يعد قصر الثقافة والعلوم أعلى مباني بولندا بإرتفاع 230 مترا وبضع سنتمترات يقع بوسط العاصمة وارسو في ساحة تعرف ب(دفلاد).صممه المعماري السوفيتي لف رونيف (1885_1956) بطريقة هندسية تجمع بين الاشتراكية والنزعة التأريخية البولندية كهدية من الشعب السوفيتي بشخصها جوزيف ستالين(1878_1953) الى الامة البولندية وقد تجول رونيف وقتها بين المدن البولندية ومن بينها كراكوف وزاموش للإطلاع على فنون العمارة وفيما بعد قدم تصاميمه الثلاث ليقع الاختيار على إحداهم والذي تبلور فيما بعد الى قصر الثقافة والعلوم.
استغرقت عملية بنائه ثلاثة سنوات (1952_1955) بمشاركة 3500 عاملا سوفيتيا تشير الاحصائيات الرسمية الى ان 16 منهم لقوا حتفهم في حوادث عرضية خلال فترة العمل.
بعد وفاة جوزيف ستالين بيومين اتخذ مجلس الوزراء البولندي قرارا بإطلاق تسمية قصر ستالين للثقافة والعلوم على الصرح المستقبلي اعترافا بالجميل لكنه, اي القرار, لم يدخل حيّز التنفيذ ليحتفظ القصر بتسميته الحالية.
بُعيد سقوط المنظومة الاشتراكية في دول اوربا الوسطى والشرقية 1991 بدأ الحديث عن جملة اصلاحات في الانظمة السياسية والاقتصادية لهذه الدول كادت تطيح بهذه التحفة المعمارية وبالتحديد حين نوقشت فكرة تمهد لإنقراضه من الحياة الوارشوية لكن استحالة هدمه ادى الى عزوف المسؤولين عن تلكم الافكار ,بالاضافة الى مارصدته الحكومة وقتئذ من اموالا طائلة لذات الغرض لكنها لم تكف.
ينقسم الوارسّّويون,اي سكان العاصمة, بين مؤيد ومعارض في مسألة بقاء او زوال هذا الصرح الشامخ , فيرى السيد ميخائيل ريشجارد (استاذ الاداب البولندية في جامعة وارسو) ضرورة ازالته لما يحمله من ذكريات موجعة تركها ستالين في حياته وحياة كثيرين,حسب مايذكر, فيما يُصّنفه السيد بيوتر كوزوفسكي (أستاذ التأريخ البولندي في جامعة وارسو) في طليعة فن المعمار البولندي معتبرا اياه رمز وارسو الاول الذي لاغنى عنه, ويواصل, الحكومات تتعاقب اما الوطن فباق ولو قمنا بتهديم مابناه الاولون لأضحت مُدننا قاحلة. فيما تعلق الطالبة ايفا جميتسكا بأن بقاءه او زواله امرا ليس موضع جدل لديها.
على الرغم من المواقف المتباينة حيال القصر الا ان كثرة المعارضين للحقبة الشيوعية تميل الى إختلاق افكار غرضها النيل من صيته الشائع والتي تكللت فيما بعد ببناء فنادق شاهقة وأبنية عالية حوله لحجب الانظار عنه والتي تجذب السواح من على بُعد آلف الامتار.
في العام 2007 تمت المواقفة على تسجيل قصر الثقافة والعلوم كأحد الاثار التأريخية في بولندا لكن محتجون رفعوا رسالة الى رئيس الدولة معتبرين ان المضي في قبول هكذا قرارات ماهي الا محاولة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء منددين بوجوده كأحد بقايا رموز الاستعباد البولندي تحت حكم الامبراطورية الروسية, الا ان السيد يوليوش فاندلات من المركز الوطني للبحوث والاثار يرى في المبنى هوية بلده القومية ويصعب ايجاد تلكم اللمسات السحرية المتجسدة في جدرانه الفسيفساء وزجاجه التي ابدعها المعماري البولندي جون بوكوسلافسكي(1910_1982), في بقية دول الاتحاد السوفيتي ويساند هذا الرأي السيد انجي توماشكوفسكي من المركز الوطني المعني بحماية التراث الثقافي.
ويعود بعض الباحثون والمؤرخون البولنديون الى فترة ماقبل الحرب العالمية الثانية في إثبات ان الشروع بإنشاء قصرا للثقافة والعلوم كانت من بنات افكار المعماري البولندي يونوش نوكورسكي(1887_1944) موثقين رأيهم بتصميم قدمه الاخير الى عمدة وارسو في المتحف الوطني سنة 1934 تحت تسمية (قصر الاستقلال) في اشارة الى نبذ التدخل الخارجي المتمثل بالمانيا أحيانا والاتحاد السوفيتي احايين اخرى. جدير بالذكر ان بولندا اختفت من الخارطة الجغرافية لفترة اكثر من قرن (1815_1918) نتيجة تشتت اراضيها بين النمسا وبروسيا وروسيا بعد هزيمة نابليون وهو ما عمّق الشعور بوطن مفقود ادى الى تطرف بعض مواطنيه بالذوذ عن ترابه.
يبلغ ارتفاع المبنى الفعلي 187 مترا قبل ان يتم اليه اضافة برج بث اذاعي واتصال تلفوني . يتألف من 42 طابق اما عدد الغرف الكلي فيبلغ 3288 .يُقال ان مايستهلكه القصر من طاقة تكفي في تغذية مدينة صغيرة بأكملها وهو يساهم في توفير 330 فرصة عمل. المساحة الكلية تقدر 123,084 مترا مربعا ويزين الحجر الرملي مظهره الخارجي.
في عام 2000 كُشف النقاب عن ثاني اكبر ساعة في اوربا بقمة القصر وثاني أعلى برج ساعة في العالم (بعد ساعة بتي تي دكومو الشهيرة في طوكيو) بطول 6 امتار لكل وجه من أوجهها الاربعة.
حديثا قررت ادارة المبنى اقامة شبكة حديدية على شرفة المراقبة والاستنظار ذات الإرتفاع البالغ 114 مترا للحد من سلسلة الحوادث الانتحارية المتعاقبة التي دّشنها فرنسي ومن بعده سبعة بولنديين رموا بأنفسهم ارضا من على متنها.
يُقّدم أداريو قصر الثقافة والعلوم خدمات عديدة للزبائن ابرزها غرف استقبال كبيرة لتنظيم كرنفالات او مهرجانات ذات السلالم الرخامية وثريات الكرستال ومظاهر كلاسكية من حقب تأريخية مختلفة , أضافة الى مسارح ودور عرض وقاعة مؤتمرات كبيرة مع ملاحقاتها تسع لأكثر من 2800 شخصا على ثلاث مستويات وتوفر فرصا للاستمتاع بالاكسسوارات من صوت وإضاءة وغيرها من المعدات.
يُزين نصبا العالم الفلكي ميكاواي كوبرنيكوس (1473_1543) والاديب البولندي الشهير ادم متسكيفش (1798_1855) بوابة الدخول الرئيسة اضافة الى تماثيل اخرى يلتصقن بالجدران الخارجية للمبنى ويضفينّ طابع الاممية الشيوعية التي تحاكي حقبة ماضوية مزدهرة نشهد تدهورها اليوم , فأستعراض الفرد الافريقي بزيه التقليدي وكذا الاسيوي والصيني والسوفيتي والبنت العربية كلها دلالات سعت,ولازالت,الى لملة شمل البشرية والتركيز على القواسم المشتركة التي تربطهم لعل ابرزها الضمير الانساني المؤمن بمبدأ المساواة وقيم العدالة الاجتماعية.
بقي لنا القول ان مرور اكثر من 55 عاما على بناء قصر الثقافة والعلوم جعل منه شيئا ماضويا انسى كثيرين ذكريات موجعة تعرضوا لها خلال الحرب العالمية الثانية وماتلاها ,فيما ينصّب جهد شبيبة بولندا اليوم على اقامة كرنفالات ومهرجانات عديدة بالقرب منه ابرزها اعياد رأس السنة الميلادية وحفلات لكبار المغنين غير مكترثين بما يردده الكبار من انتقاد لاذع تجاهه ليعطينا تنبؤا في ازدهاره مستقبلا وبقاءه دوما رمزا للإنسان في كل بقاع الارض.