في سابقة قانونيّة فريدة من نوعها، وبعد تقديم التماس ضدّ بلديّة حيفا

مراسل حيفا نت | 19/09/2011

 

 

في سابقة قانونيّة فريدة من نوعها، وبعد تقديم التماس ضدّ بلديّة حيفا: المحامي الحيفاويّ سامر بشارة ينجح في إلزام البلديّة قبول طفلة لا تحمل الهُويّة الإسرائيليّة في إطار التّعليم الإلزاميّ

تقرر إيمان محاميد و مطانس فرح
تصوير وائل عوض

رياض الأطفال هي نقطة الانطلاق لبناء مستقبل الطفل، الّذي من الطبيعيّ رعايته بشكل تربويّ صحيح، وتوفير المُناخ الملائم لصقل وبناء شخصيّته. فمرحلة الطفولة تشكّل مرحلة هامّة للطفل والأسرة والمجتمع؛ لأنّها تكسب الطفل مجموعة من المهارات والسلوكيّات. كما أنّ أحدًا لا ينكر امتياز السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل عن بقيّة المراحل العمريّة في تكوين أساس يُبنى عليه جميع خصائصه الشخصيّة اللاحقة، جسمانيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا وخُلُقيًّا؛ ففيها تتبلور شخصيّة الطفل الإنسانيّة، وتوضع النواة والبذرة الأولى لتطويرها.. لذا تولي الدولة التربية والتعليم في المراحل المبكّرة اهتمامًا خاصًّا، ما يجعلهما ضمن نظام التعليميّ الإلزاميّ. ولكن السؤال الّذي نطرحه هنا: كيف يمكننا إبقاء طفل أو طفلة خارج إطار هذا التعليم الإلزاميّ من دون حلّ؟!

طفلة بلا هويّة!طفلة حيفاويّة تبلغ السادسة من عمرها، لم تدخل أيّ إطار تعليميّ تربويّ بعد!! رفضت البلديّة تسجيلها لأنّها لا تحمل جنسيّة!! والدتها فِلَسطينيّة (من نابلس) ووالدها حيفاويّ الأصل، ولكنّها مسجّلة في هُويّة والدتها، والدولة لا تعترف بوالدتها، وبالطبع لا تعترف بهذه الطفلة، ولأنّها لا تحمل جنسيّة لم يستطيعوا العثور على إطار تعليميّ يستوعبها، أيضًا!

أعاني الأمرّين!وتحدّثنا والدة الطفلة (إ.ع.) القاطنة في مدينة حيفا، قائلةً: «أنا فِلَسطينيّة الأصل (من مدينة نابلس)، متزوّجة بـ(خ.ع.)، حيفاويّ يحمل الهُويّة والجنسيّة الإسرائيليّتين، ونسكن حيّ الكبابير. أواجه مشاكل شتّى وصعوبات يوميّة لعدم حصولي على هُويّة وجنسيّة إسرائيليّة.. أعاني الأمرّين. هذا الموضوع المركّب هو سبب معاناتي اليوميّة، فلا يمكنني التصرّف بأيّ إجراء رسميّ أو أمر بلديّ/حكوميّ. لم أحظَ بعد بالجنسيّة ولم أحصل على الهُويّة الإسرائيليّة (الزرقاء)! أحلم بالحصول على هُويّة، كي أستطيع ممارسة حياتي اليوميّة، ولتحسين ظروفي الحياتيّة الصعبة، وللحصول على الخدمات المستحقّة من قبل الدولة، كما أنّ حصولي على الهُويّة يمكّنني من العمل والعيش بكرامة!».وتضيف: «فحسَب البيانات والمستندات، أنّا مسجّلة كفِلَسطينيّة لا أحمل الجنسيّة الإسرائيليّة؛ حاولت طلب المساعدة وتحصيل الحقوق ووجود عمل لكن من دون جدوى. أبحث عن عمل بأيّ ثمن، حتّى لو كان في مجال الخدمة داخل البيوت».

متزوّجة ولكن..!وتواصل حديثها قائلة: «أمام الله والناس أنا متزوجة بعقد شرعيّ، أمّا من الناحية المدنية والقانونيّة فالأمر غير ذلك، ورغم أنّ اسمي مدوّن في ملحق هُويّة زوجي لا أملك رقم هُويّة! وزارة الداخليّة لم تعترف – بشكل رسميّ – بعقد زواج المحكمة الشرعيّة. لِمَ لا يتمّ الاعتراف بالعقد، إن كانت المحكمة الشرعيّة معترفًا بها من قبل الدولة؟!! لماذا لا تقبل الدولة وثائقها وعقودها على أنّها رسميّة؟!! أعلم أنّه لا يُمكنني الحصول على الهُويّة والجنسيّة بين عشية وضحاها، ولكنّ كلّ توجّهاتي إلى وزارة الداخلية حتّى اليوم – ورغم أنّني أستحقّ الجنسيّة – باءت بالفشل!».

أخاف على ابنتيوتحدِّثنا عن تخوّفاتها من مستقبل ابنتها المجهول، قائلةً: «يسكنني خوف كبير، ورغم اشتياقي الشديد إلى عائلتي، أخاف زيارتهم خوفًا من عدم السماح لي أو لابنتي بالعودة إلى البلاد، كونها غير مسجّلة في هُويّة والدها، ولا تملك، أساسًا، رقم هُويّة؛ وكوني لا أملك أنا، أيضًا، هُويّة إسرائيليّة! أشعر بالألم، وتساورني مخاوف عديدة من كلّ ما يتعلّق بمستقبل ابنتي الغامض. ومن الجدير بالذكر أنّه رغم استصدار شهادة ميلاد لابنتي من مستشفى «رمبام» بحيفا، فهي غير مسجّلة في ملحق هُويّة والدها».وتضيف: «حاولنا توكيل محامٍ حيفاويّ في الملفّ (اسم المحامي محفوظ في ملفّ التحرير)، وعدنا بدوره مِرارًا وتَكرارًا بحلّ الموضوع أمام وزارة الداخليّة، ولكنّه – للأسف – أخذ منّا مبالغ ماليّة كثيرة، ولم ينجح في حلّ هذه القضية، بل كلّ ما قام به هو سلب الأموال منّا فقط، كما ألزَمنا توقيع مستند تبيّن، لاحقًا، أنّه يتضمّن نصًّا مُفادُه أنّه قام بعمله على أتمّ وجه؛ فلم يعد باستطاعتنا تقديم شكوى ضدّه!».

من دون إطار تربويّوعن المشاكل الّتي واجهت ابنتها تقول: «مع مرور الأعوام ومنذ بلوغ ابنتي عامها الثالث، بدأت بالتوجّه إلى قسم المعارف في بلديّة حيفا لهدف تسجيل ابنتي في إطار تربويّ وتعليميّ ملائم، ولكن لا حياة لمن تنادي!! فطالما أنّها لا تملك الهُويّة الإسرائيليّة، لا يُمكنها الانتساب إلى أيّ مؤسّسة تربويّة! جميع توجّهاتي إلى البلديّة كانت شفويّة، ولم تكن رسميّة أو موثّقة للأسف.. فلمدّة ثلاث سنوات وأزيَد، لم تكن ابنتي في إطار تربويّ وتعليميّ، وحُرمت من هذه المرحلة الهامّة في حياتها. الإهمال واضح من قبل المسؤولين، خصوصًا أنّ ابنتي كانت بحاجة ماسّة إلى الانتساب إلى إطار تعليميّ، لأنّها كانت تعاني وضعًا نفسانيًّا صعبًا، ولم يكن لديّ الأدوات اللازمة والطرق المناسبة لمساعدتها!».

أوضاع مأساويّة!وتستطرد دامعةً، قائلة: «نعيش ظروفًا اقتصاديّة صعبة جدًّا، ونعاني من مشاكل عدّة. زوجي لا يعمل، أعيش في جحيم يوميّ! يصعب وصف حجم المعاناة اليوميّة الّتي أعيشها وعائلتي.. ولكنّي أحتمل كلّ ذلك من أجل أسرتي وحفاظًا منّي على مستقبل  ابنتي. حاولت أن ألحق ابنتي بروضات خاصّة، لكنّي لم أستطِع تلبية المتطلّبات وتحمّل الأقساط الشهريّة لهذه الروضات، فمن أين يمكنني أن أدفع شهريًّا مبلغ 1500 شاقل؟! ولسبب عدم توافر مبلغ القسط الشهريّ، اضطُرّت ابنتي إلى الجلوس في البيت! ورغم رعايتي وحبّي وحناني لها، كانت تشعر بفراغ وتفتقد إطارًا تربويًّا يضمّها ويمنحها المهارات الأساسيّة في حياتها».

بلديّة حيفا لم تتعامل بشكل جديّ!وتختتم حديثها قائلة: «أعتقد أنّ بلديّة حيفا امتنعت عن التعامل مع قضية ابنتي  بشكل جِدّيّ. لسنوات لم تكن ابنتي ضمن أيّ مظلّة تعليميّة تربويّة تؤهلها للمرحلة الأساسيّة. هذه مشكلة خطيرة جدًّا، أدّت بي إلى فقدان الأمل في أن تنتسب ابنتي إلى أيّ مؤسّسة تعليميّة، خصوصًا أنها بلغت السادسة من عمرها، ما يُلزم إدخالها إلى إطار تعليميّ».وتتابع والدموع تنهمر من عينيها، قائلةً: «صعوبات الحياة والوضع المأساويّ الّذي أعانيه أثقلوا كاهلي، ولكن لا مفرّ. سأصمد، فأنا لا أطلب المستحيل، فعدا حصولي على عمل  وتوفير التعليم لابنتي والهُويّة والحقوق الأساسيّة الّتي تمكّننا من العيش بكرامة،  لسنا بحاجة إلى أيّ أمر آخر. فقدت الأمل في إيجاد الحلول..».

وتغيّر الأمر..!وببصيص من الأمل والتفاؤل أنهت حديثها قائلة: «مؤخّرًا، حصلت معي أمور مفاجئة، وحتّى هذه اللحظة أشعر كأنّني أحلم.. فلم أتوقّع – بعد أن كنت فقدت الأمل – أنّ تدخّل المحامي الحيفاويّ سامر بشارة، سيقلب الأمور ويبعث على الأمل..! فقد استطاع – بقرار من المحكمة – إلزام بلديّة حيفا تسجيل ابنتي لتنتسب إلى الإطار التربويّ التعليميّ المناسب!».

وللوقوف على القضيّة ومواكبتها من الجهة القانونيّة والقضائيّة، قصدت صحيفة «حيفا» مكتب المحامي سامر بشارة، لإطلاعنا على التغييرات الّتي استطاع إحداثها – وخلال أيام معدودة – ونجاحه في استصدار قرار محكمة لمصلحة عائلة (ع.)، يلزم البلديّة تسجيل الطفلة في إطار تربويّ!لقد استطاع المحامي سامر بشارة تحقيق النجاح بتسجيل سابقة قانونيّة ضدّ قسم المعارف في بلديّة حيفا، باستئناف قدّمه إلى المحكمة المركزيّة في حيفا، في شهر آب المنصرم، ألزمت – من خلاله – بلديّة حيفا إيجاد إطار تربويّ، وبسرعة، للطفلة (ح.ع.) في حيّ الكبابير. فقد أفلح بشارة في إقناع المحكمة المركزيّة بأهميّة وجود الطفلة – وسريعًا – ضمن إطار تربويّ تعليميّ.. وبالفعل – ومع بداية السنة الدراسيّة الحالية – تمّ تسجيل (ح.ع.) – بعد سنوات من المعاناة والانتظار – في مؤسسة تعليميّة!

الواقع مأساويّ والدافع إنسانيّ!ويحدّثنا المحامي سامر بشارة قائلًا: «قصدتني عائلة (ع.) وأطلعتني على موضوع ابنتها الّتي كانت – ولسنوات عديدة – خارج أيّ إطار تربويّ تعليميّ. طلبوا منّي تسلّم القضيّة والترافع عنهم. هذا وإنّ الدافع الإنسانيّ والواقع المأساويّ الّذي تواجهه هذه الطفلة خصوصًا، وهذه العائلة عمومًا، حضّاني – ومن دون أيّ تردّد، وبشكل سريع – على تكفّل هذه القضيّة، الّتي هي قضيّة إنسانيّة بالدرجة الأولى».

وبعد أن درس المحامي بشارة القضيّة، توجّه إلى بلديّة حيفا، مدّعيًا: «لا يمكن القبول بوضع الطفلة والسكوت عليه، فلا يمكنها أن تكون خارج إطار تربويّ تعليميّ، والمسؤول عن هذا الأمر، أوّلًا وأخيرًا، هو بلديّة حيفا؛ فهي مكلّفة تطبيق قانون التعليم الإلزاميّ، لذا من حقّ الطفلة أن تلتحق بإطار تعليميّ، ومن حقّ أهلها الحصول على حلّ جذريّ! خصوصًا بعد توجّهات الأهل العديدة إلى البلديّة لإيجاد حلّ لمشكلتهم».هذا وقد ادّعت بلديّة حيفا أنّه لم يصلها أيّ توجّه في خصوص هذه الطفلة، كما أنكرت أنّ والدة الطفل وزوجها كانا قد توجّها إلى موظّفي قسم المعارف في شارع «ماركوس 9»، (الأسماء محفوظة في ملفّ التحرير) مطالبين بحلٍّ لمشكلتهم، وكان جوابها في الأخير: بما أنّ الطفلة لا تملك جنسيّة إسرائيليّة ولا هُويّة، لا يمكننا تسجيلها»!

بلديّة حيفا: لم يتبيّن أنّ أحدًا قد توجّه إلى البلديّة!ومن جهتها تقول المحامية الموكّلة من قبل بلديّة حيفا: «لقد تمّ فحص موضوع تسجيل الطفلة، ولم يتبيّن أنّ أحدًا قد توجّه إلى البلديّة. نطلب التوجّه إلى مركَز التسجيل في شارع «ماركوس»، وفي حال تقديم الوثائق الوافية عن هذا الموضوع سيتمّ تسجيل الطفلة»!

لا علاقة لموضوع الهُويّة والجنسيّة الإسرائيليّة!أمّا قرار القاضي أليكس كيساري، في خصوص هذا الالتماس، فجاء كالآتي: «من خلال ردّ بلديّة حيفا على الموضوع، من الواضح أنّه لا علاقة لموضوع الهُويّة والجنسيّة الإسرائيليّة بتسجيل الطفلة للروضة أو المرحلة التمهيديّة. الحديث يدور عن خلل معيّن، ولذلك يجب تصحيح ذلك، وضمّ الطفلة تحت مظلّة التعليم الإلزاميّ».

هذا وقد أشارت موكّلة البلديّة إلى أنّها ستصدر تعليماتها إلى المسؤولين عن هذا الموضوع، للعمل وفق قانون التعليم الإلزاميّ.وأضاف كيساري: «لا أرى أنّ هناك صعوبة في تسجيل الطفلة للمرحلة الإلزاميّة، وفي حال أنّ الموضوع انتهى على نحو إيجابيّ وانتسبت الطفلة إلى إطار تربويّ ملائم – كما يتبيّن من التزام البلديّة حلّ الموضوع – سيمّحي الاستئناف الموجّه ضدّ البلديّة، وفي حال أنّ البلديّة لم تحلّ المشكلة، فستستمرّ معالجته حتّى البتّ في الموضوع».

وأضاف المحامي بشارة: «في البداية قدّم، أيضًا، التماس ضدّ وزارة المعارف، ولكن استنادًا إلى ردّ وزارة المعارف على الموضوع، تمّ محو هذا الالتماس وإلغاؤه».
لكلّ منّا هدف أو أكثر يطمح   إلى تحقيقهويختتم بشارة حديثة لصحيفة «حيفا» قائلًا: «لا شكّ أنّ لكلّ منّا هدفًا أو أكثر، يطمح إلى تحقيقه في رحلته الحياتيّة. ومن أرقى الطموحات المشروعة أن يلتحق طلّابنا وأبناؤنا بالمدارس والأطر التعليميّة، وأن يعملوا على النجاح في هذه المسيرة التربويّة، فالمستقبل المشرق يتألّق بتألّق الأجيال. ولكن من أجل تألّق طلابنا وأبنائنا يجب أن نمتلك الأدوات الّتي تمكّنهم من ذلك النجاح والتألّق، وعلينا مساعدتهم قدر الإمكان في حال مواجهتهم أيّ مشاكل؛ تمامًا كما طمحت عائلة (ع.) – أن تلتحق ابنتها بإطار تعليميّ مناسب يوفّر لها اكتساب المهارات.

وقد استجابت المحكمة، وبإصدار قرار نهائيّ ملزم، لضرورة التحاق الطفلة الحيفاويّة (ح.ع.) بإطار التعليم الإلزاميّ. لقد استجابت المحكمة لطلبي في خصوص إيجاد إطار تربويّ في حيّ الكبابير مع بداية العام الدراسيّ، من دون أن تكون لذلك أيّ علاقة بالخلفيّة العائليّة المركبّة وموضوع الجنسيّة والهُويّة الإسرائيليّتين.. فوفق قانون التعليم الإلزاميّ، يجب عدم مسّ الحقّ الأساس في تعليم أيّ طفل أو طفلة في هذه الدولة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *