري الذي قُتل على خلفية عنصريّة في تشرين الثاني عام 2007، وأُعلن عن القاتل، فورًا، أنّه "غير مسؤول عن أفعاله"! ونتذكّر – وكيف يمكننا أن ننسى – جوليانو مير – خميس الذي فقدناه هذا العام، روحنا الثائرة وشهيد الحرّيّة. نرفع لهم جميعًا، اليوم، تحيّة إجلال وإكبار.
هذا وألقى يوهانس برزخيان (ابن شقيقة الشهيد جورج سليم شاما) قصيدة من تأليفه لهذه المناسبة نيابةً عن عائلة الشهيد جورج شاما.
أمّا والد الشهيد أسيل عاصلة (شهيد هبّة أكتوبر والأقصى)، فقد دعا إلى بناء إطار قطريّ يحمل راية الشهداء، من أجل التوثيق ومتابعة التحقيقات، بالإضافة إلى إيجاد إطار قانونيّ لملاحقة ومعاقبة المجرمين. وقال معاتبًا: "تجربة القدس والأقصى أثبتت أنّنا نقصّر في اللحظات الحاسمة، ولا أخفيكم شعوري بخيبة الأمل من الوسط العربيّ وقيادته. لقد نسينا أنّ لجنة التحقيق لن تعمل إلّا تحت الضغط الجماهيريّ، وإذا غاب الضغط الجماهيريّ غابت الحقيقة، وهذا ما حصل في تحقيقات هبّة أكتوبر (القدس والأقصى). أخاف أن تندثر قصص الشهداء وألّا تجد الأجيال القادمة ما تعرفه عن هذا الوطن ومَن استشهد في سبيله. قد نُضطرّ إلى الخروج إلى المحاكم الدوليّة من أجل معالجة هذه القضايا؛ فدعونا نعمل معًا".
أما وديع شحادة، ابن أخت الشهيد ريمون مارون، فدعا إلى توثيق الذاكرة وجمع القصص والحقائق، والتوجّه إلى د. جوني منصور، ليروي له كلّ مَن يعرف عن الحادث أو سمع عنه لتوثيقه.. لمنع استمرار التمويه والتضليل.. واختتم، قائلًا: "علينا الاستمرار بمتابعة قضايا الشهداء.. لأنّ فِلَسطين ستبقى.. ونحن – شعبها العنيد – سيبقى!".
وقد قام كلّ من النائب مسعود غنايم؛ وروضة غنايم؛ ود. جوني منصور؛ وعباس زين الدين؛ بتوزيع الدروع على ذوي الشهداء المكرّمين.
وقد أجمع الحاضرون – في نهاية الأمسيّة – على ضرورة التوثيق ومتابعة القضيّة وملاحقة المجرمين حتّى الوصول إلى الحقيقة.