مطانس فرح
تعليمات جديدة أصدرها المدير العامّ لوزارة التربية والتعليم، وتصل في هذه الأيّام إلى مديري المدارس والمعلّمين ومربّيات رياض الأطفال، تنصّ أنّه يُحظر، قطعيًّا، على المعلّمين والمعلّمات التوجّه إلى أهالي الطلّاب الّذين يعانون من فَرْط النشاط («هِيپِّر آكتيڤ») أو أيّ مشاكل سلوكيّة، والمطالبة بإعطائهم الدواء – «ريتالين»، الذي يعمل على تهدئة الأعصاب، ويقلّل من حركة الطالب، فيدفعه إلى مزيد من الانضباط!
وقد جاءت هذه التعليمات الجديدة في أعقاب وصول العديد من الشكاوى إلى المفتّشة القطريّة المسؤولة عن صحّة الطلّاب في وزارة التربية والتعليم، عيريت ليڤنني؛ وكانت أُخراها شكوى من مجلس سلامة الطفل، الّذي نَوّه فيها بأنّ المعلّمين يطلبون من الأهالي إعطاء أولادهم الدواء – «ريتالين»، بل يشترطون، أحيانًا، استمرار مسيرة ابنهم التعلّميّة بإعطائه الـ«ريتالين»، من أجل الحدّ من حركته وضبط سلوكه.
مجلس سلامة الطفل – والّذي أبرق برسالة عاجلة إلى المفتّشة ليڤني – نوّه بأنّ اشتراط المعلّم على الأهالي إعطاء أبنائهم الـ«ريتالين»، يؤكّد أنّ المعلّم خرج عن نطاق صلاحيّاته، ومنح نفسه صلاحيّات بعيدة كلّ البعد عن اختصاصه التربويّ والتدريسيّ. وعليه، يجب على الوزارة إعادة النظر في هذه المعضلة، وإلغاء التعليمات «القديمة»، ومنع استعمال هذا الدواء، قطعيًّا؛ لسبب الأضرار الصحيّة التي يُخلّفها على المدى البعيد!
هذا وقد رحّب رئيس مجلس سلامة الطفل، د. يتسحاق كدامان، بقرار الوزارة إلغاء التعليمات القديمة من خلال منع المعلّمين الطلب من الأهالي معالجة أبنائهم بالدواء – «ريتالين»، ومنعهم من اشتراط استمرار المسيرة التعلّميّة للابن بأن يعالَج بهذا الدواء أو بغيره. وقال د. كدامان: «هذا الدواء ليس أداة تربويّة أو دواءً سحريًّا.. بل إنّه من المُمكن أن يخلّف أعراضًا خطيرة تؤثّر في صحّة الطالب مستقبلًا!! والمخوَّل الوحيد إعطاء هذا الدواء هو الطبيب الاختصاصيّ، وليس المربّي أو المعلّم!».
وفي أعقاب هذا القرار الهامّ، وللوقوف على تأثير الدواء – «ريتالين»، في متعاطيه، ولاستيضاح أعراضه الجانبيّة، كان لي هذا الحديث الهاتفيّ مع الطبيب الحيفاويّ، د. رائد عبيد (اختصاصيّ طبّ الأطفال).رحبّ د. عبيد وبارك، بدايةً، بقرار المدير العامّ لوزارة التربية والتعليم، منع المعلّمين في المدارس من إلزام الأهالي إعطاء أبنائهم الدواء – «ريتالين»، مؤكّدًا أنّ المخوَّل الوحيد إعطاء الدواء – «ريتالين»، هو إمّا طبيب الأطفال وإمّا طبيب الأعصاب.
وأضاف في هذا الخصوص: «إنّ طبيب الأطفال يُمكنه إعطاء الدواء – «ريتالين»، حتّى 10 ملغم، أمّا طبيب الأعصاب (الـ«نويرولوچ») فمخوَّل أن يعطي الدواء بجرعات أكبر.. ولكنّ ذلك يتمّ بعد إجراء عدّة فحوصات خاصّة تؤكد أنّ الطفل يعاني، فعلًا، من اضطرابات في الإنصات والتركيز – "Attention Deficit Hyperactivity Disorder –ADHD".
وفي ردّ على سؤالي حول الأعراض الجانبيّة للدواء – «ريتالين»، أجاب: «تؤكّد الأبحاث الطبيّة الأخيرة أنّ تناول الدواء – «ريتالين»، لمدّة زمنيّة طويلة – حتّى إن كان ذلك بجرعات قليلة – يؤدّي إلى تغييرات غير متحوّلة في خلايا الدماغ! إذ تستعصي معالجتها!».
ويكمل د. عبيد حديثه، مؤكّدًا: «إنّ للدواء – «ريتالين» – بشكل عامّ – أعراضًا جانبيّة عدّة، ولكن يتفاوت تأثيرها من متعاطٍ إلى آخر.. ومنها: انعدام الشهيّة، انخفاض الوزن، الأرق، التغيّرات السلوكيّة؛ كما يؤدّي – في حالات معيّنة – إلى حركات لاإراديّة، وإذا لم تتمّ معالجتها في الوقت المناسب، تتحوّل لدى المتعاطي إلى ظاهرة!».
ويضيف د. رائد عبيد، محذّرًا: «هناك تقارير طبيّة من الولايات المتحدّة تُشير وتحذّر – في الوقت ذاته – أنّ تعاطي الدواء – «ريتالين»، يؤدّي إلى اضطرابات في الشوارد («الإلكتروليتات»: محاليل حمْضيّة وغازات) وفي سرعة نبضات القلب؛ كما قد يؤدّي إلى تغييرات في عضلة القلب. لذا يُطلب، اليوم، من كلّ مَن يتعاطى الـ«ريتالين» إجراء فحوصات دم مخبريّة، بشكل دائم؛ كما يُطلب منه إجراء رسم تخطيطيّ لكهرَبائيّة عمل القلب (إي.كي.چي.) للتأكّد من سلامة نبضات قلبه..!».
ويشير د. عبيد إلى أنّ الـ«ريتالين» يُمكنه أن يؤثّر كذلك في عمل الغدّة الدرقيّة! وردًّا على استفساري حول «سهولة» إعطاء الدواء لعدد كبير من الطلّاب، أجابني د. عبيد قائلًا: «أوافقك الرأي؛ فهذا الدواء يساعد – رغم أعراضه الجانبيّة العديدة والضّارة – على التركيز والهدوء، وخصوصًا لكثيري الحركة («هِيپِّر آكتيڤ») أو لأولئك الّذين يعانون من مشاكل في التركيز.
ويضيف: «لقد أصبح تعاطي الـ«ريتالين» تقليعة (موضة)؛ فلكي «تستريح» المعلّمة أو «يستريح» المعلّم خلال الحصّة الدراسيّة من «دوشة» الطالب، تنصح أو ينصح أهله بإعطائه الـ«ريتالين»».وفي ردّ على سؤال حول ما إذا كان هناك بديل للـ«ريتالين»، أجاب د. عبيد: «يُمكن الاستعاضة عن الـ«ريتالين» بـ«كونسيرتا»، مثلًا؛ حيث أعراضه الجانبيّة أقلّ ضررًا.
لكنّني – بشكل عامّ – أرفض إعطاء الـ«ريتالين» إلّا في حالات خاصّة جدًّا؛ فكما أسلفت، أعراضه الجانبيّة خطيرة.. وقد تكون خطيرة جدًّا!! لذا أستعيض عنه بـ«أوميچا 3» مثلًا، الذي يعمل على تنشيط خلايا الدماغ المركزيّة، من دون أعراض جانبيّة تُذكر، تقريبًا؛ لأنّه مركّب من عناصر نباتيّة! صدّقني؛ إنّ أغلبيّة الأطفال الّذين يوجّهونهم إلينا لا يحتاجون إلى الـ«ريتالين»».
واختتم د. رائد عبيد حديثه لصحيفة «حيفا»، قائلًا: «من المفضّل أن يكون العلاج طبيعيًّا، وأن يشمل دعمًا للطفل/الطالب.. كما أنّ هناك، اليوم، علاجًا نفسانيًّا بسيطًا للطالب يُمكنه أن يساعد بشكل كبير، كما يُمكنه أن يغيّر من مسار سلوكه خلال مدّة زمنيّة قصيرة نسبيًّا، من دون التسرّع بإعطاء «دواء السحر» – الـ«ريتالين»!!».
(تصوير: وائل عوض)