الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى
الرئيس الروحيّ لرعيّة الروم الكاثوليك
مقدّمة
الجماعة الروحيَّة هي مجموعة أشخاص ملتزمين بتعاليم المسيح، يجمعهم هدفٌ سامٍ، ومبادئ روحيَّة مُشتركة، ويُحاوِلون أن يعيشوا إيمانهم من خلال تعاونِهم وانفتاحِهم على بعضهم البعض، وصلاتِهم، وانطلاقِهم في الخدمة.
وتسعى الجماعة، فرديًّا وجماعيًّا، إلى النموّ روحيًّا وإنسانيًّا واجتماعيًّا ورسوليًّا، وذلك بعيش المحبَّة المسيحيَّة بين أفرادها. والغاية هي الشَّهادة للمسيح وإعطائه للآخرين، من خلال الخِدَم والتَّضحيات المتنوّعة التي تقوم بها الجماعة.
وليست المحبَّة محبَّة عاطفيَّة ولا انفعالاً عابرًا، إنَّها:
1. إنتباه إلى الآخر الذي يلتزم شيئًا فشيئًا.
2. الإقرار بعهدٍ، وبانتماءٍ متبادَل.
3. إصغاء للآخر، ووضع النّفس مكانه، وفهمه، والإيقان بأنَّنا نهمُّه.
4. جوابٌ لندائه وحاجاته العميقة.
5. الفرح لحضوره والحزن لغيابه.
هي أن أسكن في الآخر ويسكن فيّ، ونكون الواحد للآخر ملجأ.
«المحبَّة هي قوّة موحِّدة» – كما يقول ديونيسيوس الأريوباغي.
فالجماعة ليست فقط مجموعة أفرادٍ يعيشون معًا، ويُحِبّ بعضهم بعضًا، إنّها:
1. مجرى حياة.
2. قلب ونفس وروح.
3. أشخاص يحبُّ بعضهم بعضًا كثيرًا، ويشدُّهم رجاءٌ واحد.
وهذا الجو الفريد من الفرح والانفتاح، هو الذي يُميّز الجماعة الحقيقيَّة. هذا الجو من الفرح يتأتَّى من شعورِ كلّ واحدٍ بأنَّه حرٌّ بأن يكون ذاته، بأعمق ما في كيانه.
فعندما يُدرِكُ أعضاءُ الجماعة أنّهم ليسوا هنا من أجل أنفسهم، ولا من أجل تقديس ذواتِهم فقط، لكنّهم هنا لكي يتقبَّلوا عطيَّة اللّه، ولكي يأتي اللّه بواسطتهم ليروي ظمأ القلوب العطشى، عندئذٍ يعيشون ملءَ الجماعة. فالجماعة يجب أن تكون نورًا في عالمٍ مُظلمٍ ونبعًا في الكنيسة لجميع البشر.
ولقد أثبتت الخبرة أنّ تَقَبُّلَ الآخر هو عامل نموّ مهمّ للجماعة. وإذا كانت المحبَّة هي الركيزة الأهمّ لأجل النموّ الروحيّ وازديادِ عدد أفراد الجماعة وتماسكِها وتعزيزِ الرَّوابط بين أفرادها، وقُدرتِها على الانفتاح على الآخرين، فهذه المحبَّة يجب أن تُترجَم إلى قبولِ للآخر، وإلّا فما فائدة المحبَّة بدون ذلك القبول.
ولا شكّ أنّ التقدُّم في الحياةِ الروحيَّة، فرديًّا وجماعيًّا، يُسهم في تعزيز روابط المحبَّة وتقبُّل أفراد الجماعة بعضهم البعض. لكن أيضًا، قبول الآخر يُسهم في نموّ الجماعة روحيًّا، فيكون ذلك شهادةً ليسوع المسيح الذي قال: «أحبُّوا بعضكم بعضًا ليعرف الجميع أنَّكم تلاميذي». فالشهادة ترتبط بالوحدة المتجلّيَّة في حياة الجماعة.
لهذا يجب إدخال مفهوم قبول الآخر ضمن روحيَّة وعقليَّة كلِّ جماعة. لذلك يجب الاهتمام المتواصِل والدائم بمراجعة الذات مراجعة إنجيليَّة (على ضوء المسيح)، وفحص ضمير الفرد والجماعة والمسؤول، والتماس التقدُّم المستمر، من خلال الصلاة والتَّنشئة (الروحيَّة، الإنسانيَّة والعلائقيَّة..) والحوار الصريح والبنَّاء واحتمال سلبيات الآخر بالصَّبر والتواضع والانفتاح والمغفرة المتبادَلة، وهذا كلّه يَهدف إلى بناء جماعة ذات هُويّة كنسيَّة وانتماء كنسيّ يكون محورها السيّد المسيح له المجد وإنجيله المقدَّس، وبالتالي تكون بعيدةً عن كلّ مصلحةٍ شخصيَّة قد تَحول دون نموِّها واستمراريَّتها.
فالغاية المَنشودة هي نموّ الجماعة لتصبح على مِثال الجماعة الرسوليَّة الأولى: «وكان جميعُ المؤمنين مُتَّحدين، وكلُّ شيءٍ مشترَكاً بينهم. وكانوا يَبيعون أملاكَهم ومُقتَنياتِهم ويُوزّعون على الجميع بحسب حاجة كلِّ واحدٍ منهم. وكلَّ يومٍ يُلازِمون الهيكل بنفسٍ واحدة، ويَكسِرونَ الخبزَ في البيوت، ويَتناوَلون طعامَهم بابتِهاجٍ وسلامةِ قلبٍ، ويُسبّحونَ اللّه، ويَنعَمون بالحُظوة عند الشَّعب كلّه» (أ.ع 44:2-47).