الثبات على الخير في زمن الفتن بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 19/01/2022

الثبات على الخير في زمن الفتن

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

لا يخفى على احد ان النفوس تتوق الى الراحة والطمأنينة لذا تجد المرء يجد ويجتهد كل عمره لتحقيق هذه الغاية وقد يغيب عنه انه في كل يوم قد يصبح على شأن آخر وبحال آخر وأمام تحديات جديدة ما عهدها من قبل فيمر العمر وهو على نفس الطريق ولكن قد تتغير مشيته وكل ذلك وفق العقبات التي قد تعيق الإسراع في تحقيق الغايات التي حددها لنفسه , من بيت يأويه وزوجة أو زوج يستر عليه , ومنعة من أولاد وأحفاد  , بل وقد يزيد في عطائه ليوفر لأحفاده الراحة فينقضي العمر وهو على حاله  وقد مثل لذلك رسول الله حين خط خطا فقال : هذا الانسان , وخط خطا بعيدا عنه فقال : هذا الأمل , وخط خطا قريبا من الأول وقال : هذا الأجل , فبينما هو كذلك إذا جاءه الخط الأقرب , أي يأتيه الأجل دون أن يحقق امنياته , وحتى لا ينقضي العمر دون أن يترك المرء في دنياه بصمة تحسب له ودون أن يعمر آخرته فعليه أن يسارع في الخيرات وأن يكون صاحب مبادرات قال تعالى ( وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) وقد حث الرسول على ضرورة المبادرة لأن دوام الحال من المحال فالقوي قد يصبح ضعيفا والغني قد يصبح فقيرا والسليم المعافى في جسمه وعقله قد يفقد من صحته ما يحول بينه وبين الطاعات والمبادرات وإن لم يكن هذا وذاك فإن مفرق الجماعات سيضع الخط النهائي لكل عامل في هذه الحياة الدنيا لذا قال رسول الله ( بادروا بالأعمال سبعا , هل تنتظرون إلا فقرا منسيا , أو غنى مطغيا , أو مرضا مفسدا , أو هرما مفندا , أو موتا مجهزا , أو الدجال فشر غائب منتظر , أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) ومعنى ذلك ان أسباب الانشغال عديدة  فقد يصبح فقيرا فينشغل في طلب لقمة العيش ( كاد الفقر أن يكون كفرا ) يروى أن أحد العلماء أعد أربعين مسألة لتدريسها وهو يستعد لذلك يقول له أحد اهل بيته : نفذ الدقيق من بيتنا . فقال : قاتلك الله لقد اعددت أربعين مسألة فطارت جميعها  , فكيف سيكون حال الفقير الذي لا يجد ما يسد رمقه من مأكل ومشرب ,وقد تجد فقيرا عابدا يفتح الله عليه من أبواب الرزق فيفتن بما اوتي وينسى خالقه ورازقه ويقول كما قال قارون ( قال إنما أوتيته على علم عندي , أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) فأما قارون فكانت نتيجة كبريائه ( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ) فليعتبر العقلاء من قارون فلا يقفوا موقفا مشابها لموقفه فتنزل بهم العقوبة التي تحجزهم عن فعل الخيرات , وفي رواية أخرى يقول رسول الله ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم , يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا , أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا , يبيع دينه بعرض من الدنيا ) ومعنى ذلك أن المبادر والمسارع في الخيرات والطاعات وبكل ما من شأنه أن يساهم في عمارة الكون لا يمكن ان تؤثر فيه الفتن التي قد تفسد العقل والضمير والوجدان وترسخ الفساد والدمار من اجل القليل من المال او من اجل مركز اجتماعي او منصب لم ولن يدوم لأحد وقد كان الرسول الكريم القدوة الحسنة في العمل الصالح لأنه على خلق عظيم قال عقبة بن الحارث : صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة العصر , فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس الى بعض حجر نسائه , ففزع الناس من سرعته , فخرج عليهم , فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته قال ( ذكرت شيئا من تبر عندنا , فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته ) أي كان في بيته بعض الذهب من الصدقة فبادر واسرع في توزيعه خوفا من أن ينشغل عنه فتبقى هذه الصدقة في بيته , وكلما كان المرء اقوى في العطاء وأقوى في العمل كانت بصمته اعمق وأجره اكبر لذا قال ربنا على لسان بنت شعيب ( يا أبت استأجره خير من استأجرت القوي الأمين ) وعن أبي هريرة انه قال : قال رسول الله ( المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . احرص على ما ينفعك , واستعن بالله ولا تعجز, وإن اصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل , فإن (لو )تفتح عمل الشيطان )  ومن توجيهه لأصحابه ما رواه أبو هريرة أن رجلا جاء الى النبي فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا ؟ قال ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر , وتأمل الغنى , ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم . قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان كذا , وقد كان لفلان ) وبقدر قوة المبادرة يكون العبد اقرب من رضى ربه ( قال رسول الله فيما يرويه عن ربه جل في علاه أنه قال ( اذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت اليه ذراعا , وإذا تقرب الي ذراعا تقربت منه باعا , وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ) 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *