يستعد الكاتب الإماراتي الشاب ياسر حارب لإصدار أول عمل قصصي له بالتعاون مع أحد أشهر الروائيين العالميين وهو الروائي البرازيلي الكبير باولو كويلو، ويشتمل العمل الجديد لحارب على مجموعة من القصص التي تتناول التقاليد والتراث العربي.
وفي حوار له مع صحيفة "القبس" الكويتية أوضح حارب أنه اتفق مع الأديب العالمي باولو كويلو على إصدار كتاب لتغيير النظرة السلبية لدى الغرب عن أدباء المنطقة العربية، موضحاً أن الفكرة تتلخص في إصدار كتاب يحوي ثلاثين قصة قصيرة تتحدث عن المنطقة، بهدف تقديم الثقافة العربية إلى القارئ بمختلف لغاته حول العالم، حيث ستشتمل على العادات، والأدوات، والعمارة وغيرها من المكونات الثقافية لسكان الجزيرة العربية.
ومن المقرر أن يكون الكتاب جاهزا للنشر في بداية السنة القادمة وستتم إقامة حفل توقيع لكل من ياسر حارب وباولو كويلو، وسوف يصدر الكتاب باللغتين الإنجليزية والعربية بالتزامن، ثم ينشر بباقي لغات العالم التي ينشر بها عادة باولو كتبه.
يذكر أن الكاتب الشاب ياسر حارب يكتب مقالات أسبوعية في عدة صحف خليجية، وله إصداران أحداهما بعنوان "بيكاسو وستاربكس" يتصدر حاليا قائمة أكثر الكتب مبيعا في العالم العربي، والأخر بعنوان "لسان الطائر الأزرق" ومن المنتظر أن تصدر له أعمال أدبية أخرى.
وكان الروائي البرازيلي باولو كويلو قد قام بنشر قصة للكاتب الإماراتي ياسر حارب في موقعه الخاص، وتأتي هذه القصة ضمن 30 عملا مشتركا سيجمع كويلو مع حارب في مجموعة قصصية سيطلقها الإثنان في موعد لاحق.
ياسر حارب : لكي تعبر الصحراء..
كانت آثار قدمه اليُمنى تُمحى قبل أن يرفع قدمه اليسرى من الرمال؛ فقد حجبت العاصف الرملية أشعة الشمس وأحالت المكان إلى متاهة من الغبار الأبدي.
كان الشيء الوحيد الذي يبعث في قلبه الطمأنينة هو رسن ناقته الذي أمسك به جيداً وكأنه طوق نجاة. وعلى رغم صوت الرياح الذي يشبه عواء الذئب، إلا أن صوت أنفاس ناقته كان يريحه بعض الشيء. حدّث نفسه مراراً بإناخة ناقته والاحتماء بجسدها مثلما يفعل البدو حتى تمرّ العاصفة، ولكن أبوه قد قال له يوماً بأن العواصف هي رسالة الصحراء إلى عابريها بأنه عليهم المضي قُدُماً. لم يكن شيءٌ يقلقه غير فقدانه لناقته، ليس لأنه لن يستطيع عبور الصحراء دونها فقط؛ ولكن لأنها الكائن الوحيد الذي لا يملّ من الاستماع لثرثراته في الليل.
كان يمشي مغمض العينين، مفتوح القلب، مُطْرِقاً لصوت الريح الذي بدأ يعلو أكثر وكأنّ أحداً يريد أن يقول له شيئاً. كافح لكي يفتح عينيه ولكنه لم يستطع، فقرر أن يتوقف قليلاً ويحتمي خلف جسد ناقته ليتمكن من مسح الرمال العالقة على جفونه، وعندما فتح عينيه رأى نوراً يخترق الغبار من بعيد. ظل محدقا في ذلك النور حتى يحفظ مكانه، ثم أغمض عينيه وسحب ناقته باتجاهه. سار لعدة أمتار، وكلما اقترب من مصدر النور شعر بدفء يسري في جسده بهدوء. وعندما وصل، وجد واحة صغيرة تحفها بضع نخلات خجولات، وما أن دخل الواحة حتى انقطع صوت الريح وكأن الكون قد توقف عن التنفس فجأة. جال بنظره في المكان فرأى شيخاً عجوزاً قد أسند رأسه إلى إحدى النخلات وأغمض عينيه. اقترب منه فرآه مبتسماً وكأنه كان على علم بوصوله. فتح العجوز عينيه ببطء وقال له:
– مرحباً بك، لقد وصلت أخيراً.
نظر الفتى حوله خشية أن يكون هذا كمين قد نُصِبَ له، فابتسم الشيخ وقال له:
– لا تخف، ليس هنالك أحد، اجلس قليلاً.
جلس الفتى وقد تسمّرت عيناه على الشيخ الذي قال له:
– أعلم أنّك تُريد أن تعبر الصحراء. كلّنا نحاول فعل ذلك، وبعضنا يفعل ذلك دون أن يشعر. الصحراء هي قدر العربي يا بنيّ، فهي تحمله في داخلها أكثر مما يحملها في داخله، إلا أن بعضنا ينسى وجودها ظنا منه أنها سبب شقائه.
– أليست كذلك؟ أعني، لماذا تقسو الصحراء علينا كثيراً؟
– الصحراء لا تقسو بل نحن الذين لا نفهمها. فالصحراء مكان مقدّس، له شروطه، إلا أنها ليست حكراً على فئة من الناس، وكل من يخلّ بتلك الشروط لابد أن يشعر بالقسوة.
– وما هي تلك الشروط؟
– حسناً، لكي تفهم الصحراء عليك أن تنصت كثيراً حتى تسمع أكثر؛ فالصحراء لا تتحدث إلى الثرثارين. ثم عليك أن تُبقي عينيك مفتوحتين على الدوام، ولا تخف من العواصف؛ فقد تملأ الصحراء عينيك بالرمال إلا أنها ستملأ عقلك بالحكمة. وأخيراً، عليك أن تعلم بأن الصحراء ستُنصتُ إليك إذا تحدثت إليها ليلاً؛ لأنها تكون مشغولة في النهار.
– مشغولة بماذا؟
– بإرشاد القوافل التي تعبرها كل يوم. لا تظن يا بني بأن القوافل تعرف طريقها لأن بها دليل، بل لأن الصحراء تأذن لها بالمرور. فدليل القافلة هو شخص قد أتقن لغة الصحراء وفهم إشاراتها؛ ولذلك فإنه يعرف طرقاتها جيداً. دليل القافلة ينصت طوال الوقت حتى يعرف الطريق الصحيح، فكل الأصوات تسمع، إلا أصوات الحقيقة فإنها تُرى.
– وكيف أعبر الصحراء؟
– وقف الشيخ مكانه فوقف الفتى. أشاح بنظره إلى العاصفة التي تُحيط بالواحة ثم أشار بيديه إلى أكثر الجهات امتلاءً بالأتربة وقال للفتى:
– الصحراء تحترم الفرسان وتسمح لهم بالمرور، إلا أنها لا تحترم من يبحث عن البطولة منفرداً.
– لم أفهم!
– قمة الفروسية هي أن يساعد الفارس من يمشي إلى جانبه، وعندما ينطلق مجموعة من الفرسان لخوض معركة ما فإنهم لا يهزمون أبداً، حتى وإن ماتوا جميعاً؛ لأنهم يصيرون حينها أسطورة، وبعض الأساطير تكون ملهمة لمن تُحكى له إذا استطاع أن يؤمن بها فقط.
أن تموت مع صديق، خيرٌ من أن تنتصر وحيداً..
ادخل في تلك الدوامة وسوف تفهم ما أعني.
كانت أصابع الفتى تداعب رسن الناقة وقد امتلأت بالعرق. أخذ نفساً عميقاً وهو ينظر إلى حيث أشار الرجل العجوز. وبعد صمت قصير قاطعه حنين ناقته، قرر الدخول في الدوامة، وقرر أيضا أن يُبقي عينيه مفتوحتين كما قال له العجوز. مشى ساعة وقد اكتسى وجهه بالأتربة حتى بدا وكأنه مومياء قد قامت من قبرها، وفي وسط ذلك الإعصار الهائل، تذكر صوت والده:
– العواصف هي رسالة الصحراء.
“الجِمال تفهم لغة الصحراء” هكذا كان يعتقد، ولكن ما هي لغة الصحراء؟ ثم تذكر ما قاله الشيخ ” قمة الفروسية هي أن يساعد الفارس من يمشي إلى جانبه” وعندما نظر إلى ناقته اكتشف بأن عينيها وأنفها قد امتلأوا بالتراب وكادت تسقط من شدة التعب.
“كيف نسي بأنها لا تستطيع أن تمسح الرمال عن وجهها!” هذا ما قاله الفتى في نفسه..
فكّ عمامته من على رأسه وأخذ ينظف وجهها حتى تنفست الصعداء، وعندما أبصرت الناقة الطريق وأدركت المخرج الصحيح، انطلقت وهي تجرّ صاحبها إلى جانبها كي تحميه من الأتربة. وكلما سارا أكثر، تكسرت العاصفة على جسديهما وتقهقرت الرمال أمامهما.
بعد أن توقفت العاصفة، فتح الفتى عينيه ببطء فانهمر شلالٌ من الرمال على وجنتيه. نظر حوله، فلمح الشيخ يقترب منه مبتسما وهو يقول:
– لكي تعبر الصحراء عليك أن تواجه مخاوفك قبل أن تواجهك. ولكي تتغلب على مخاوفك فإنك تحتاج إلى صديق يخاف عليك أكثر مما تخاف على نفسك؛ فالخوف إذا وُزِّعَ على اثنين صار أقل رُعباً. تهاني لكما، لقد عبرتما الصحراء الآن.
– كيف ونحن ما زلنا في وسط الصحراء؟
– بالضبط، أنتما في قلبها، في أدفأ مكان يمكن للإنسان أن يكون فيه. اتجها شمالاً وسوف تصلان إلى المدينة بعد نصف يوم.
– يا سيدي.. قبل أن تذهب.. قُل لي كيف أعبر الصحراء مرة أخرى.
ابتسم الشيخ وقال للفتى مودعاً:
– ستعبر الصحراء إذا وجدتَ صديقاً يمكنك أن تشاركه نفس الحلم