يضع التصويت المرتقب على عضوية دولة فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام اختبار جديد، بعد تعرضها لانتقادات داخلية وخارجية حادة جراء فشلها في التعامل مع أزمة ليبيا، وعدم مشاركتها في الحملة العسكرية على نظام معمر القذافي.
وتجد ألمانيا نفسها الآن في مأزق تسعى للخروج منه بأقل الخسائر، فتصويتها المتوقع ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيثير انقساما جديدا مع حلفائها الأوروبيين – كفرنسا وبريطانيا وإسبانيا- المتعاطفين مع لجوء الفلسطينيين للأمم المتحدة، بينما تصويتها لصالح قيام دولة فلسطينية سيضعها في مواجهة حليفتها إسرائيل.
وكانت ميركل قد حذرت الفلسطينيين مبكرا من السعي للجوء لمجلس الأمن الدولي, ودعتهم للعودة إلى المفاوضات، وأكدت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مايو/أيار الماضي ببرلين أن حكومتها ستصوت في الأمم المتحدة ضد الاعتراف بدولة فلسطين، لأنها ترى فيه إجراء أحاديا لا يخدم عملية السلام.
حسابات ألمانية
وفي تطور لافت، حاولت ميركل في حديثها عن السياسة الخارجية لحكومتها أمام مؤسسة كوربر ببرلين إعطاء انطباع بأن بلادها لم تحسم موقفها من مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وقالت إن ألمانيا لم تتخذ قرارا نهائيا, وتجري موازنة صعبة للغاية، تركز فيها على عدم وجود تداعيات سلبية لما سيجري في الأمم المتحدة على مفاوضات السلام.
وقد ذكر السفير الفلسطيني في برلين صلاح عبد الشافي أن مصادر في الخارجية ودائرة المستشارية الألمانيتين أبلغته بعدم حسم برلين موقفها من التصويت في الأمم المتحدة، وأنها تفضل أن يتم ذلك في سياق موقف أوروبي موحد.
وقال عبد الشافي للجزيرة نت إن وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله أبلغ مسؤولي السلطة الفلسطينية -في زيارته الأخيرة لرام لله- أن موقف ألمانيا من مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية تحكمه أربعة محددات، هي تأثير الاعتراف على عملية السلام, ومنع الفلسطينيين من العودة للعنف، وتوافقه مع موقف أوروبي موحد، ومراعاته خصوصية العلاقة مع إسرائيل.
وكان فيسترفله اعتبر سابقا أن لجوء الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة يعد إجراء أحاديا وغير مفيد لعملية السلام. وذكرت تقارير صحفية ألمانية أن الوزير بات يميل ويروج لـ"الخيار الفاتيكاني"، كموقف وسط بين التصويت مع أو ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ويقوم هذا الخيار على منح فلسطين وضع المراقب، على غرار الفاتيكان، بدلا من العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
لا مفاجآت
وتوقع خبير ألماني بارز في قضايا الشرق الأوسط عدم حدوث تغير في الموقف الألماني الرافض للاعتراف، بالرغم مما ظهر في البرلمان والإعلام الألمانيين من تعاطف مع الفلسطينيين في لجوئهم للأمم المتحدة.
وقال مدير مركز آسيا وأفريقيا بجامعة ماربورغ الألمانية، البروفسور أودو شتاينباخ، إن رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيكرس الانقسام القائم في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه الشرق الأوسط، ويظهر عجز الأوروبيين عن تحقيق ما سعوا إليه في المنطقة في المدة الماضية.
وقال شتاينباخ -للجزيرة نت- إن رفض ألمانيا الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة سيكون له تداعيات سلبية على مصداقيتها في العالم العربي الناهض من جديد.
ورأى أن حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لن يكون ممكنا في ظل تهديد واشنطن باستخدام الفيتو في مجلس الأمن، قائلا إن منح الفلسطينيين صفة مراقب بالمنظمة الأممية سيتيح لهم تحسين وضعهم القانوني عالميا، ويزيد الضغط على إسرائيل.
جدل سياسي
وأثار سعي الفلسطينيين لنيل العضوية الكاملة جدلا داخل الساحة السياسية الألمانية، إذ أبدت أربعة من أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة تحفظها على هذا التوجه، بينما أيد حزب اليسار المعارض الاعتراف بدولة فلسطين بلا تحفظ.
وقال رئيس لجنة الخارجية بالبرلمان الألماني (البوندستاغ) روبريشت بولنتس -وهو عضو في الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم الذي تتزعمه المستشارة ميركل- إن عدم تبلور موقف أوروبي موحد سيكون له تداعيات خطيرة على الاتحاد الأوروبي, مبديا خشيته من أن "يستفز" الاعتراف بالدولة الفلسطينية إسرائيل، ويفضي إلى تشديد الحصار على الفلسطينيين.
من جهته، تساءل غونتر غلوسر -ممثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض في لجنة الخارجية بالبوندستاغ- عن كيفية التوصل لموقف أوروبي موحد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في ضوء رفض ميركل الاعتراف بها.
أما وزيرة الدولة السابقة بالخارجية الألمانية كريسيتن مولر، فقالت إنه بالرغم من التعاطف مع الفلسطينيين، يبقى التساؤل قائما عن مدى استيعابهم لتداعيات المواجهة مع الأميركيين بمجلس الأمن.
في المقابل وصف فولفغانغ جيركا -ممثل حزب اليسار بلجنة الخارجية في البرلمان- الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالخطوة الإيجابية، التي تتيح للفلسطينيين نيل اعتراف دولي بدولتهم دون اللجوء للعنف.