مطانس فرح
«أنا بحبّ الحياة».. و«أنا بحبّ الحياة».. و«أنا بحبّ الحياة» – بروح تفاؤليّة وإيجابيّة، وبإجماع نجوم المسرحيّة، اختتم العرض الأوّل لمسرحيّة «البيت»، الّذي دُعيتُ إليه والزميلة إيمان محاميد.
وإن كان نجوم المسرحيّة قد أجمعوا على أنّهم يحبّون الحياة، فالحضور – بدوره – أجمع على أنّه أحبّ «البيت». مسرحيّة «البيت» من إنتاج مسرح «الميدان»، تُحاكي جميع أفراد العائلة، تُعالج قضايا اجتماعيّة وعائليّة ونفسانيّة، واجهها كلّ منّا في مرحلة ما من مراحل حياته؛ فتستكشف صراعات وتناقضات ليست بالغريبة عنّا، ولكنّنا في معظم الأحيان نتغاضى عنها.
مسرحيّة «البيت» هي رحلة تبدو قصيرة في بيت «نعرفه» أو سمعنا عنه. القصة ظاهرها بسيط وجوهرها إنسانيّ، وشكلها الفنّي الإخراجيّ والأدائيّ يأخذنا إلى أبعادٍ إنسانيّة، تجعلنا نفكّر في سلوكيّاتنا تجاه بعضنا بعضًا.
ففي هذه المسرحيّة يبحث الابن، فرح (16 عامًا)، الشابّ الموهوب (المراهق)، عمّن يفهمه في «البيت»؛ فالأمّ مشغولة بـ«بوتيكها»، والأب يصبح عاطلًا مِن العمل ويلجأ إلى الكحول كـ«حلّ» لأزمته. تتأزّم العلاقة في البيت لتصل إلى العنف الجسديّ، ويلجأ فرح إلى صداقة عزيز، وهو ابن لعائلة ميسورة الحال تهمل ولدها و«تعوّضه» بالمال، فيلجأ إلى الكحول والمخدّرات، ويصحب معه فرح في رحلة الانزلاق!
بداية موفّقة وناجحة جدًّا لموسم جديد افتتحه مسرح «الميدان» بمسرحيّة «البيت»، ليدخل بعرضه لهذه المسرحيّة بيت كلّ واحدٍ منّا. لقد كان من الذكاء، فعلًا، اختيار مثل هذه المسرحيّة لافتتاح الموسم الجديد لمسرح «الميدان»؛ فقد حوت المسرحيّة عوامل وأدوات النجاح كلّها، بدءًا بديكور المسرحيّة البسيط والمُبهر، في آنٍ معًا؛ مرورًا بالموسيقى التصويريّة الّتي كان لها دور أساسيّ في المسرحيّة؛ وانتهاءً بالصوت والإضاءة.
وفعلًا، «تحكي» مسرحيّة البيت لغةً مسرحيّة جديدة، لم نعتَدها سابقًا! وقد برز ذلك بتميّز هذه المسرحيّة وتفرّدها بتداخل الجمل المسرحيّة وتشابكها ومزجها بمَشاهد مسرحيّة بسيطة ومركّبة معًا؛ من خلال الانتقال والتنقّل بين المَشاهِد، ما يُؤكّد ذكاء وحرْفيّة وبراعة المخرج.. فمزج مشهدين مختلفين – في آنٍ واحد – على خشبة مسرح، وربط الجمل معًا، ومزج حالتين، أحيانًا، وإظهار التناقض بينهما حينًا، مع الموسيقى الملائمة المصاحبة لكلّ مشهد؛ أثرى المسرحيّة وأضفى عليها بصمة إبداعيّة فنيّة خاصّة!
كشفت مسرحية «البيت» خبايا البيت بشكل دراميّ، ولكنّها لم تخلُ – في الوقت ذاته – من اللمسة الفُكاهيّة.. مسرحيّة مميّزة تُحاكيكَ وتشدّك طَوال العرض، بجميع عناصرها، فترفض مغادرة «البيت» بسهولة! أمّا بالنسبة إلى نجوم المسرحيّة، فقد أتقن كلّ منهم دوره ولعبه، بكلّ حرْفيّة ومهْنيّة وصدق؛ جعلك تصدقّه، فعلًا، وتعيش معه أحداث المسرحيّة..
وقد برز الممثّل الفنّان حنّا شمّاس بتجسيد دور الأب العاطل مِن العمل (دور دراميّ)، الذي أتقنه بكلّ حرْفيّة، فجعلنا ننسى أنّه «ترسّخ» في عقولنا كممثّل كوميديّ؛ وهنا برزت، فعلًا، قدرة شمّاس التمثيليّة وبرز تميّزه كذلك! – «براڤو».
ولا بدّ من الوقوف، أيضًا، على الشخصيّة التي لعبتها وأتقنتها جيّدًا، الممثّلة عَنات حديد، حيث جسّدت دور الأمّ بكلّ حرْفيّة. أمّا الممثّلان الرائعان، الشابّان المتميّزان، دريد لدّاوي وبشّار مرقس، فقد لعبا دوريهما – وبالأصحّ – عاشا دوريهما، وأضافا إلى «البيت» نفحةً شبابيّة مميّزة، بروح فكاهيّة؛ إذ جعلاكَ تتعلّق بهما وتتعاطف معهما.
على أمل أن تنجح مسارحنا، دائمًا، في اختيار إنتاج أو إحضار مسرحيّات ناجحة مكتملة العناصر كمسرحيّة «البيت»؛ فمسرح «الميدان»، يثبت ويؤكّد لنا بإنتاجاته واختياراته الأخيرة، أنّ باستطاعته تقديم الأفضل!
«البيت» – قصّة: رياض مصاروة. مَسْرَحة (دراماتورچيا): علاء حليحل. إخراج: منير بكري. تمثيل: عَنات حديد، حنّا شمّاس، دريد لدّاوي، وبشّار مرقس. ديكور وملابس: طالي يتسحاكي. تصميم إضاءة: فراس روبي. موسيقى: أكرم حدّاد وفراس روبي.
أحببت المسرحيّة واستمتعت بالعرض، فعلًا؛ فقد مرّ الوقت سريعًا جدًّا، ولم أشعر بأنّه حان موعد الانتقال من «البيت» إلى البيت.. وكأنّني لا أريد مغادرة «البيت»!