سعى دميتري مدفيديف أثناء توليه منصب الرئاسة الروسية إلى إطلاق حملة تحديث تخرج بالبلاد من الركود الذي اعتراها بعد الحقبة السوفياتية، غير أنه لم ينجح أبدًا في الخروج من ظل معلمه فلاديمير بوتين.
ومن المنتظر الآن أن يصبح مدفيديف أول رئيس يتولى الرئاسة لفترة واحدة في تاريخ روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، بعدما عرض ترشيح بوتين للانتخابات الرئاسية عام 2012، وإن كان من المرجّح أن يتولى هو رئاسة الوزراء.
وكان مدفيديف قد تولى الرئاسة في أيار/مايو 2008 ليصبح ثالث رئيس روسي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث تولى زمام الأمور في بلد يجهد للخروج من نمط اقتصادي عفا عليه الزمن، ويواجه حركة تمرد في شمال القوقاز وتراجعًا لدوره على الصعيد العالمي.
وتصدرت برنامجه التحديثي عبارات كانت الأكثر بريقًا التي يطلقها زعيم للكرملين قبل أن يهزأ منه المحللون والمدوّنون، باعتبار أن تلك العبارات لم تترجم في صورة افعال.
وكتب الصحافي الليبرالي ميخائيل فيشمان في مقال لاذع في صحيفة فيدوموستي اليومية "لم يرق مدفيديف إلى مستوى التوقعات، إذ ليس ما يشير من قريب او من بعيد الى انه نفذ ولو واحدة من المهام التي حددها، وبدلاً من ان نحصل على رئيس إصلاحي حصلنا على مدفأة مقعد".
وبينما كان الليبراليون والغرب يأملون ان تشهد رئاسة مدفيديف، 46 عامًا، تراجعًا لسيطرة الدولة وللتحجيم الذي شهدته الحريات المدنية خلال حكم بوتين، الذي استمر ثمان سنوات، لم يبد مدفيديف رغبة تذكر في الخروج من إرث سابقه.
لقد كان مدفيديف مسؤولاً مغمورًا في الكرملين قبل عام 2008 قبل ان يفوز بالانتخابات مدعومًا من جانب بوتين، وكان أول مرسوم يصدره فور توليه المنصب هو تعيين بوتين، الرئيس السابق، رئيسًا للوزراء.
غير انه كان خطيبًا مفوهًا في التعبير عن ضرورة تقدم البلاد الى الامام، حيث قال ان الاقتصاد الروسي بلغ "طريقًا مسدودًا" وبات بحاجة إلى إصلاح عاجل.
في إحدى خطبه المشهودة بدا وكأنه يقارن نفسه بالقيصر الإصلاحي الكسندر الثاني الذي اصدر عام 1861 مرسومًا بتحرير عبيد الارض وانتهى الأمر باغتياله.
كما قال مدفيديف "نسعى إلى تغيير اقتصادنا وتغيير نظامنا السياسي، إذ إننا نواصل نهجًا سياسيًا بدأ قبل 150 عامًا، والحرية لن تنتظر يومًا آخر!".
غير ان منتقديه يشيرون الى ان تلك الكلمات عديمة القيمة، نظرًا إلى أن روسيا ما زالت تخضع لهيمنة بوتين، فيما استبعد مدفيديف نفسه وجود أي خلاف جذري بين رؤيته ورؤية بوتين لمستقبل روسيا.
وقال مدفيديف في مقابلة مع صحيفة فينانشال تايمز في حزيران/يونيو "فلاديمير بوتين — زميلي وصديقي القديم — ما زلنا أنا وهو نمثل القوة السياسية نفسها".
وفي آذار/مارس، انتقد الرئيس مدفيديف رئيس الوزراء بوتين لتعليقاته غير الدبلوماسية بشأن الحملة الغربية في ليبيا.
لكن بعدما أدرك على ما يبدو أنه تجاوز الحدّ بكلامه، تراجع مدفيديف الى خطابه المعتاد عن الوئام، وسرعان ما ظهرت صورة له الى جانب بوتين في نزهة بالدراجات.
وكان مدفيديف، الذي درس المحاماة وتدرب عليها، قد التقى بوتين في مطلع التسعينات حينما عمل الاثنان في بلدية سان بطرسبرغ، مسقط رأسيهما. ويدين مدفيديف بمشواره السياسي بكامله لبوتين، رجل الاستخبارات السوفياتية (الكي جي بي سابقا).
فقد اخذ بوتين مدفيديف تحت كنفه الى موسكو بعدما عيّن رئيسًا للوزراء في عام 1999. وسرعان ما ارتقى مدفيديف الى منصب رئيس مجلس ادارة شركة غازبروم العملاقة للغاز، وأصبح أيضًا كبير موظفي الكرملين، ثم النائب الاول لرئيس الوزراء.
ولكن في تناقض واضح مع بوتين سعى مدفيديف إلى إبراز صورة مرحبة لبلد ما زال ينظر اليه بريبة في انحاء كثيرة من العالم، وعمل على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة.
غير ان وجهه الباسم في المحادثات مع الزعماء الدوليين بدا متناقضًا بشدة مع تصريحات شديدة اللهجة اطلقها احيانًا في الداخل في محاولة منه، كما يبدو للمزايدة على بوتين.
وحرصًا منه على ترك إرث له في روسيا امر مدفيديف بإنشاء هيئة تكنولوجية تجسد توجهه التحديثي في بلدة سكولكوفو خارج موسكو.
وكثيرًا ما يشاهد مدفيديف ممسكًا بفخر بجهاز الآيباد، الذي قدم له كهدية اثناء زيارته وادي السيليكون الاميركي. وقد شهدت رئاسته تزايدًا في نشاطات الروس على الانترنت، ما قد تكون له انعاكسات كبيرة مستقبلاً.
وكان من بين تحركاته الأكثر أثرًا تغيير حكام الأقاليم ذوي النفوذ القوي، ما أخرج العديد من اللاعبين الأقوياء محليًا من الساحة بعدما ظلوا في مناصبهم منذ التسعينات، ومن بين هؤلاء عمدة موسكو يوري لوجكوف.
كما أمر مدفيديف بدخول القوات الروسية إلى عمق الأراضي الجورجية في حرب عام 2008 مع تبليسي، وهو القرار الذي أضرّ في وقته ضررًا بالغًا بالعلاقات مع الغرب، وأصرّ الرئيس على أنه اتخذه بمفرده.
لكن الأمر الذي ربما يحمل مغزى رمزيًا كبيرًا هو أن أشهر سجناء روسيا — قطب النفط السابق ميخائيل خودوركوفسكي — ظل قابعًا في السجن، رغم الآمال بإفراج مدفيديف عنه إظهارًا لصدق تعهده بإنهاء الإقصاء القانوني في روسيا.
وقد ظهر الضيق على مدفيديف حينما قال بوتين بلا مواربة "اللص مكانه السجن" في إشارة إلى خودوركوفسكي — ومع ذلك تلقى خودوركوفسكي المدير التنفيذي السابق لهيئة يوكوس النفطية وخصم الكرملين حكمًا جديدًا بالحبس في العام الماضي، حيث من المنتظر أن يستمر مسجونًا حتى 2016.